غيم أسود يخيم ظلاما على سماء قطاع غزة المحتل
تفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصارًا مشددا على قطاع غزة منذ العام 2007، والذي قيد بشكل كبير حركة المواطنين الفلسطينيين من والى القطاع المحتل بل وحتى قيد حركة مرور البضائع والمعدات، وأثر بشكل كبير على الحياة اليومية للمواطنين الفلسطينيين. وشهد قطاع غزة على مدى الأعوام الماضية العديد من الهجمات الإسرائيلية التي أسفرت عن وقوع خسائر كبيرة بين المدنيين الفلسطينيين وتدمير للبنية التحتية بمختلف أشكالها والمصادر الطبيعية والبيئية الفلسطينية. وبسبب الهجمات الإسرائيلية المتتالية، أصبح قطاع غزة المحتل يواجه تحديات إنسانية وصحية وبيئية خطيرة، بما في ذلك الوصول المحدود إلى المياه النظيفة وتفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي في القطاع بفعل تقليص دولة الاحتلال الإسرائيلي كميات الوقود اللازمة لتشغيل محطة التوليد الوحيدة في القطاع هذا بالإضافة الى ارتفاع معدلات البطالة وانهيار النظام الصحي في ظل الهجمات والاعتداءات المتكررة من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي.
وفي صباح يوم التاسع من شهر تشرين أول من العام 2023, شن الطيران الحربي الإسرائيلي حربا غير مسبوقة على قطاع غزة وما زالت مستمرة حتى اللحظة اذ تربعت الخسائر البشرية على عرش الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي وفاقت تلك التي شهدها قطاع غزة المحتل على مدى الأعوام السابقة حينما قام الطيران الحربي الإسرائيلي باستهداف القطاع[1]، اذ اسفر الاستهداف الإسرائيلي الاخير (حتى اليوم) عن استشهاد أكثر من 2800 مواطن فلسطيني, منهم أكثر من 700 طفل وقرابة 500 امرأة هذا بالإضافة الى الفلسطينيين الذي ما زالوا في عداد المفقودين بسبب عدد مقدرة طواقم الإنقاذ من الوصول اليهم وأيضا أكثر من 10,000 فلسطيني جريح في المستشفيات الفلسطينية .
فيما جاء الاستهداف المباشر للبنية التحتية الفلسطينية من أبراج سكنية (مبان) ومنازل ومدارس ومستشفيات وأماكن عبادة وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء ايضا ليظهر وحشية الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة حيث بلغت الاحصائيات حتى اليوم ما يزيد عن خمسة الاف منشأة فلسطينية تدمرت بشكل كامل (شملت أبراج سكنية ومنازل ومدارس ومساجد وغيرها من المنشآت) هذا بالإضافة الى قطع امدادات المياه والكهرباء والوقود عن القطاع في ظل الوضع الإنساني المتردي والحاجة الملحة للطاقة في المستشفيات والعيادات الصحية.
ولم تسلم البيئة الفلسطينية من استهداف الطيران الحربي الإسرائيلي اذ أن الاعتداءات الإسرائيلية المتعمدة والمتتالية على قطاع غزة المحتل منذ فرض الحصار عليها وحتى اليوم ساهمت وبشكل كبير في تدهور البيئة الفلسطينية في انتهاك صريح وواضح لحقوق الانسان وحق المواطن الفلسطيني في العيش في بيئة صحية أو الحق في بيئة مستدامة وصحية[2] والذي هو مرتبط بحقوق الإنسان الأخرى التي تضع الحق في الصحة على رأسها، مثل حق الإنسان في المياه والصرف الصحي، والحق في الغذاء، والحق في الصحة اذ ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العام [3]1948 على الحق في الحياة، ومن ثم يأتي العهد الخاص للحقوق المدنية والسياسية ليؤكد أيضا على الحق في الحياة والحاجة الى ظروف بيئية تضمن استمرار حياة الانسان على الأرض.
