واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي سياسة نهب الأراضي الفلسطينية، حيث أقدمت آلياتها على تجريف أراض زراعية واسعة في قرية رابا جنوب شرق محافظة جنين، تمهيدا لشق شارع عسكري بطول 12 كم يبدأ من شمال خربة ابزيق في محافظة طوباس وصولا إلى منطقة جبل السالمة الواقعة ضمن أراضي قرية رابا. ووفقا لمصادر محلية، فإن مسار الشارع الجديد لا يقتصر على الأراضي التي جرى الإخطار بالاستيلاء عليها مسبقا، بل يمتد ليشمل مساحات زراعية شاسعة تقع في الجهة الشرقية من جدار الفصل العنصري، وهو ما سيؤدي إلى حرمان الأهالي من الوصول إلى أكثر من 2300 دونم من أراضيهم الزراعية.
تندرج هذه الخطوة ضمن تصعيد ممنهج لسياسات الاستيطان والمصادرة، حيث يواجه أصحاب الأراضي الفلسطينيون هذه الاعتداءات بمحاولات متواصلة للتصدي، في حين تلجأ قوات الاحتلال إلى استخدام قنابل الغاز لقمع الأهالي وإبعادهم بالقوة عن أراضيهم. وتشير التقديرات إلى أن المنطقة مرشحة لمصادرة عشرات آلاف الدونمات الإضافية لصالح الشوارع والمعسكرات العسكرية الإسرائيلية.
وكان الاحتلال قد أصدر في وقت سابق إخطارات بالاستيلاء على أراض في الجهة الجنوبية والجنوبية الشرقية من القرية بحجة شق شارع عسكري وإنشاء معسكر في منطقة جبل السالمة. وتبلغ مساحة أراضي قرية رابا نحو 27 ألف دونم، فيما يقطنها قرابة خمسة آلاف نسمة، وقد عانت منذ عام 2003 من مصادرة أجزاء واسعة من أراضيها لصالح جدار الضم والتوسع الاستيطاني.
الامر العسكري
يذكر أن أعمال التجريف الجارية تأتي تنفيذا لأمر عسكري صادر عن ما يسمى قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، تحت عنوان “أمر بوضع اليد على أراض رقم 25/107/ وضع اليد يهودا والسامرة”، والذي يقضي بالاستيلاء على 102 دونم من الأراضي الخاصة المملوكة بأوراق طابو أردنية مثبتة ومنتهية التسوية. وبموجب هذا الأمر، تحال صلاحية التصرف بهذه الأراضي إلى قائد جيش الاحتلال، بزعم استخدامها “لأغراض أمنية”. كما أشار الأمر العسكري إلى أن نحو 28 دونما من هذه الأراضي ستخضع لإشراف “وزارة الدفاع” الإسرائيلية وسيكون جيش الاحتلال هو المسؤول المباشر عنها، في حين قد توضع المساحات المتبقية تحت إدارة ما يعرف بـ “الإدارة المدنية”.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
صور الامر العسكري
اللافت في الأمر العسكري الصادر أنه ينص على وضع اليد والاستيلاء على الأراضي دون نزع ملكيتها، بذريعة استخدامها لأغراض عسكرية. ووفقا للقانون الدولي، يجوز للقائد العسكري في الأراضي المحتلة وضع اليد بشكل مؤقت على أراض محددة إذا اقتضت الحاجة العسكرية ذلك، شريطة أن يكون الهدف حماية السكان الواقعين تحت الاحتلال أو لتلبية متطلبات حربية طارئة ومؤقتة. غير أن ما يجري في هذه الحالة يوضح بجلاء أن جيش الاحتلال يستخدم هذه الصلاحية بصورة ملتوية، إذ يتم الاستيلاء على الأراضي تحت عنوان “الاحتياجات الأمنية”، بينما الهدف الفعلي هو شق طرق تخدم المستوطنات أو البؤر الاستعمارية التي يقيمها المستوطنون في المنطقة. ويحدد الأمر العسكري مدة مؤقتة لوضع اليد حتى تاريخ 31/12/2027، لكن التجربة مع أوامر مشابهة في الضفة الغربية تظهر أنها غالبا ما تجدد تلقائيا لتكريس واقع استعماري دائم.
إقامة بؤرة استيطانية جديدة وتخريب طريق زراعي في جبل السالمة
أقدمت مجموعة من المستوطنين على إقامة بؤرة استيطانية جديدة في منطقة جبل السالمة، تمثلت في نصب خيمة وبعض المنشآت البسيطة بالقرب من الطريق العسكري الاستيطاني الذي شقه الاحتلال في المنطقة. وقد أقيمت هذه البؤرة على أراض مصنفة كخزينة أردنية بمساحة تقدر بدونم واحد، حيث يعمل المستوطنون هناك على منع المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم أو الاستفادة منها، في خطوة تهدف إلى فرض السيطرة الكاملة على المنطقة.
وفي السياق ذاته، أقدمت سلطات الاحتلال أثناء أعمالها في شق الطريق العسكري الاستيطاني على تجريف جزء من الطريق الزراعي القائم في المنطقة والذي بات صعبا على المزارعين استخدامه بسبب وجود البؤرة الاستيطانية التي لا تبعد سوى 15 مترا عنه، فضلا عن وقوعه بمحاذاة الطريق العسكري الاستيطاني. وتجدر الإشارة إلى أن غالبية مسار الطريق الزراعي تمر عبر أراض ذات ملكية خاصة فلسطينية مثبتة بأوراق طابو أردني لم تستكمل إجراءات التسوية.
مصادرة الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية
منذ مطلع العام 2025، صادرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عشرات الالاف من الدونمات من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. وقد توزعت المصادرات على مناطق متعددة شملت الأغوار الشمالية، رام الله، الخليل، القدس، بيت لحم، سلفيت، طوباس، نابلس، وأريحا. واستهدفت هذه المصادرات أراضي زراعية ورعوية وسكنية مملوكة في معظمها لعائلات بدوية وفلاحين فلسطينيين، كثير منها موثق بأوراق ملكية رسمية تعود للعهد العثماني أو السجلات الأردنية، في خرق واضح لمبدأ الحيازة المستقرة المعترف به قانونا.
الأوامر العسكرية كأداة للسيطرة
تتعدد الوسائل التي يعتمدها الاحتلال في مصادرة الأراضي، بين أوامر عسكرية تصدر بذريعة “الأمن”، وإعلانات أراض كـ”أراضي دولة”، أو تصنيفها “محميات طبيعية” أو “مناطق تدريب عسكري”. ورغم اختلاف المسميات، فإن الهدف واحد: تفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين، وإعادة تخصيصها لاحقا لصالح الاستيطان ومشاريع التوسع الاستعماري. كما يلجأ الاحتلال إلى قانون “املاك الغائبين” لتسجيل الأراضي التي هجر أصحابها قسرا، وإلى ما يسمى “تسوية الأراضي” التي تنفذ بوتيرة متسارعة عبر “الإدارة المدنية” لتكريس واقع استيطاني جديد في مناطق (ج)، وتحويل آلاف الدونمات إلى ملكيات رسمية لصالح دولة الاحتلال أو مجالس المستوطنات.
خروقات للقانون الدولي
تمثل هذه السياسات خرقا صارخا للقانون الدولي الإنساني، ولا سيما المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر التهجير القسري ونقل السكان داخل الأراضي المحتلة، والمادة (46) من اتفاقية لاهاي لعام 1907 التي تنص على حماية الملكية الخاصة. كما أكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في تموز 2024 أن الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، هي أراض محتلة، وأن أي إجراءات تهدف لتغيير طابعها السكاني أو الجغرافي تعد باطلة ولاغية.
يعكس سلوك الاحتلال استغلالا ممنهجا لفراغ العدالة الدولية عبر شبكة من الأوامر والقوانين العسكرية منذ عام 1967، تظهر نفسها كأدوات “قانونية” بينما تستخدم فعليا لشرعنة نزع الملكية وإعادة تعريف الأراضي المصادرة كأراض “عامة” أو “متروكة”، ثم تسليمها للمجالس الاستيطانية بذريعة “الأمن” أو “الصالح العام”. والنتيجة هي سياسة تطهير جغرافي تستهدف القضاء على النمط الرعوي الفلسطيني وتحويل الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة تخضع لنظام فصل عنصري يجمع بين السيطرة العسكرية والإدارية والاستيطان المدني. هذه السياسات لا تقتصر على الاستيلاء على الأرض، بل تمس جوهر البنية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الفلسطينية، وتدفع السكان نحو الفقر، النزوح القسري، والتفكك المجتمعي.
قرية رابا
قرية فلسطينية، يبلغ عدد سكانها حوالي 5000 نسمة، وتقع على قمة جبل السالمة أو إبزيق، جنوب شرقي محافظة جنين وعلى مسافة 20 كم عن مدينة جنين، بين قرى جلقموس والزبابدة وتطل على غور الأردن. تقدر مساحة أراضي قرية رابا بحوالي 27000 دونم، منها حوالي 12 ألف دونم احراش، وبموجب اتفاق أوسلو بين حكومة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، وقعت أراضي القرية ضمن تصنيف المنطقتين (أ) حيث تكون سيطرة فلسطينية كاملة، ومنطقة (ب) وهي سيطرة فلسطينية على الشؤون المدنية، فيما تبقى السلطة الأمنية تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي.
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)