في ضوء الحرب الإسرائيلية المستعرة على قطاع غزة المحاصر، تشهد الضفة الغربية المحتلة تصعيدًا خطيرًا في اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين وأراضيهم وممتلكاتهم منذ أحداث تشرين أول 2023. وتشمل هذ الاعتداءات اقتحامات عنيفة من قبل المستوطنين للأراضي والمنازل، والاستيلاء على الأراضي وتسييجها لإقامة البؤر الاستيطانية وتدمير الممتلكات باختلاف أنواعها في محاولة منهم لفرض واقع استيطاني مرير في المنطقة. تجدر الإشارة الى أن الأراضي الزراعية الفلسطينية هي محور اعتداءات المستوطنين، حيث يسعى المستوطنون إلى توسيع مستوطناتهم غير القانونية على حساب الفلسطينيين يُضاف إلى ذلك استهداف الثروة الزراعية والحيوانية. ولم تقتصر هذه الاعتداءات على الأراضي والممتلكات فقط، بل امتدت أيضًا إلى الأماكن الدينية والتاريخية (الإسلامية والمسيحية) بهدف طمس الهوية التاريخية والدينية لفلسطين، من أبرزها الاقتحامات المتكررة التي يقوم بها المستوطنون الإسرائيليون في المسجد الأقصى المبارك وتحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلية بهدف تعزيز الوجود اليهودي في هذه الأماكن وإثارة المشاعر الدينية لدى الفلسطينيين، ما يؤدي إلى زيادة التوتر والعنف.
علاوة على الاعتداءات على الممتلكات والأماكن المقدسة، يتعرض الفلسطينيون المدنيون لاعتداءات متكررة من قبل المستوطنين. تشير الإحصاءات إلى أن عدد الهجمات التي ينفذها المستوطنون بحق المدنيين الفلسطينيين شهد ارتفاعًا كبيرًا منذ أكتوبر 2023، حيث يقوم المستوطنون بمهاجمة القرى والمناطق العمرانية الفلسطينية، ويعتدون على المزارعين وأصحاب الأراضي، وفي كثير من الأحيان يتم ذلك بحماية أو غض الطرف من سلطات الاحتلال الإسرائيلي حيث تسعى هذه الاعتداءات لزرع الخوف والفوضى بين الفلسطينيين، وإجبارهم على الهجرة من قراهم ومدنهم. تجدر الإشارة الى أن هذا التصعيد في اعتداءات المستوطنين ليس مجرد أحداث فردية، بل هو جزء من سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى تعزيز السيطرة على الضفة الغربية وتقويض أي فرصة لحل سلمي أو قيام دولة فلسطينية مستقلة وتغيير الواقع على الأرض من خلال تقليل الوجود الفلسطيني وزيادة التواجد الاستيطاني. وعلى المستوى الإنساني، تسببت هذه الاعتداءات في تشريد وتهجير العديد من العائلات الفلسطينية وتدمير سبل عيشهم وخاصة التجمعات البدوية الفلسطينية في منطقة الاغوار الفلسطينية ومناطق شرق محافظة رام الله وجنوب محافظة الخليل، حيث اضطر العديد منهم الى الهجرة من أماكن سكانهم بسبب الاعتداءات المتكررة للمستوطنين والتي لم تخلو من العنف.
في ضوء هذه الأحداث، من الواضح أن الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين وأراضيهم وأماكنهم المقدسة تتزايد بوتيرة مقلقة منذ أحداث شهر تشرين أول 2023 حيث بلغت الإحصائية التي سجلها معهد الأبحاث التطبيقية-القدس (أريج) بما يزيد عن 2500 اعتداءا نفذه المستوطنون منذ شهر تشرين أول 2023 وحتى شهر تشرين أول 2024 وتنوعت هذه الاعتداءات ما بين نشاطات استيطانية واقتلاع أشجار واستهداف المدنيين الفلسطينيين هذا بالإضافة الى الاعتداء على الثروة الحيوانية وغيرها من الممتلكات. وكان من بين المحافظات الفلسطينية التي شهدت اعتداءات المستوطنين أكثر من غيرها من المحافظات الأخرى كلا من محافظتي الخليل ونابلس بواقع 542 و522 اعتداءا على التوالي، هذا بالإضافة الى محافظات القدس ورام الله وسلفيت اللاتي شهدن ازديادا في عدد اعتداءات المستوطنين مقارنة مع الأعوام الماضية بواقع 320 و282 و209 اعتداءا على التوالي. مرفق الرسم البياني رقم 2
الإطار القانوني الدولي لحماية الفلسطينيين
في القانون الدولي، من المفترض ان يحظى المدنيون في المناطق المحتلة بحماية خاصة تنص عليها اتفاقية جنيف جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12آب/أغسطس 1949 والتي تعد من أهم المواثيق التي تحمي حقوق الإنسان في أوقات الحرب. وتعتبر المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة أن نقل المستوطنين الإسرائيليين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة يشكل انتهاكًا صريحًا للقانون: ” لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها..كما لا يجوز “لدولة الاحتلال أن تحجز الأشخاص المحميين في منطقة معرضة بشكل خاص لأخطار الحرب، إلا إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية.” علاوة على ذلك، تنص المادة 53 من الاتفاقية نفسها على أنه “يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير.” ومع ذلك، يتم تجاهل هذه القوانين في كثير من الأحيان، حيث يقوم المستوطنون بحرق المحاصيل، وتدمير المنازل، واعتداءات جسدية على السكان الفلسطينيين، وكل هذا بدعم وتغطية من قوات الاحتلال الإسرائيلي مما يجعل هذا التصرف جريمة مشتركة يتحمل جيش الاحتلال الإسرائيلي جزءًا من مسؤوليتها.
انتهاكات بحق الموارد الزراعية والطبيعية
كما ان الاعتداءات المتكررة على الأشجار المثمرة، خاصةً أشجار الزيتون، تمثل انتهاكًا اقتصاديًا وثقافيًا للحقوق الفلسطينية حيث تعتبر هذه الأشجار من أهم مصادر رزق العائلات الفلسطينية، وتمثل محصولًا اقتصاديًا ومعنويًا يعزز صمودهم على الأرض. ويُعتبر تدمير الأشجار والمزارع انتهاكًا للمادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي تنص على إقرار (1) “الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية ” … وفي ظل استمرار الاعتداءات، أصدر مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة العديد من القرارات التي تندد بتصرفات المستوطنين وتدعو إلى وقف بناء المستوطنات وتوفير الحماية للفلسطينيين. ورغم الإدانات المتكررة، يظل تنفيذ هذه القرارات وتطبيقها على أرض الواقع محدودًا، مما يعكس فجوة واضحة بين القانون الدولي والتطبيق الفعلي على الأرض.
تخلف هذه الاعتداءات المتكررة آثارًا مدمرة على المجتمع الفلسطيني، سواءً من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو النفسية حيث تتسبب في تهجير العديد من العائلات الفلسطينية و خاصة البدوية كان أبرزها التجمعات البدوية شرق محافظو رام الله و التجمعات البدوية في الاغوار الفلسطينية بالإضافة الى التجمعات البدوية في مناطق جنوب الخليل, حيث فقدت العديد من الأسر الفلسطينية مصدر رزقها الأساسي هذا بالإضافة الى ترسيخ مشاعر عدم الأمان والخوف على الحياة والتوتر.
اعداد: