تتزايد انتهاكات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة يوما بعد يوم وعاما بعد عام وتزداد حدتها وعنفها، اذ شهدت السنوات القليلة الماضية ازديادا ملحوظا في عدد الانتهاكات التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون هذا بالإضافة الى ازدياد حالات العنف التي يرتكبها المستوطنون الاسرائيليون بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم واراضيهم ،ومصادرهم الطبيعية، حيث وصلت الى مستوى غير مسبوق خاصة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من شهر تشرين أول من العام 2023 وانعكاساها على الوضع السياسي العام في الضفة الغربية المحتلة.
فمنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، سجل معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج) ما يزيد عن 1800 انتهاكا في غضون تسعة أشهر حيث شملت انتهاكات بحق الأماكن المقدسة والأماكن التاريخية والاعتداء على المواطنين الفلسطينيين والثروة الزراعية والحيوانية والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والاعتداء على المنازل الفلسطينية وإقامة البؤر الاستيطانية واعمال العربدة والترهيب التي ارتكبتها جماعات المستوطنين الاسرائيليين بحق التجمعات الفلسطينية وعلى وجه الخصوص التجمعات البدوية ودفعها الى مغادرة أماكن سكناها وأيضا الاستيلاء على مصادر المياه والذي كان له الأثر الكبير على الفلسطينيين وخاصة في مناطق الاغوار الفلسطينية حيث تعتمد هذه التجمعات على هذه المصادر الطبيعية من المياه لسقي مواشيها وسد قوتها اليومي من مياه الشرب في المنطقة.
ومنذ بداية العام 2024، شهدت منطقة الاغوار الفلسطينية اعتداءا على عددا من ينابيع المياه الفلسطينية من قبل جماعات المستوطنين حيث (1) قام المستوطنون الاسرائيليون القاطنون في مستوطنة مسكيوت القريبة من نبعة عين الحلوة في الاغوار الشمالية بالاستيلاء على نبع المياه في المنطقة من خلال إقامة بؤرة استيطانية بالقرب منها، الى الشمال الشرقي من مستوطنة مسكيوت اطلق عليها هفات مسكيوت. حيث قاموا بأعمال بناء وترميم في محيط نبع المياه، وحولوها الى متنزها وملاذا سياحيا يأمه المستوطنون فقط وحرموا الفلسطينيين القاطنين في المنطقة التجمعات البدوية من الاقتراب من منطقة النبع وحرموهم من استغلال مياه النبع الذي يعتبر مصدر مياه رئيس لهم ولمواشيهم التي هي مصدر رزقهم الوحيد.
كما (2) قامت جماعات اخرى من المستوطنين الإسرائيليين بالاستيلاء أيضا على نبع مياه ثاني في منطقة عين الساكوت الى الشرق من مستوطنة ميخولا في منطقة الاغوار الشمالية حيث قامت بوضع سياج حول منطقة النبع وايضا إضافة مقاعد للمستوطنين الزائرين وتحويل المكان الى ملاذا سياحيا. تجدر الإشارة الى الاحتلال الإسرائيلي حُرم الفلسطينيين من منطقة عين الساكوت بما فيها من أراضي ومصادر مياه طبيعية لعشرات السنين وذلك من خلال زرع الألغام فيها خاصة عقب احتلال الضفة الغربية في العام 1967 وقربها من الحدود بدعوى حماية المنطقة من الهجمات الخارجية وتم تهجير سكان المنطقة آنذاك، الا انه ومن خلال معارك قضائية بين أصحاب الأراضي الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، استطاع الفلسطينيين في العام 2017 استرداد جزء من أراضي عين السكوت تقدر ب 5000 دونما بقرار قضائي صدر عن محكمة العدل العليا الإسرائيلية، الامر الذي اثار حفيظة المستوطنين آنذاك وبدأت المضايقات الإسرائيلية منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا سواء من قبل قوات جيش الاحتلال الذي اقام عددا من الحواجز العسكرية في المنطقة وعمل على تحديد دخول الفلسطينيين للمنطقة، أو من قبل المستوطنين الإسرائيليين الذين كثفوا من زياراتهم الميدانية للمنطقة ومحاولاتهم المتكررة لاستعادتها من خلال إقامة خيم استيطانية وغيرها من الاعمال الاستيطانية كتمهيد لإعادة الاستيلاء عليها. واليوم نشهد السيطرة على نبع المياه وحرمان الفلسطينيين من استخدامه.
