أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في السادس من شهر أيار من العام 2024 عن أمر عسكري جديد يقضي بالاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية في منطقة الاغوار بذريعة “المحميات الطبيعية”. وجاء الامر العسكري الاسرائيلي تحت عنوان “أمر بشأن حماية الطبيعة (يهودا) والسامرة) (رقم [1]٣٦٣)، ٥٧٣٠-١٩٦٩ إعلان عن محمية طبيعية “خروبة” تعديل حدود” -بموجب صلاحياتي وفق المادة ٢ من الأمر بشأن حماية الطبيعة يهودا والسامرة) (رقم (٣٦٣) ٥٧٣٠-١٩٦٩ فيما يلي: الأمر) والمادة (۳ (۱) (۲) من الأمر بشأن إقامة إدارة مدنية (يهودا والسامرة) (رقم (٩٤٧)، (٥٧٤٢ –۱۹۸۱، أعلن بهذا أن موقع “الخروبة” تعديل حدود، أراضي التي تبلغ مساحتها ۱۲,۳۲۰,۳۸۸ دونم، تعتبر “كمحمية طبيعية”، كمفهومها في الأمر.” والجدير بالذكر أنه بحسب ما جاء في الامر العسكري، فان بدء سريان الامر العسكري ٦٠ يوما من تاريخ نشره، علما بأن تاريخ الاصدار المدون على الامر العسكري الإسرائيلي هو السادس والعشرين من شهر اذار من العام 2024. الصورة رقم 1
الصورة رقم 1-2: الامر العسكري الإسرائيلي الذي يستهدف منطقة الخروبة في الاغوار الفلسطينية
وفيما يخص الأراضي الفلسطينية المستهدفة في الامر العسكري، فهي تعرف “بمحمية الخروبة” وتقع في منطقة الاغوار الفلسطينية، وبالتحديد على أراضي محافظة اريحا، حيث تتوسط عددا من المستوطنات الإسرائيلية، مستوطنة مسوع من الناحية الجنوبية، ومستوطنة ميخورا من الناحية الغربية، ومستوطنة الحمرا من الناحية الشمالية الغربية ومستوطنة ارجمان من الناحية الشرقية. كما أن المنطقة التي تم الإعلان عنها رسميا بانها محمية طبيعية، هي أيضا أراضي خضعت لتصنيف –”أراضي حكومية” (أراضي تتبع لدولة الاحتلال الاسرائيلي) في أعوام سابقة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي. كما ويندرج اعلان “المحمية الطبيعية” الجديد ضمن المخطط الهيكلي الإسرائيلي رقم 24_51 الصادر في السابع عشر من شهر أيلول من العام 1990 والذي ينص على تخصيص المنطقة المستهدفة “كمحمية طبيعية” الا انه لم يتم الإعلان عنها بشكل رسمي آنذاك وبقيت قيد التخطيط حتى تاريخ الإعلان الإسرائيلي الحالي، حيث بلغت مساحة الأرض المستهدفة في ذلك الوقت 9,426 دونما. واليوم عاد جيش الاحتلال الإسرائيلي ليعلن، بشكل رسمي, عن المنطقة بانها أصبحت تخضع لتصنيف “محمية طبيعية” ولكن مع تعديل في المساحة المستهدفة بحيث أصبحت 12,320 دونما، أي بزيادة بلغت 2,894 دونما عن المساحة الاصلية للمحمية.
الخارطة رقم 1: المساحة المصادرة بحسب الامر العسكري – باللون الاحمر
تجدر الإشارة الى أنه في السابع عشر من شهر كانون الثاني من العام 2020، أعلن وزير الاحتلال الإسرائيلي آنذاك، نفتالي بينيت، الموافقة على تعيين 7 محميات طبيعية جديدة[2] في الضفة الغربية المحتلة كجزء من المحاولات الإسرائيلية لفرض مزيدا من السيطرة على المناطق المصنفة “ج” هذا بالإضافة الى توسيع 12 محمية أخرى[3] في الضفة الغربية المحتلة. وكانت “محمية الخروبة” من بين المحميات الطبيعية التي تم استهدافها بالتوسع آنذاك حيث تم توجيه تعليمات إلى الإدارة المدنية الإسرائيلية، الذراع الأيمن للحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة, للمضي قدماً في هذه الخطوة، بعد سنوات من الجمود السياسي, بحسب التصريحات الاسرائيلية. وهذا في الواقع ما نشهده اليوم، فقد جاء الإعلان الإسرائيلي الأخير (توسيع محمية الخروبة) نتيجة سنوات من التخطيط والعمل من قبل السلطات الإسرائيلية التي لم تتوانى في تنفيذ التعليمات للسيطرة على الأراضي الفلسطينية في الوقت الذي تذرعت فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بأن “إضافة محميات طبيعية في المنطقة “ج” هو شريان حياة للاستمرار البيئي لنهر الأردن ووادي الأردن،” الا أن الحقائق على الأرض مختلفة تماما عما يتم الحديث عنه, حيث يتم استخدام هذه المحميات لاحقا للبناء الاستيطاني والنشاطات الاستيطانية المختلفة. كما أن الأراضي المستهدفة في الإعلان الاسرائيلي الحالي (توسيع وتعديل حدود محمية الخروبة) هي أيضا أراضي تخضع لتصنيف “أراضي حكومية اسرائيلية” بفعل “أمر بشأن أملاك الحكومة (منطقة الضفة الغربية) (رقم 59) لسنة 5727 -1967.
