عندما دخلت منظمة التحرير الفلسطينية (م. ت. ف.) في عملية السلام مع إسرائيل من خلال توقيع اتفاقية أوسلو بتاريخ 13 أيلول 1993، فعلت ذلك على أمل — شاركها فيه عامة الشعب الفلسطيني — أن تُقام دولة فلسطينية ذات سيادة خلال خمس سنوات. وقد كانت هذه الدولة المرتقبة ستقوم على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في 5 حزيران 1967، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة، على أن تكون القدس الشرقية عاصمتها.
وكان من المُفترض، خلال الفترة الانتقالية المحددة بخمس سنوات، وفقًا لاتفاق أوسلو، أن يتم تفكيك الإدارة المدنية الإسرائيلية، وأن تُخلى المستوطنات الإسرائيلية تدريجيًا، وأن يتسلم الفلسطينيون السيطرة الكاملة على أرضهم ومواردهم الطبيعية ومجالهم الجوي وحدودهم، تمهيدًا لإقامة دولة مستقلة ذات سيادة ذاتية. وقد استند الموقف الفلسطيني في عملية السلام إلى رؤية جغرافية وقانونية قائمة على حدود عام 1967، والتي تُشكّل 22% من مساحة فلسطين التاريخية. وتشمل هذه:
- الضفة الغربية (بما في ذلك 49 كم² من “المنطقة الحرام”): 5,661 كم²
- قطاع غزة: 362 كم²
- المياه الإقليمية لقطاع غزة: 1,388 ميلًا بحريًا
- المياه الإقليمية للبحر الميت: 194 ميلًا بحريًا
ومع ذلك، فقد تم تقويض هذه التوقعات بشكل منهجي بسبب التوسع الإسرائيلي المتواصل في المنطقة (ج)، والتي تُشكّل 61% من مساحة الضفة الغربية المحتلة، ولا تزال خاضعة لسيطرة إسرائيلية كاملة.
سرعان ما انحدرت عملية السلام إلى دوامة من الانتكاسات والأزمات. وأصبح من الواضح بأن الاستراتيجية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة كانت تهدف إلى عرقلة جهود السلام، وإبطاء التقدم فيها، وصولًا إلى إيقاف العملية بالكامل. فبدلًا من تمهيد الطريق لقيام دولة فلسطينية، كانت التطورات على الأرض تشير إلى أن إسرائيل تعمل بجهد كبير على تعطيل هذا المسار.
فإلى جانب التوسع في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، شجّعت إسرائيل أيضًا إقامة “بؤر استيطانية” غير مصرح بها، وهي عبارة عن بركسات صغيرة وملاجئ وأكشاك استيطانية، تُقام بشكل استراتيجي على أطراف المستوطنات القائمة في الضفة الغربية المحتلة. وقد تصاعد هذا النهج بشكل ملحوظ في عام 1996، عندما دعا وزير الزراعة الإسرائيلي آنذاك، أريئيل شارون، علنًا، شبّان المستوطنين إلى الاستيلاء على قمم التلال في مختلف أنحاء الضفة الغربية.
وقد جرى لاحقًا “تقنين” هذه البؤر الاستيطانية بأثر رجعي، في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى قطع التواصل الجغرافي الفلسطيني، وعرقلة قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
اتبعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة ثابتة في تثبيت السيطرة الإقليمية من خلال الاستيلاء على الأراضي، وهدم المنازل، والتحكم بالبنية التحتية. وقد ساهمت هذه الإجراءات، إلى جانب شبكة من القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين ونشاطهم الاقتصادي، في ترسيخ الوجود العسكري الاسرائيلي والمستوطنين في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة.
تتناقض هذه السياسات بشكل صارخ مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ولا سيما قرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي أكّد على عدم شرعية النشاط الاستيطاني، واعتبره عقبة جوهرية أمام تحقيق السلام. كما تُعدّ هذه الممارسات انتهاكًا للمادة 31 من الاتفاق المرحلي لعام 1995، التي تحظر اتخاذ أي إجراءات أحادية من شأنها تغيير وضع الضفة الغربية وقطاع غزة قبل الوصول إلى تسوية نهائية.
لقد زادت التطورات الأخيرة من تقويض آفاق حلّ الدولتين بشكل كبير. ففي شهر أيار من العام 2025، أقرت الحكومة الإسرائيلية رسميًا إنشاء 22 مستوطنة جديدة، بما في ذلك إضفاء الشرعية بأثر رجعي على عشرات البؤر الاستيطانية. وقد صرّح المسؤولون الإسرائيليون بشكل صريح بأن هذه الخطوات تُعدّ جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد لفرض السيادة الدائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية ذات سيادة. وقد أثار هذا التصعيد إدانة دولية واسعة، حيث أعربت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول عن رفضها القاطع لتلك الإجراءات، مؤكدين على عدم شرعية الاستيطان، ومطالبين بوقف فوري لجميع الأنشطة الاستيطانية.
إن توسيع المستوطنات، إلى جانب الاستيلاء المستمر على الأراضي وإعادة الهندسة الديموغرافية، قد أدّى فعليًا إلى تفتيت الأراضي الفلسطينية إلى جيوب معزولة. وقد قوض هذا الواقع مبدأ التواصل الجغرافي والقدرة على قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، مما جعل رؤية “دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب” أقرب إلى الوهم منها إلى الحقيقة.
وبعد ما يقرب من ستة عقود على حرب عام 1967، بات حل الدولتين أبعد من أي وقت مضى. فالسياسات الإسرائيلية المتراكمة لم تؤدِ إلا إلى ترسيخ الاحتلال، ومنع قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، وتفكيك أسس عملية السلام بشكل منهجي.
ومن دون تحول جذري في السياسات، وضغط دولي حقيقي وملموس، فإن نافذة التوصل إلى حلّ عادل ودائم قد تُغلق نهائيًا في المستقبل القريب.
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)