محمية وادي قانا في وجه التهديد الاسرائيلي

ان الحرب الإسرائيلية المسعورة ليست محصورة في قطاع غزة المحتل فقط، بل تمتد آثارها إلى الضفة الغربية المحتلة حيث لا تنفك سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن استهداف الضفة الغربية المحتلة بالمخططات الاستيطانية والسياسات الممنهجة في سبيل توسيع نطاق سيطرتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواءً عبر إقامة المستوطنات الجديدة  وتوسيع القائمة منها و إقامة البؤر الاستيطانية أو فرض القيود والمعيقات على المواطنين الفلسطينيين أو الاستيلاء على الأراضي من خلال الأوامر العسكرية تحت ذرائع واهية وغيرها من السياسات الإسرائيلية الممنهجة التي لا تراعي حق الفلسطينيين في الأرض والمسكن وحرية الحركة وحرية العبادة الامر الذي أدى الى تفاقم الوضع السياسي في المنطقة وبالتالي مزيدا من العنف. وتعكس الجهود الاستيطانية والعسكرية الإسرائيلية نية الاحتلال في نيل مصالحه الاستيطانية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني واستمرار عمليات التهجير والتهويد وتقييد الحريات وتقويض فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة.

وأعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الرابع والعشرين من شهر شباط من العام 2024 منطقة محمية وادي قانا شمال الضفة الغربية المحتلة “منطقة عسكرية مغلقة” وطردت المزارعين الفلسطينيين منها، وأغلقت جميع المداخل المؤدية اليها في سبيل احكام سيطرتها على المنطقة برمتها وضمان عدم وصول الفلسطينيين اليها باي طريقة ممكنة. وتعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي دون كلل أو ملل على تنفيذ مخططات الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة على الرغم من الانتقادات الدولية المتزايدة والتي تصف هذه الممارسات بأنها غير قانونية وتهدد فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة. فالاستيطان الإسرائيلي لا يقتصر على توسيع المستوطنات فقط، بل هو سياسة ممنهجة تستهدف تقويض فرص تحقيق السلام الدائم من خلال خلق واقع جيوسياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة يصعب تغييره مع مرور الوقت.

وتأتي هذه الممارسات في إطار السياسات الإسرائيلية المتواصلة لقمع والتضييق التي تفرضها دولة الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك أيضا إقامة المزيد من الحواجز العسكرية والاعتقالات التعسفية وعمليات الهدم والمضايقات اليومية واستباحة عنف المستوطنين هذا بالإضافة الى السيطرة على الأراضي والموارد الطبيعية وقمع أي مظاهر احتجاج فلسطينية على الحرب المسعورة التي تشنها في قطاع غزة المحتل والتي راح ضحيتها حتى اليوم قرابة ال 33,000 فلسطيني هذا بالإضافة الى التدمير المتعمد للبنية التحتية بجميع اشكالها وسياسات التجويع التي سببتها في القطاع المحاصر من خلال عدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية للقطاع.

استهداف منطقة واد قانا – في محافظة سلفيت

وللوهلة الأولى، يظن البعض أن ما تنفذه سلطات الاحتلال الاسرائيلي في محمية وادي قانا الفلسطينية هو نتيجة للأوضاع السياسية الراهنة وكنوع من العقاب الجماعي التي ترتكبه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، الا أن الاجراء الإسرائيلي الأخير (اغلاق محمية وادي قانا) لم يكن وليد اللحظة، حيث انه خلال أعوام الاحتلال الإسرائيلي عمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الى استهداف المنطقة بشتى الوسائل الممكنة تخللت حملات تضييق على المزارعين الفلسطينيين في المنطقة ومنعهم من البناء واستصلاح الاراضي ومصادرة المعدات الزراعية في معظم الأحيان, هذا بالإضافة الى اغلاق المنطقة أمام المزارعين الفلسطينيين ومنعهم من الدخول اليها عدة مرات وتستمر سلطات الاحتلال حتى يومنا هذا بممارسات التضييق على المنطقة في سبيل تهويدها والسيطرة عليها تدريجيا.

تجدر الإشارة الى انه في العام 1983، طرحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي المخطط رقم 51/4 والذي يقضي بإعلان منطقة محمية وادي قانا “كمحمية طبيعية”، على ما مساحته 13,799 دونما من الأراضي الفلسطينية، حيث أن الاجراءات الإسرائيلية السابقة الذكر جاءت تمهيدا للبدء بتطبيق المخططات الاستيطانية فعليا على الأرض. الصورة رقم 1

الصورة رقم 1: المخطط الاستيطاني الإسرائيلي رقم 51/4: اعلان منطقة واد قانا محمية طبيعية

ثم قامت سطات الاحتلال الإسرائيلي في أعوام لاحقة, وبالتحديد في الثامن عشر من شهر تشرين الثاني من العام 1992, بالتعديل على المخطط السابق الذكر بحيث يصادر مساحة إضافية من الأراضي الفلسطينية في منطقة محمية وادي قانا في محافظة سلفيت, حيث أصبحت المساحة التي تخضع لتصنيف “محمية طبيعية” بحسب التصنيف الإسرائيلي الى16,498  دونما, بزيادة قدرها 2,699 دونما عن المخطط الأول (المخطط رقم 51/4).

نبذة عن واد قانا … الاستهداف الإسرائيلي للطبيعة الخلابة:

يُعتبر وادي قانا الذي يفصل محافظتي سلفيت وقلقيلية واحدًا من أبرز مناطق الجذب الطبيعي في فلسطين. يحيط بهذا الوادي عددا من القرى الفلسطينية مثل دير استيا، وقراوة بني حسان، وبديا، وسنيريا، وكفر ثلث، وعزون، وكفر لاقف وجنصافوط. ويشتهر الوادي بجماله الطبيعي ووفرة مصادر المياه فيه والأراضي الزراعية هذا بالإضافة الى الأشجار المثمرة والحرجية في المنطقة والمحاصيل والماشية مما جعله هدفًا واضحًا لسلطات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، نظرًا لجمال المنطقة ووفرة الموارد الطبيعية فيه.

النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية في منطقة وادي قانا

فمنذ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في العام 1967, استأنفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي برنامجها الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة في خطوة كانت تهدف بالدرجة الأولى الى السيطرة على الأراضي الفلسطينية وتعزيز وجودها عليها من خلال خلق واقع استيطاني يصعب تغييره. وقد كان لمنطقة وادي قانا شمال الضفة الغربية نصيبا من هذا النشاط الاستيطاني الذي فرضته سلطات الاحتلال في المنطقة وأدى الى مصادرة الاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية. فكانت مستوطنة كرني شومرون أولى المستوطنات الإسرائيلية التي تم بنائها على أراضي منطقة وادي قانا في العام 1978، تليها سلسلة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي تم بنائها أيضا في المنطقة والتي أصبحت اليوم تشكل خطرا كبيرا على الوجود الفلسطيني هناك حيث لا تنفك سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن طرح العطاءات والمخططات لاقامة أحياء استيطانية جديدة وتوسيع البؤر الاستيطانية الغير شرعية وضمها الى ما تطلق عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي “بمناطق نفوذ المستوطنة”.  الجدول رقم 1 يظهر المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي تم انشائها في منطقة وادي قانا على حساب الأراضي الفلسطينية شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة: –

واليوم, تفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقريبًا السيطرة الكاملة على مصادر المياه الطبيعية في الوادي, كما أدت الحفريات العميقة في المنطقة إلى جفاف الآبار والينابيع الطبيعية حيث يتم استخدامها اليوم من قبل المستوطنات والبؤر الاستيطانية المحيطة بعدما تم السيطرة عليها حيث لم يبقى سوى بضع موارد مائية يستفيد منها المزارعين الفلسطينيين والتي لا تكاد تكفي للاستخدام اليومي.

بالإضافة إلى ذلك، تسببت المستوطنات الإسرائيلية المحيطة في منطقة وادي قانا بتلوث الأراضي المحيطة بفعل مياه الصرف الصحي الناتجة عن تلك المستوطنات والتي يتم ضخها وبشكل متعمد باتجاه الأراضي الفلسطينية بهدف تلويثها بحيث تصبح غير صالحة للزراعة فيما بعد. علاوة على ذلك، قامت سلطات الاحتلال في العديد من الأوقات بمنع المزارعين الفلسطينيين من زراعة أراضيهم، هذا بالإضافة الى اعتداءات المستوطنين القاطنين في المنطقة على المزارعين الفلسطينيين وممتلكاتهم والتي تتمثل في حرق المئات من الأشجار المثمرة ومهاجمة المدنيين وطردهم من أراضيهم.

كما قامت السلطات الإسرائيلية خلال أعوام الاحتلال بالعمل على توسعة المستوطنات والبؤر الاستيطانية في منطقة وادي قانا في محاولة منها لمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية وأيضا توطين أكبر عدد ممكن من المستوطنين الإسرائيليين لتعزيز وجودها وتثبيتها كأمر واقع يصعب تغييره تحت أي تسوية مستقبلية. كما رصد معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج) عددا من المخططات الاستيطانية التوسعية المستقبلة التي تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي الى طرحها وتنفيذها في منطقة وادي قانا. الجدول رقم 2 يظهر قائمة بالمخططات الاستيطانية التوسعية المستقبلة  

مسارا سياحيا إسرائيليا في منطقة واد قانا

في الخامس والعشرين من شهر أيار من العام 2016، كشفت صحيفة ” هآرتس” الإسرائيلية اليومية أنه خلال الأعوام الماضية (قبل 2016)، أن ما يسمى “بمجلس السلطة المحلية” التابع لمستوطنة “كرني شومرون” بالتعاون مع وزارة البيئة الإسرائيلية والإدارة المدنية الإسرائيلية وسلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية يسعون إلى تعزيز منطقة وادي قانا في محافظة سلفيت سياحيا[1]. ووفقًا لما جاء في الصحيفة، لا يوجد نية في التملك الإضافي للأراضي الفلسطينية الخاصة في المنطقة، ولكن ما يسمى “بمجلس السلطة المحلية التابع لمستوطنة كرني شمرون” ينوي تعزيز الروابط بين المستوطنات الإسرائيلية القائمة في المنطقة من خلال إنشاء مزيدا من مسارات المشي (المسارات السياحية)، وتطوير المواقع الأثرية في المنطقة، وتوفير مسارات لذوي الاحتياجات الخاصة تمكنهم من الوصول الى المنطقة بكل سهولة، وأيضا الحفاظ على الموارد المائية والأماكن الطبيعية. واليوم, وفي كل مرة يتم فيها تسيير رحلات مشي (رحلات سياحية) في منطقة وادي قانا, يتم منع المواطنين والمزارعين الفلسطينيين من الدخول الى المنطقة ويتم تضييق الخناق عليهم في سبيل توفير “الأمان” للمستوطنين الزائرين.   

الصورة رقم 2: صورة لأحدى مسارات المشي (المسارات السياحية) التي يتم الترويج لها[2]

 جدار العزي العنصري الإسرائيلي

أظهر التعديل الأخير لمسار جدار العزل العنصري الإسرائيلي في العام 2007 أن منطقة وادي قانا مهددة بالعزل الكامل عن التجمعات الفلسطينية التي تحيط بها, حيث يظهر التعديل الأخير لمسار جدار الفصل العنصري الإسرائيلي أن الجدار سوف يلتف على منطقة وادي قانا من جميع الجهات ليعزل المنطقة بالكامل بما فيها من مستوطنات وبؤر استيطانية وأراضي زراعية ومصادر طبيعية وضمها بشكل احادي الجانب وغير قانوني للسيطرة الإسرائيلية.  الخارطة رقم 1