والاعلان الإسرائيلي الحالي ليس بالأول من نوعه الذي يستهدف منطقة الاغوار الفلسطينية، فخلال الأعوام القليلة الماضية استهدفت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بعدد من الأوامر العسكرية التي طالت عشرات الالاف من الدونمات بذريعة المحميات الطبيعية. فيما يلي نبذة عن الأوامر الصادرة:-
- ففي الرابع والعشرين من شهر اذار من العام 2024 نشرت سلطات الاحتلال الاسرائيلي أمرا عسكريا جديدا ينص على مصادرة الاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية في محافظة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة, في الجزء الذي يقع ضمن منطقة الاغوار الفلسطينية, بذريعة انها “أملاك حكومية” حيث أن المساحة المستهدفة في الامر العسكري بلغت 8159.8 دونما.
- أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الخامس من شهر اذار من العام 2024 ثلاثة أوامر عسكرية إسرائيلية جديدة تستهدف الاّف الدونمات من الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة بذريعة المحميات الطبيعية وهي موقع محمية ام زوقا” تعديل حدود، أراضي تبلغ مساحتها ٢٤,٩٢٤ دونما، و محمية “فصائيل” (فصايل) تعديل حدود) بواقع ۱۳,۱۳٤ دونما ومحمية “قانة لسمر” بواقع ۷,۳۰٦ دونما، أي بمساحة اجمالية قدرها 45,364 دونما.
- قامت السلطات الإسرائيلية في الثاني عشر من شهر تشرين الثاني من العام 2023، بإصدار ثلاثة أوامر عسكرية أخرى جديدة تستهدف ثلاثة مواقع في الضفة الغربية المحتلة وعلى وجه الخصوص في منطقة الاغوار الفلسطينية, بذريعة محميات طبيعية ومناطق حرجية, وهي أمر بشأن حمایة الطبيعة (یھودا والسامرة) (رقم ۳٦۳[2])، ۱۹٦۹-٥۷۳۰ إعلان عن محمیة طبیعیة “عینوت تسوكیم-عین فشخة” (تعدیل حدود): حيث يستهدف ما مساحته 8857.7 دونما من الأراضي الفلسطينية الواقعة الى الغرب من منطقة البحر الميت، ابتداءا من مستوطنة افينات الإسرائيلية، صعودا باتجاه الشمال، بمحاذاة الشارع الالتفافي رقم 90 من الجهة الشرقية. وايضا الامر بشأن حمایة الطبيعة (یھودا والسامرة) (رقم [3]۳٦۳)، ۱۹٦۹-٥۷۳۰ إعلان عن محمیة طبیعیة “قمران” (تعدیل حدود) الذي يستهدف 409.8 دونما من الأراضي الفلسطينية الى الغرب من منطقة البحر الميت، جنوب مستوطنة كاليا الإسرائيلية, بمساحة اجمالية قدرها 9,267.5 دونما.
