في استمرار لسياسة الهدم والتضييق التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم، نفذت آليات وجرافات تابعة لقوات الاحتلال، صباح اليوم الأربعاء 6 آب 2025، عملية هدم واسعة استهدفت مبنى تجاريا مكونا من خمسة طوابق في قرية دار صلاح الواقعة شرق مدينة بيت لحم، جنوب الضفة الغربية.
البناية، التي تعود ملكيتها للمواطن زياد عدوي، تبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 1000 متر مربع، وتقع تحديدا في منطقة “قبر حلوة/مزموريا” بين بلدتي دار صلاح والشواورة. ورغم أن موقع العقار المستهدف يقع ضمن المنطقة (ب) الخاضعة إداريا وأمنيا للسلطة الفلسطينية حسب اتفاقيات أوسلو، إلا أن الاحتلال أصر على تنفيذ عملية الهدم بحجة مخالفة البناء لما يسمى بـ”قانون الحظر الأمني” المتعلق بقرب العقار من شارع التفافي استيطاني، يفرض قيودا تعسفية على البناء من حيث المسافة والارتفاع.
ووفق إفادة صاحب العقار، فإن البناء قد انجز بشكل قانوني، واستوفيت بشأنه كافة شروط الترخيص وفق الأنظمة المعمول بها من قبل وزارة الحكم المحلي الفلسطينية. ومع ذلك، تجاهلت الإدارة المدنية الإسرائيلية هذه التراخيص، وأصدرت إخطارات هدم تعسفية تحت ذرائع “انعدام الترخيص”، لتنفذ القرار في ظل غياب أي مسار قانوني عادل، في سياق ممنهج يستهدف مصادرة الأرض الفلسطينية ومنع أي تطوير عمراني فيها.
منطقة مستهدفة بالتهويد والقيود الأمنية
عملية الهدم هذه لم تكن حادثة معزولة، بل تأتي في سياق أوسع من التضييق المستمر على قرية دار صلاح ومحيطها الحيوي. فمنذ العام 2015، تصنف هذه المنطقة ضمن ما يمكن تسميته بـ”دائرة الاستهداف الأمني”، إذ أقدمت سلطات الاحتلال، في 14 تشرين أول/أكتوبر 2015، على إغلاق الشارع الرئيس المؤدي إلى مدخل القرية بالمكعبات الإسمنتية، ما تسبب في عرقلة حركة الأهالي بشكل شبه دائم، وتحوله إلى بؤرة مواجهات متكررة مع قوات الاحتلال.
لاحقا، وفي 23 تموز/يوليو 2023، نصبت قوات الاحتلال بوابة حديدية عند مفترق طرق لا يبعد سوى 200 متر عن موقع البناية المهدومة، باتجاه الشارع الالتفافي المعروف بـ”شارع ليبرمان”، (نسبة للسياسي الإسرائيلي المقيم في مستوطنة “نكوديم”) والذي يربط بيت لحم بالخليل. ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قامت سلطات الاحتلال بإغلاق هذا الطريق الحيوي بالكامل بالسواتر الترابية، ما تسبب بعزل المنطقة، وإعاقة حركة المواطنين ومركباتهم، وقطع الرابط الجغرافي الحيوي بين شمال الضفة الغربية وجنوبها.
تهديد شامل بالهدم في قرية النعمان المجاورة
بالتوازي مع عملية الهدم في دار صلاح، شهدت قرية النعمان الواقعة شمال شرق بيت لحم، على بعد أقل من كيلومتر من موقع الهدم، تصعيدا جديدا في سلسلة الانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة. ففي 30 تموز 2025، سلمت سلطات الاحتلال أوامر هدم جماعية طالت كافة منازل القرية، وعددها 35 منزلا، تضم 45 شقة سكنية مأهولة بالسكان. وقد جرى تسليم الإخطارات مباشرة للسكان، بزعم أن البناء تم دون الحصول على “تراخيص”، في تجاهل تام لحقيقة أن سلطات الاحتلال ذاتها ترفض منذ سنوات منح أي تراخيص بناء للفلسطينيين في تلك المناطق، ما يجعل هذه الذريعة أداة قانونية زائفة لتهجير السكان قسرا.
سياسة ممنهجة للضم والزحف الاستيطاني
تندرج هذه الإجراءات التعسفية ضمن استراتيجية الاحتلال الهادفة إلى فرض واقع جديد على الأرض من خلال الضم الزاحف وفرض القيود التنظيمية على الفلسطينيين في مناطق مصنفة (ب) و(ج)، لحرمانهم من حقهم في البناء والتطوير، خاصة في المناطق التي تقع ضمن المساحات الحيوية المحاذية للمستوطنات أو الطرق الالتفافية. ويجري تنفيذ هذه السياسات بدعم من “الإدارة المدنية” التابعة لجيش الاحتلال، والتي أصبحت أداة تنفيذية لسياسات المصادرة والتهجير والإخلاء في مختلف أنحاء الضفة الغربية.
ويذكر أن العام 2025 شهد تصاعدا ملحوظا في وتيرة عمليات الهدم التي تنفذها سلطات الاحتلال في مختلف أنحاء الضفة الغربية، حيث سجل هدم 1099 منشأة سكنية وزراعية وتجارية منذ بداية العام وحتى الآن، ما يعكس تصعيدا ممنهجا في سياسة العقاب الجماعي، واستهداف البنى التحتية الفلسطينية كجزء من منظومة استعمارية متكاملة.
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)