وفي خلة الحمة الى الجنوب الغربي من قرية كردلة الفلسطينية (3) استولت مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين القاطنين في البؤرة القريبة من الخلة على نبع مياه الحمة حيث قاموا بتسييج المنطقة المحيطة بها ومنع الفلسطينيين من الوصول اليها، وبالتالي حرمانهم من استخدامها.
تجدر الإشارة الى أن هجمات المستوطنين على مصادر المياه الطبيعية في منطقة الاغوار الفلسطينية مستمرة دون هوادة حيث أن موضوع المياه يعتبر سلاحا قويا ضد السكان الفلسطينيين في المنطقة وذلك لاعتمادهم الكبير على هذه المصادر الطبيعية للأغراض الزراعية والثروة الحيوانية. كما أن مصادر المياه الموجودة تعتبر بمثابة “سبب وجود وصمود” للتجمعات البدوية الفلسطينية والتي تعتمد بشكل شبه كامل على هذه المصادر في حياتها اليومية.
وبشكل عام تعتبر ينابيع المياه من اهم المصادر المائية الفلسطينية سواء للاستخدام المنزلي او الزراعي، حيث بلغ التدفق السنوي لمياه الينابيع في عام 2020، 2021، 2022، حوالي 53.3، 38.8،37.0 مليون متر مكعب على التوالي (لا يشمل هذا الرقم مجموعة ينابيع الفشخة) وبذلك يكون الهدف الاساسي من الاستيلاء عليها هو بقصد مصادرة الاراضي من اجل التوسع الاستيطاني والسيطرة وحرمان الفلسطينيين من حقهم في المياه.
وقبل الحرب الأخيرة على قطاع غزة تم الاستيلاء على 30 نبعا والسيطرة عليها بشكل كامل نتيجة اعتداءات المستوطنين المتكررة على اكثر من 56 نبعا من ينابيع المياه الفلسطينية في الضفة الغربية[1]. وبالتالي اصبح الفلسطينيون غير قادرين على الوصول الى هذه الينابيع بالرغم ان ملكيتها تعود لهم. وتشكل هذه الاعتداءات خرقا واضحا للقانون الدولي وانتهاك للحقوق المائية الفلسطينية. (خريطة رقم 3)
الاعتداءات على الينابيع الفلسطينية من قبل الاحتلال الإسرائيلي قبل حرب 7 أكتوبر
ان حرمان الفلسطينيين من حقهم في المياه يعتبر خرقا للقانون الدولي والذي نص على أن “حق الانسان في الماء من الحقوق التي لا يمكن للإنسان الاستغناء عنها” لارتباطه ارتباطا وثيقا بحق الإنسان في العيش حياة كريمة، اذ لا يمكن فصل هذا الحق عن غيره من الحقوق والتي كفلتها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والتي منها الحق في الحياة والكرامة البشرية. كما أن الحق في المياه يكفل لكل فرد الحق في الحصول على كمية من الماء كافية وبطريقة ميسورة وذلك من اجل استخدامها للأغراض الشخصية المختلفة.
الا أن الانتهاكات الإسرائيلية على مدى الأعوام العديدة الماضية واعتداءات المستوطنين الإسرائيليين المتكررة واوامر المصادرة الإسرائيلية مكنت سلطات الاحتلال الاسرائيلي من إحكام السيطرة على الموارد الفلسطينية الطبيعية وخاصة المائية منها (من ابار وينابيع في منطقة الاغوار الشمالية) في خطوة ساهمت في حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المائية هذا بالإضافة الى فرض القيود على استغلال الفلسطينيين لحقوقهم المائية من خلال حفر الابار الارتوازية وتحويل المياه في المنطقة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنات الإسرائيلية من خلال توفير بنية تحتية خاصة في سبيل السيطرة المتعمدة على الموارد الفلسطينية والسماح للمستوطنين الإسرائيليين القاطنين في المستوطنات الإسرائيلية بتنفيذ عمليات عربدة والاستيلاء على الأراضي التي تحيط بالينابيع والابار الفلسطينية.
[1] تأثير استيلاء المستوطنين الإسرائيليين على ينابيع المياه الفلسطينية على الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين | آذار/مارس 2012
https://www.ochaopt.org/ar/content/2012-28
اعداد: