شجرة الزيتون، تعني التاريخ والتقاليد والعلاقة الوثيقة بين المزارع والأرض، بخلاف ذلك، يتم تصوير شجرة الزيتون على أنها علامة السلام والازدهار والوجود الممتد عبر الزمن. وفي الأرض الفلسطينية، لم تعد شجرة الزيتون رمزا للسلام بل رمزا للمعاناة والصمود، إذ أصبح استهداف أشجار الزيتون استراتيجية إسرائيلية ممنهجة، وأصبح اقتلاع أشجار الزيتون إجراءً منظما اعتمده جيش الاحتلال الإسرائيلي ومن قبل المستوطنين الإسرائيليين القاطنين في المستوطنات والبؤر الاستيطانية الغير قانونية طوال ال 56 عاما من الاحتلال الإسرائيلي. وكان لهذه التعديات آثارا كبيرة على الزراعة والاقتصاد والهوية الفلسطينية. ولطالما شكلت منتجات أشجار الزيتون مصدر رزق لآلاف الأسر الفلسطينية منذ قرون وحتى يومنا هذا.
وفي ظل الحرب المسعورة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، لا تسلم الضفة الغربية المحتلة أيضا من اعتداءات جيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه والتي باتت تشكل كابوسا للفلسطينيين وخاصة أن هذه الاعتداءات التي تسجّل يوميًّا هي اعتداءات عنف ضدّ المواطنين الفلسطينيّين بجميع اشكالها من ضرب وقتل واطلاق نار واعتداء بالأدوات الحادة هذا بالإضافة الى عمليات الترهيب وتدمير الممتلكات وسرقة الأراضي وأيضا الاعتداء المتعمد على الأشجار الفلسطينية (وخاصة الزيتون) وكأنها فعلا أصبحت سياسة ممنهجة ينفذها المستوطنون كل عام وتزداد شدتها في موسم القطاف. ولعل أبرز ما يميز موسم الزيتون الفلسطيني هذا العام هو عدم قدرة المواطنين الفلسطينيين من الوصول الى أراضيهم لقطف محصول الزيتون وخاصة في المناطق المصنفة “ج” في الضفة الغربية المحتلة (والتي تحتوي على 61% من مساحة الأراضي الفلسطينية المزروعة) في ظل سياسة الاغلاق المشددة التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المحافظات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة عقب احداث السابع من شهر تشرين أول من هذا العام, وأيضا من استطاع الوصول الى أرضه في ظل الوضع السياسي الحالي وسياسة الاغلاق الإسرائيلية ومنع الوصول, دفع ثمنا باهظا جراء هجمات المستوطنين الشرسة بحق ما هو فلسطيني, من أشجار وأراضي وممتلكات وحتى المواطنين أنفسهم الذين لم يسلموا من الايذاء والذي وصل لحد القتل في بعض الاحيان. الخريطة رقم 1
الخريطة رقم 1: الحواجز الإسرائيلية التي اقامتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بين المحافظات الفلسطينية منذ السابع من شهر تشرين أول من العام 2023 والتي أدت الى تقسيم الضفة الغربية الى كانتونات ومعازل منفصلة.
وتجدر الإشارة الى أن الاراضي الفلسطينية المحتلة الأكثر تضررا جراء سياسة الاغلاق الإسرائيلية تلك القريبة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية وبمحاذاة الطرق الالتفافية الإسرائيلية التي تشهد بالعادة صدامات حادة بين أصحاب الأراضي الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين القاطنين فيها, وأيضا تلك القريبة من جدار الفصل العنصري الاسرائيلي.
وكان شهر تشرين الأول من هذا العام (2023) الاكثر عنفا واحتداما من حيث عدد ونوعية اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين حيث وثق معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج) قرابة ال 400 اعتداء في هذا الشهر فقط، حيث تربع على عرش الاعتداءات مقارنة بالأشهر الماضية (منذ بداية العام 2023). ووفق احصائيات معهد, أريج قرابة 480 اعتداءا نفذه المستوطنون الاسرائيليون منذ بداية الأحداث وحتى اليوم . الرسم البياني التالي يوضح حجم الاعتداءات التي تم رصدها من خلال المتابعة اليومية: –
الرسم البياني رقم 1: اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة خلال العام 2023
الاستهداف الاسرائيلي لموسم الزيتون
والجدير بالذكر أن موسم قطف الزيتون في فلسطين لهذا العام هو الأكثر استهدافا من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه الامر الذي الحق خسارة اقتصادية للعائلات الفلسطينية التي تعتمد في دخلها على محصول الزيتون. فخلال العام 2023، رصد معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج) 87 اعتداءا على الأشجار الفلسطينية في الضفة العربية المحتلة نتج عنها اقتلاع ما يزيد عن 8800 شجرة مثمرة, 90% منها هي أشجار زيتون بينما الأشجار الأخرى التي تم اقتلاعها هي أشجار لوز وعنب وحمضيات وأشجار حرجية.
ومن بين التجمعات الفلسطينية الأكثر استهدافا من حيث اقتلاع الأشجار كانت كل من تجمعات حوسان والخضر ونحالين غرب مدينة بيت لحم والتي هي أقرب جغرافيا لتجمع مستوطنات غوش عتصيون وتقوع وخلايل اللوز شرقي مدينة بيت لحم والقريبة من تجمع مستوطنات تكواع ونيكوديم والبؤر الاستيطانية المحيطة, و أيضا كل من تجمعات اللبن الغربي و سنجل و أم صفا و المغير ونعلين في محافظة رام الله, وكذلك تجمعات كفر الديك وسلفيت و ياسوف وقراوة بني حسان في محافظة سلفيت, وأيضا تجمعات يطا وترقوميا و مسافر يطا وبني نعيم و بيت أمر في محافظة الخليل, و كذلك تجمعات روجيب وقصرة وبرقة ودير شرف وبورين وجوريش في محافظة نابلس وتجمعات اماتين وجيت و عزون في محافظة قلقيلية. وتجدر الإشارة الى أن كل من محافظات الخليل ونابلس وسلفيت كانت من بين المحافظات الفلسطينية الاكثر استهدافا من حيث عدد الأشجار الفلسطينية التي تم اقتلاعها بواقع 2432 و2140 و1607 شجرة على التوالي كما هو موضح في الرسم البياني التالي: –
الرسم البياني رقم 2: الاشجار الفلسطينية المقتلعة في الضفة الغربية المحتلة خلال العام 2023
ولم يختلف العام 2023 عن الأعوام السابقة من حيث الاستهداف الإسرائيلي للأشجار الفلسطينية، اذ تتفاقم هذه الاعتداءات عاما بعد عام في ظل الأوضاع السياسية المتفاقمة وازدياد عنف المستوطنين في ظل غياب المحاسبة من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي والتي في معظم الأوقات تسمح بحدوث مثل هذه الاعتداءات وايضا في ظل التراخي الدولي في التعاطي مع هذه الانتهاكات الخطيرة الامر الذي ينعكس سلبا على حياة المواطنين الفلسطينيين و أراضيهم وقوتهم اليومي.
الرسم البياني رقم 3: الاشجار الفلسطينية المقتلعة في الضفة الغربية المحتلة, 2018-2023
تبلغ مساحة الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون في الضفة الغربية المحتلة, 552465 دونما, ما نسبته 96% من مجموع مساحة الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون في الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية وغزة). وتعتبر محافظة جنين في شمال الضفة الغربية المحتلة من اعلى المحافظات الفلسطينية من حيث مساحات الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون (151,950 دونما) تليها محافظة رام الله ( دونما 80,850) في الوسط ثم محافظتي نابلس (72,193 دونما) و طولكرم (66,111 دونما) شمال الضفة الغربية,. وتعتمد العديد من التجمعات الفلسطينية اقتصاديا على موسم قطف الزيتون حيث يبلغ متوسط إنتاج زيت الزيتون في الأراضي الفلسطينية 21 الف طن سنوياً الا انه يتفاوت من عام الى اخر، وهو أعلى في مناطق شمال الضفة الغربية عن وسطها وجنوبها, حيث تحتوي مناطق الشمال (محافظات جنين, وطولكرم, وقلقيلية, وسلفيت ونابلس وطوباس) على 65.8% من مساحات أشجار الزيتون في فلسطين فيما تحتوي مناطق الوسط (محافظات رام الله, اريحا والاغوار والقدس) على 15.5% من مساحات أشجار الزيتون في فلسطين و 14.7% من مساحات أشجار الزيتون هي في جنوب الضفة الغربية (محافظتي بيت لحم والخليل) .
الخسارة الاقتصادية المتوقعة جراء هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين على أشجار الزيتون الفلسطينية خلال العام 2023
منذ بدء العام 2023 وحتى تاريخ هذا التقرير، تم اقتلاع 8814 شجرة مثمرة في الضفة الغربية المحتلة، من بينها 7904 شجرة زيتون مثمرة (90% من العدد الإجمالي للأشجار الفلسطينية المثمرة التي تم اقتلاعها). تجدر الإشارة الى أن الإنتاج المتوسط لكل شجرة زيتون في الأراضي الفلسطينية هو 16 كيلوغرامًا، وعند حساب الناتج الاجمالي لأشجار الزيتون التي تم اقتلاعها خلال الفترة السابق ذكرها، فقد بلغ 126,464 كيلوغرامًا. وبحساب تكلفة سعر الكيلوغرام الواحد من ثمار الزيتون (15 شيكل لكل كيلوغرام)، ينتج عنه خسارة اقتصادية إجمالية تكلفتها 1,896,960 شيكل، أي ما يعادل حوالي 513 ألف دولار أمريكي. كما أن هذه الأشجار التي تم اقتلاعها تؤدي الى خسارة في كمية ثاني أوكسيد الكربون الممتص من الجو بما يصل الى 5.7 مليون كيلو كغم.
في الختام
تطوي الاراضي الفلسطينية المحتلة عاما بعد عام صفحة من العنف وعدم الاستقرار والاحداث الدموية في شتى مناحي الحياة، ولكن انعكاسات هذا العام (2023) ستترافق الى الاعوام القادمة لما شكله هذا العام من تغير في طبيعة الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، واتساع رقعة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة وازدياد عنف واعتداءات المستوطنين الاسرائيليين, الامر الذي اثر بشكل مباشر على الظروف المعيشية للفلسطينيين في جميع محافظات الضفة الغربية المحتلة، أيضا في ظل الاغلاقات والتشديدات الاسرائيلية المتعمدة وعرقلة حركة تنقل المواطنين الفلسطينيين بين مدنهم وقراهم وأيضا في ظل منع وصول المزارعين الفلسطينيين الى حقولهم الزراعية لزراعتها وجني محاصيلها وخاصة في المناطق المصنفة “ج” والتي تحتوي على 60% من الأراضي الزراعية الفلسطينية, والذي ترتب عليه خسارات اقتصادية كبيرة، هذا بالإضافة الى عمليات الهدم التي طالت مئات المنشآت والمنازل الفلسطينية والاوامر العسكرية ومصادرة الاراضي وفي انتهاك صريح وواضح للمعاهدات الدولية واتفاقيات حقوق الانسان، وقرارات مجلس الامن التابع للأمم المتحدة والمتعلقة بالقضية الفلسطينية.
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)