- في التاسع والعشرين من شهر كانون الأول من العام 2023 نشرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أمرا عسكريا جديدا تعلن فيه استحواذها على مساحات شاسعة في المنطقة الشمالية والغربية للبحر الميت (قبالة شواطىء البحر الميت) والتي تطلق عليها تسوك” ههعتكيم” (وادي درجة) (بحسب المسمى الاسرائيلي) بذريعة تصنيفها على انها محمية طبيعية بواقع مساحة قدرها ٨٤,٦٤٩ دونما. ويأتي هذا الامر العسكري الإسرائيلي أيضا متمما لأمر عسكري إسرائيلي اخر كان قد صدر في الرابع والعشرين من شهر نسيان من العام 2022, بشأن اعلان مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية جنوب مستوطنة ألموج الجاثمة على أراضي محافظة أريحا (ما مساحته 21,959 دونما) على انها محمية طبيعية تحت مسمى “ناحل أوغ” (وادي مكلك) الامر الذي يعزز الفصل الجغرافي في المنطقة اذ يرتبط الامر العسكري الإسرائيلي الجديد والامر الصادر في العام 2022 مع جدار العزل العنصري حول تجمع مستوطنات ‘معاليه ادوميم’ شرق مدينة القدس والذي تسعى اسرائيل الى ضمه الى مدينة القدس المحتلة و بالتالي الى اسرائيل.
الأوامر العسكرية الإسرائيلية الصادرة هي أكبر دليل على الاستهداف المتعمد للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وعلى وجه الخصوص منطقة الاغوار الفلسطينية، بغض النظر عن الذريعة المستخدمة في الامر، لما لها من أهمية استراتيجية وأمنية وجيوسياسية. تجدر الإشارة الى أنه في العام 2010 نشر مكتب القدس للشؤون العامة[4] دراسة اسرائيلية بعنوان ‘الاحتياجات الامنية الاسرائيلية لإقامة سلام قابل للحياة’ كان قد أعدها عدد من الساسة الإسرائيليين منهم نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك و وزير شؤون الدولة الاسرائيلي الاستراتيجية موشيه يعالون و أوزي دايان, جنرال سابق في جيش الدفاع الاسرائيلي و عضو في حزب الليكود, و دوري غولد المستشار السياسي السابق لرئيس الحكومة الاسرائيلية الحالية ‘بنيامين نتنياهو’ و أهارون زئيفي رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية السابق و اودي ديكيل رئيس طاقم المفاوضات الاسرائيلي مع الفلسطينيين في عهد الحكومة الاسرائيلية السابقة ويعقوف اميدرور لواء بقوات الاحتياط الإسرائيلية و يدير فرع التقييم والأبحاث بالاستخبارات العسكرية الإسرائيلية و المؤلف الاسرائيلي دان ديكير. وقد تم الاشارة في كثير من محتويات الدراسة الى ان اسرائيل لا تنوي التخلي عن المنطقة الشرقية للضفة الغربية لأهميتها الاستراتيجية ونظرا لاعتبارها عائق أمني أمام ما تعتبره اسرائيل ‘بالجبهة الشرقية’. وقد أشادت الدراسة الاسرائيلية بحق احتفاظ اسرائيل لهذا الجزء من الضفة الغربية لما تنص عليه المتطلبات الأمنية والأساسية لمواطنيها.
[1] الامر العسكري الاسرائيلي رقم 363 للعام 1969 يخول الإدارة المدنية الإسرائيلية بالإعلان عن أيّة منطقة في الضفة الغربية المحتلة “كمحمية طبيعية” أو “كمناطق طبيعية” بموجب أوامر تصدرها. وعادة يتم فرض قيود صارمة على البناء واستخدام الأراضي على هذه المناطق للمطالبة بحماية البيئة. حيث، يتم استخدام هذه الأراضي لاحقا من السلطات الإسرائيلية لبناء المستوطنات عليها لاحقًا.
[2] المحميات الطبيعية الجديدة بحسب الاعلان الإسرائيلي في العام 2020 هي محمية وادي المالحة ومحمية كهف أريئيل ومحمية وادي الاردن, و محمية بيترونوت ومحمية وادي المالحة و محمية وادي ترتسا و محمية روتم مسكيوت ومحمية ناحال أوغ ومحمية جنوب نهر الأردن (بحسب المسميات الإسرائيلية)
[3] ماتزوك هعتقيم، وادي قانا، صرتبة، بيتسائيل, أم زوكا، عينوت تسوكيم، الخروبة، سلفادورا برسكا، جبل غدير، وادي الاسمر، مستنقع وادي المالحة، ومحمية قمران.
[4] مركز القدس للشؤون العامة (JCPA) هي منظمة مستقلة غير ربحية في القدس, تركز على أمور البحث و السياسة الخارجية الإسرائيلية بشكل عام ، وعلى وجه الخصوص,على حقوق إسرائيل بموجب القانون الدولي في سياق الصراع العربي الإسرائيلي.
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)