في الثامن من شهر تموز من العام 2025، سلّمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أمرًا عسكريًا جديدًا يقضي بمصادرة أراضٍ فلسطينية وممتلكات خاصة في بلدة الخضر جنوب غرب محافظة بيت لحم. يأتي هذا الإجراء ضمن سلسلة متواصلة من الأوامر العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف أراضي الضفة الغربية المحتلة، في سياق توسع استيطاني ممنهج وفرض واقع ميداني جديد يخدم المصالح الأمنية والعسكرية لدولة الاحتلال، وفقًا لتوصيفها.
يحمل هذا الأمر العسكري رقم ت/106/25، ويقضي بالاستيلاء على 5.7 دونمًا من أراضي بلدة الخضر، في المناطق المحددة ضمن الأحواض الجغرافية الموضحة في الصور المرفقة (1-4)، وذلك بذريعة “أغراض أمنية”. وتُعدّ هذه الذريعة واحدة من الذرائع المتكررة التي باتت سلطات الاحتلال تتذرع بها للسيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية، دون تقديم تفاصيل دقيقة أو شفافة حول الأسباب الفعلية للمصادرة.
ويُشار إلى أن الأمر العسكري قد تم توقيعه بتاريخ 18 حزيران من العام 2025، إلا أن المواطنين الفلسطينيين المتضررين في بلدة الخضر لم يُبلّغوا بالأمر إلا بعد مرور 22 يوما من تاريخ صدوره، ما يعني أن الوقت المتاح لتقديم اعتراضات قانونية أمام الجهات المعنية قد أصبح شبه معدوم، خاصة في ظل ما تتطلبه هذه الاعتراضات من تحضير وثائق، وخرائط، وشهادات ملكية، وملفات قانونية موثّقة. ان هذا الأسلوب المتعمّد في تأخير التبليغ يُعدّ انتهاكًا لحقوق السكان في الوصول إلى العدالة والتمكن من الدفاع عن ممتلكاتهم وحقوقهم، وهو جزء من سياسة إسرائيلية أوسع تقوم على خلق “الوقائع على الأرض” بسرعة، بهدف تقليص فرص التصدي القانوني لها.
الجدير بالذكر أن بلدة الخضر في محافظة بيت لحم تُعد من المناطق المستهدفة بشكل متكرر من قبل الاستيطان الإسرائيلي والمستوطنين، نظرًا لموقعها الجغرافي، وقربها من عدد من المستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية، مثل “أفرات” و”نفيه دانيال”. وقد شهدت البلدة في السنوات الأخيرة عدة حالات مشابهة من المصادرة تحت ذرائع مختلفة، ما يُعزز القلق من أن الأمر العسكري الجديد هو حلقة أخرى في مخطط استيطاني أوسع لتوسيع رقعة السيطرة الإسرائيلية في جنوب الضفة الغربية. للاطلاع على المزيد من الأوامر العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت بلدة الخضر, على الرابط التالي:- http://orders.arij.org/searchLocality.php
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
الصور 1-4: نسخة عن الامر العسكري الإسرائيلي الصادر في بلدة الخضر
أظهر تحليل صادر عن معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج) بخصوص الأمر العسكري الإسرائيلي الجديد، أن سلطات الاحتلال تسعى إلى إقامة سياج أمني يحيط بالبؤرة الاستيطانية غير الشرعية “سدي بوعز” من جميع الجهات. ويهدف هذا الإجراء بالدرجة الأولى إلى توفير الحماية والأمان للمستوطنين القاطنين في البؤرة الاستيطانية (بحسب ما جاء في الامر العسكري)، وذلك بدعم مباشر من جيش الاحتلال الإسرائيلي. غير أن هذه الخطوة لا تندرج فقط ضمن اعتبارات “أمنية”، بل تُعتبر في جوهرها محاولة لفرض واقع استيطاني إسرائيلي جديد على الأرض، يُكرّس وجود البؤرة الاستيطانية غير الشرعية كأمر واقع، ويبعث برسالة واضحة مفادها بأن هذه البؤرة سيتم تثبيتها وتعزيزها بشكل أحادي الجانب، دون أي شرعية قانونية.
ويؤكد التحليل أيضا أن مثل هذه الأوامر العسكرية لا تخدم الأمن بقدر ما تُستخدم كذريعة لتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وتُعبّر عن سياسة ممنهجة لضمّ الأراضي تدريجيًا، من خلال تحويل البؤر الاستيطانية العشوائية إلى بؤرة “دائمة” تتمتع بالبنية التحتية والحماية الرسمية من قبل حكومة الاحتلال الاسرائيلي.
كما أن إقامة السياج الأمني حول البؤرة الاستيطانية “سدي بوعز“ لا يقتصر فقط على تأمين محيطها، بل يؤدي عمليًا إلى توسيع رقعة السيطرة الفعلية للبؤرة الاستيطانية على أراضي بلدة الخضر. فبحسب التحليل، فإن المساحة العمرانية الحالية للبؤرة تقدَّر بنحو 57 دونمًا، إلا أن تطبيق الأمر العسكري الجديد سيؤدي إلى مضاعفة هذه المساحة تقريبًا، لتصل إلى 103 دونما تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة. كما أن المنطقة (حيث تقع البؤرة الاستيطانية سدي بوعز) برمتها أصبحت تحت تهديد المصادرة اذ يحد البؤرة الاستيطانية من الغرب وجنوب غرب, المستوطنة الإسرائيلية بيتار عيليت و بلدة نحالين, و من الجنوب, مستوطنة نيفيه دانييل, و من الشرق وجنوب شرق, بلدة الخضر والمستوطنة الإسرائيلية “أفرات” و من الشمال الطريق الالتفافي الإسرائيلي رقم 375 وهي المستوطنات المكونة للتجمع الاستيطاني الاسرائيلي “غوش عتصيون” والذي تخطط سلطات الاحتلال الإسرائيلي الى عزله وضمه الى حدودها الجديدة التي تقوم بإعادة رسمها من خلال بناء جدار الفصل العنصري ضمن الرؤية الاحتلالية الكبرى لمدينة القدس “مخطط القدس الكبرى”.
الخريطة رقم 1: الامر العسكري الاسرائيلي في بلدة الخضر
البؤرة الاستيطانية سدي بوعز
تم إنشاؤها بشكل غير قانوني في عام 2003 على أراضٍ فلسطينية تعود لبلدة الخضر في محافظة بيت لحم. ويُشتق اسم البؤرة من قربها من مستوطنة “نفيه دانيال” الواقعة شمالها، ضمن ما يُسمى بـ”تجمّع مستوطنات غوش عتصيون” الإسرائيلي. تُعرف هذه البؤرة أيضًا باسم “شمال نفيه دانيال” أو “سدِي بوعز”، وقد أنشأها مستوطن إسرائيلي كان يقيم سابقًا في مستوطنة “نفيه دانيال”. قام هذا المستوطن بالسيطرة على تلة فلسطينية تبعد حوالي 1500 متر شمال “نفيه دانيال” (المستوطنة الأم)، ووضع فيها بيتًا متنقّلًا (كرفانًا سكنيًا)، ثم قام بتسييج المنطقة. وقد حصل المستوطن على الحماية والمساعدة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي شجّع مستوطنين آخرين على الانضمام إليه والعيش في البؤرة. ومنذ تأسيسها، شهدت البؤرة عدة عمليات توسعة، وهي اليوم تضم 54 كرفانًا وتستولي على مساحة تُقدَّر بـ52 دونمًا من أراضي بلدة الخضر. ورغم عدم قانونية البؤرة، فإن المستوطنين المقيمين فيها يتمتعون بخدمات وبُنى تحتية أساسية، مثل المياه، والكهرباء، وشبكات الهاتف.
توسع البؤرة الاستيطانية سدي بوعز خلال سنوات الاحتلال الاسرائيلي
قرارات إسرائيلية بحق البؤرة الاستيطانية “سدي بوعز”
في الثالث عشر من شهر شباط من العام 2023، صادق المجلس الوزاري الاحتلالي الإسرائيلي على تشريع تسع بؤر استيطانية عشوائية في الضفة الغربية المحتلة من خلال تشريع البناء القائم فيها، نحو335 وحدة سكنية استيطانية موزّعة على ما مساحته 1,100 دونم، منها 420 دونمًا من الأراضي الفلسطينية الخاصة[1].. وكانت البؤرة الاستيطانية الإسرائيلية “سدي بوعز” من ضمن البؤر الاستيطانية التي تم استهدافها بالقرار الإسرائيلي. ولكي يتم تشريع هذه البؤر، يتوجب على حكومة الاحتلال الإسرائيلي اثبات بأن البؤر الاستيطانية أُقيمت على أراضٍ تُعتبرها حكومة الاحتلال “أراضي دولة” بحسب التعريف الإسرائيلي
وبتاريخ العشرين من شهر نيسان من العام 2024، اعطة وزير الاستيطان الإسرائيلي “بتسلئيل سموتريتش” تعليماته لعدد من الوزارات في حكومة الاحتلال الإسرائيلي للشروع في تقديم ميزانيات وخدمات لـ68 بؤرة استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية المحتلة. وكانت هذه التعليمات بمثابة تنفيذ لقرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي الصادر في شهر شباط 2023، وللاتفاقيات الائتلافية داخل حكومة الاحتلال الإسرائيلي (الاتفاق الائتلافي بين حزب الليكود وحزب سموتريتش، وخصوصًا البند 119، الذي يشير إلى تشريع البؤر التي أُقيمت قبل شهر شباط 2011.) عوضا عن تنفيذ أوامر الهدم الصادرة بحق هذه البؤر الاستيطانية[2] أو البعض منها.
[1] The Security and Political Cabinet approved the establishment of 9 new settlements by authorizing 10 illegal outposts in the Occupied Territories
https://peacenow.org.il/en/the-security-and-political-cabinet-approved-the-establishment-of-9-new-settlements-by-authorizing-10-illegal-outposts-in-the-occupied-territories
[2] Israel Agrees to Demolish Four West Bank Outpost Structures Immediately
Prepared by:
The Applied Research Institute – Jerusalem