الوضع الحالي للمحميات الطبيعية في الضفة الغربية المحتلة

يُعرَّف مصطلح المحمية الطبيعية بأنها “المنطقة التي تخصصها الحكومة لغرض الحفاظ على بعض الحيوانات أو النباتات أو كليهما”. ويعرِّف الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة في العام 2007 المنطقة المحمية بأنها “منطقة من اليابسة و/أو البحر مخصصة خصيصًا لحماية وصيانة التنوع البيولوجي، والموارد الثقافية الطبيعية والمرتبطة به، وتُدار من خلال وسائل قانونية أو أخرى فعَّالة”.

وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، يسجل معهد الأبحاث التطبيقية-القدس (أريج) 45 محمية طبيعية “إسرائيلية” معلنة رسميًا (53 موقعًا) في الضفة الغربية المحتلة، تُعادل مساحتها 350.7 كيلومتر مربع، وتمثل 6.2٪ من إجمالي مساحة الضفة الغربية. ويقع معظم مواقع المحميات الطبيعية المعلن عنها رسميا بحسب سلطات الاحتلال الإسرائيلي (294.5 كيلومتر مربع – (84٪ من إجمالي مساحة المحميات الطبيعية) في المنطقة المُصنّفة “ج” حيث ما زالت السيطرة الكلية تخضع لسلطات الاحتلال الإسرائيلي. فيما تقع فقط 4٪ من مساحة المحميات الطبيعية في المنطقة المصنفة أ بحسب اتفاقية أوسلو الثاني المؤقتة للعام 1995، حيث تتحمل السلطة الوطنية الفلسطينية جميع المسؤوليات فيما يتعلق بالأمن الداخلي والنظام العام، بينما تقع 8.3٪ من مساحة المحميات الطبيعية في المنطقة المصنفة “ب” حيث تتمتع السلطة الوطنية الفلسطينية بالسيطرة الكاملة على الشؤون المدنية وتسيطر إسرائيل المسؤولية الأمنية الكاملة للمنطقة. الجدول التالي يبين المحميات الطبيعية في الضفة الغربية المحتلة بحسب المصادر الاسرائيلية.   

في الختام

ان إجراءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة وادي قانا تهدف، وبالدرجة الأولى، الى السيطرة على الأراضي الفلسطينية بغض النظر عما يمكن أن يتسبب ذلك للفلسطينيين من خسارة لأراضيهم ومصدر رزقهم وحقهم في الأرض ومصادرهم الطبيعية. ومن الضرورة إعادة التذكير أن اسرائيل ومنذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في العام 1967, تغنت على مسميات زائفة وغير شرعية وهي القوانين التي سنتها وفرضتها على الفلسطينيين عقب احتلالها للأراضي الفلسطينية في سبيل الاستيلاء على الاراضي الفلسطينية. فمنذ احتلالها للأراضي الفلسطينية، ابتدعت إسرائيل العديد من القوانين الغير شرعية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية وإظهار نفسها بصورة “الدولة الديمقراطية” أمام المجتمع الدولي، الا أن ما حدث وما زال يحدث على أرض الواقع يخالف تماما ما تحاول اسرائيل اظهاره للعالم حيث أن الدولة التي تدعي “الديموقراطية” (دولة الاحتلال الاسرائيلي) تلاعبت بالقوانين بما يتناسب ومطامعها الاستيطانية في المنطقة بهدف بناء المستوطنات الاسرائيلية والقواعد العسكرية والبؤر الاستيطانية وغيرها من المشاريع الاستيطانية.

• [1] The Israelization of Qana Valley in Salfit Governorate
  https://poica.org/2016/05/the-israelization-of-qana-valley-in-salfit-governorate/

• [2] נחל קנה
  https://inature.info/wiki/%D7%A0%D7%97%D7%9C_%D7%A7%D7%A0%D7%94

اعداد:

معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)