بدأ موسم قطف الزيتون في الأراضي الفلسطينية المحتلة حزينا جدا بداية هذا الشهر, تشرين الأول من هذا العام, وسط تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحتل والحصار المشدد المفروض على الضفة الغربية المحتلة وتقطيع اوصال المحافظات الفلسطينية من خلال إقامة المزيد من الحواجز العسكرية وزيادة حدة الاشتباكات والهجمات فيها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي وقطعان المستوطنين الإسرائيليين وفرض القيود المشددة على وصول المزارعين الفلسطينيين إلى حقول الزيتون الخاصة بهم في مناطق واسعة في الضفة الغربية المحتلة خاصة المناطق المحيطة بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية هذا بالإضافة الى حرمان أصحاب الأراضي الفلسطينيين من الدخول الى أراضيهم المعزولة غرب جدار الفصل العنصري[1] لقطف ثمار الزيتون.
ووفقا لوزارة الزراعة الفلسطينية، تشكل صناعة زيت الزيتون 25 % من الدخل الزراعي للأرض الفلسطينية المحتلة،[2] وتسهم في سبل العيش لما يقرب من 96,510 أسرة.[3] ويبلغ الناتج الإجمالي المتوقع لهذا الموسم المنخفض أصلا بسبب تغير المناخ والتقلبات الجوية خلال الأشهر الماضية وتبادل الحمل لدى شجرة الزيتون بنحو 12,000 طن من الزيت، بانخفاض كبير قدره 67% عن العام الماضي (36,000 طن)[4] حيث كان الانتاج للموسم الماضي أكثر حملا. وهذه الكمية (المتوقعة للعام الحالي) لا تكفي لتغطية الاستهلاك السنوي للزيت في فلسطين حيث في العادة يحتاج السوق المحلي الفلسطيني لما يقارب 18,000 طن زيت زيتون وباستهلاك سنوي يقدر من 3 الى 3.5 كيلو غرام للفرد الواحد والباقي يتم تصديره للسوق الخارجي خاصة الى البلدان العربية. وكان من المتوقع ان يتم انتاج ما يقارب 1,500 الى 2,000 طن من زيت الزيتون في قطاع غزة وحدها[5]، ولكن بسبب العدوان الاسرائيلي على القطاع، لم يستطع مزارعو القطاع من قطف ثمار الزيتون في الأراضي الزراعية نظرا لخطورة الامر والقصف اليومي المستمر على معظم قطاع غزة المحتل، وانقطاع الكهرباء والماء ومنع دخول الوقود الامر الذي يمنع تشغيل معاصر الزيتون البلغ عددها 40 معصرة في قطاع غزة, 32 منها معاصر حديثة و6 نصف أتوماتكية ومعصرتين بدائيتين تستخدم الحجارة.[6]
كما أن لجدار الفصل العنصري الإسرائيلي تأثيرا مباشرا على سبل العيش المتعلقة بالزيتون، تحديدا في الضفة الغربية المحتلة، حيث يحتاج المزارعون الفلسطينيون في العادة إلى تصاريح خاصة أو تنسيق مسبق مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي للوصول إلى أراضيهم الزراعية الواقعة بين الجدار والخط الأخضر (خط الهدنة للعام 1949)، والمعلنة بأنها “منطقة مغلقة”. حيث تتراوح معدل الموافقات الإسرائيلية على طلبات الحصول على تصاريح للفلسطينيين خلال موسم قطف الزيتون في السنوات الأخيرة ما بين 50 و60 بالمائة. وبالنسبة لأولئك الذين يحصلون على تصاريح، يتم دخولهم إلى “المنطقة المغلقة” من خلال ما يقرب من 85 بوابة مخصصة على طول مسار الجدار للوصول الى أراضيهم الزراعية.
الصورة 1-2: جانب من حقول الزيتون الفلسطينية المعزولة غرب جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية المحتلة (أرشيف أريج)
ولكن بسبب الاحداث السياسية الجارية حاليا في قطاع غزة المحتل من عدوان سافر وتشديد الحصار على الضفة الغربية المحتلة واغلاق معظم الطرق ومداخل التجمعات الفلسطينية، تم منع وصول المزارعين الفلسطينيين الى أراضيهم الزراعية الواقعة غرب الجدار والقريبة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية حتى اشعار آخر بسبب الوضع الأمني السائد.
خارطة رقم 1: الأراضي الفلسطينية المزروعة بأشجار الزيتون في الضفة الغربية المحتلة
ولا يستطيع المزارعون الفلسطينيون في 90 تجمع فلسطيني تقريبا ويملكون أراضي في محيط 56 مستوطنة إسرائيلية وبؤرة استيطانية، الوصول إلى أراضيهم الا من خلال التنسيق المسبق مع سلطات الاحتلال الإسرائيلية، ولعدد محدود من الأيام خلال مواسم الحصاد والحراث. واليوم، تبلغ مساحة الأراضي الفلسطينية المزروعة بأشجار الزيتون والواقعة غرب جدار الفصل العنصري الإسرائيلي حوالي 87,962 دونم،[7] والتي تساوي تقريبا 15.3% من مساحة الأراضي الفلسطينية الزراعية المزروعة بأشجار الزيتون في فلسطين والبالغة نحو 575,167 دونمًا (85% من مساحة أشجار البستنة؛ والتي منها 552,534 دونمًا في الضفة الغربية المحتلة، و22,633 دونمًا في قطاع غزة المحاصر) بحسب احصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، (التعداد الزراعي 2021).
في الأوضاع العادية، كانت القيود الاسرائيلية المفروضة على المناطق الواقعة غرب الجدار تحد من وصول الفلسطينيين لأراضيهم والقيام بالأعمال والأنشطة الزراعية الأساسية مثل الحراثة، والتقليم، والتسميد ومكافحة الآفات الزراعية والتعامل مع الأعشاب الضارة، والتي لها تأثير سلبي على إنتاجية الزيتون وقيمته. وتشير البيانات التي جمعها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) إلى أن أشجار الزيتون في المنطقة الواقعة بين جدار الفصل العنصري والخط الأخضر (خط الهدنة للعام 1949) انخفض إنتاجها بنسبة 60 بالمائة تقريبا مقارنة مع الأشجار المماثلة لها على الجانب الشرقي من الجدار.[8]
كما قوض المستوطنون الإسرائيليون سبل العيش القائمة على الزيتون في مناطق متعددة في الضفة الغربية المحتلة باقتلاعهم وإتلافهم وحرقهم لأشجار الزيتون الفلسطينية. حيث قام المستوطنون وبحماية جيش الاحتلال الاسرائيلي باقتلاع ما يزيد عن 8,700 شجرة وشتلة زيتون هذا العام فقط (2023). كما تم منع المزارعين الفلسطينيين في كل من تجمعات ياسوف واسكاكا وكفر الديك في محافظة سلفيت من قطف ثمار الزيتون وإطلاق النار عليهم، وكذلك الامر في كل من تجمعات قبلان ويانون وعورتا في محافظة نابلس وتجمعات زبوبا وجلبون في محافظة جنين. وفي كل عام قبل واثناء موسم قطف الزيتون يحصل هناك حوادث متعددة في البساتين الفلسطينية حين يتم قطفها من قبل المستوطنين الإسرائيليين وسرقة ثمارها، وخاصة في المناطق المقيد وصول الفلسطينيين إليها[9].
الرسم البياني رقم 1: الأشجار الفلسطينية التي تم اقتلاعها وحرقها وتخريبها على مدى الأعوام الماضية
وبموجب القانون الدولي، فإن إسرائيل، بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال، ملزمة بحماية المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم[10]. ويجب عليها أن تضمن وصول المزارعين الفلسطينيين الآمن ودون عوائق إلى أراضيهم الزراعية على مدار العام وضمان محاسبة المسؤولين عن الهجمات.
في الختام،
نظرا لضعف الموسم الحالي بسبب التغير المناخي وتبادل الحمل كما ذكرنا سابقا وبنسبة انخفاض تتراوح 67% عن الموسم الماضي وبسبب الإجراءات الإسرائيلية التعسفية الحالية في قطاع غزة المحتل والإجراءات الصارمة والمشددة في الضفة الغربية المحتلة, فان الكمية الاجمالية المتوقعة لإنتاج الذهب الأخضر (زيت الزيتون) في دولة فلسطين المحتلة ستبلغ 9,500 طن بنقصان قدره 21% عن الكمية المقدرة والتي هي 12,000 طن قبل بداية الاحداث في 7 تشرين الأول 2023، وهذه الكمية تعادل 2,591 طن من زيت الزيتون وبقيمة تقدر بحوالي 21 مليون دولار امريكي. وبالتالي، سيلجأ المواطنون الفلسطينيون لسد حاجتهم من زيت الزيتون اما عن طريق شراء زيت الموسم القديم المقدر ب 8,000 طن او الاكتفاء بالكميات المنتجة هذه السنة أو قيام الحكومة الفلسطينية بمنع تصدير زيت الزيتون للأسواق الخارجية حتى لا يتم استغلال حاجة السوق المحلي, الامر الذي سينعكس بدوره على الأسعار الحالية للزيت وارتفاعها نظرا لزيادة الطلب عليها وقلة الكميات المتوفرة .
[1] بين الخط الأخضر (خط الهدنة للعام 1949) ومسار جدار الفصل العنصري الاسرائيلي
[2] https://www.ochaopt.org/ar/content/2015-23
[3] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، .2022 التعداد الزراعي، 2021 النتائج النهائية -فلسطين. رام الله -فلسطين.
[4] الزراعة: إنتاج الزيتون هذا العام في فلسطين سيشهد تراجعا كبيرا
https://www.maannews.net/news/2100875.html
الزراعة بغزة تعلن بدء موسم قطف الزيتون
[5]https://www.gazarecruiters.com/2023/10/blog-post_14.html
[6] عصر الزيتون”.. مهنة موسمية تنتعش في غزة (تقرير)
https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%8A%D8%AA%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%87%D9%86%D8%A9-%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D8%B9%D8%B4-%D9%81%D9%8A-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1/2721919
[7] قاعدة بيانات وحدة المعلومات الجغرافية، معهد اريج 2021
[8] انظر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، النشرة الإنسانية، شباط/فبراير 2014، صفحة. 9.
[9] اما بسبب كونها معزولة غرب الجدار أو مناطق يعلنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على انها مناطق أمنية أو مناطق إطلاق نار أو مناطق تتبع لنفوذ المستوطنات الإسرائيلية بحسب التعريف الإسرائيلي أو مناطق محميات طبيعية أو مناطق تم الاستيلاء عليها بالأوامر العسكرية المختلفة.
[10] الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، 1977
الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 آب / أغسطس 1949 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة 12-08-1949 / الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 آب / أغسطس 1949 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة
https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/misc/5ntccf.htm
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)