الا أن ما يشهده قطاع غزة المحتل في هذه الأيام يأتي منافيا وبشكل كبير لما تنص عليه القوانين الدولية والإنسانية والبيئية والتي تجعل من حق الفلسطينيين في الحصول على بيئة امنة صحية ومتوازنة مستحيلا. فيما يلي أهم ما تتناوله الانتهاكات بحق الفلسطينية والبيئة المحيطة بهم:-
- ان الانتهاكات العسكرية الإسرائيلية المتتالية على قطاع غزة المحتل في الأعوام السابقة واليوم أدت إلى تلوث مصادر المياه الجوفية والسطحية بشكل كبير في القطاع نتيجة للتدمير المباشر جراء القصف الإسرائيلي لشبكات المياه الفلسطينية وشبكات الصرف الصحي ومصادر المياه في القطاع مما أثر سلبا وبشكل مباشر على إمكانية الوصول إلى مياه نقية للفلسطينيين في القطاع. وتجدر الاشارة الى أن ما نسبته 45% من المياه المتاحة للفلسطينيين هي مياه غير صالحة للاستخدام الانساني وخاصة في قطاع غزة المحتل حيث تصل كميات المياه الملوثة في غزة الى 97% من مياه الابار الجوفية[4]. كما ان الحصار المفروض على قطاع غزة المحتل حتى اليوم زاد من صعوبة وصول الامدادات الضرورية الى القطاع من معدات وقطع غيـار لازمة لتشغيل وصيانة مصادر مياه الشرب في القطاع وبالتالي المساس “بحقوق الفلسطينيين المائية[5]“، الامر الذي تسبب بآثار كارثية على قطاع المياه على مدى الاعوام الماضية.
- يواجه المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة المحتل تحديات كبيرة فيما يتعلق بمياه الصرف الصحي اذ تعتبر المياه العادمة غير المعالجة في قطاع غزة المحتل مصدرًا رئيسيًا لتلوث مياه البحر (أولا) وخزان المياه الجوفية (ثانيا) اذ يصل إنتاج قطاع غزة من مياه الصرف الصحي لأكثر من 50 مليون متر مكعب سنويا[6]. تجدر الإشارة الى أن ما يقارب 10 % من مياه الصرف الصحي الناتجة في قطاع غزة المحتل تتسرب[7] الى خزان المياه الجوفي[8] في قطاع غزة عبر الحفر الامتصاصية مما يشكل تهديدًا على صحة المواطنين الفلسطينيين في القطاع بسبب الملوثات الموجودة في مياه الصرف الصحي (بجميع أنواعها). كما تجدر الإشارة الى أنه هناك خمس محطات رئيسية لمعالجة المياه العادمة[9] في قطاع غزة المحتل الا ان هذه المحطات تقف امام تحديات كبيرة حتى تعمل بكامل كفاءاتها التشغيلية لأسباب عدة أهمها الحصار الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع والذي يشمل أيضا فرض قيود على حركة دخول البضائع والمعدات اللازمة لصيانة هذه المحطات والتي تحتاج الى صيانة بشكل دوري ومستمر, هذا بالإضافة الى حاجة هذه المحطات إلى إمداد مستمر من التيار الكهربائي والوقود لتشغيلها في الوقت الذي يعاني فيه قطاع غزة منذ أعوام عديدة من أزمة كهرباء ووقود متنامية الامر الذي يؤثر على عملية تشغيل هذه المحطات ومعالجتها للمياه العادمة في القطاع. كما تحتاج هذه المحطات إلى كميات مستدامة من المواد الكيميائية اللازمة لعمليات المعالجة الحيوية للمياه العادمة وبسبب الحصار الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع ودخول المواد والبضائع، فان هذه المواد لا تتوفر بالكميات المطلوبة وبشكل دوري وهذا أيضا يجعل من استمرار عمل هذه المحطات صعبا للغاية الى جانب النقص في الموارد المالية ومشاريع الصيانة والتطوير. وبسبب الحروب الإسرائيلية المتتالية على قطاع غزة المحتل في الأعوام الماضية، كانت هذه المحطات هدفا مباشرا للهجمات الإسرائيلية (استهداف البنية التحتية) نظرا لتواجد هذه المحطات[10] في مناطق حدودية، وخاصة تلك في الشمال والوسط.
- ان الحروب الاسرائيلية المتتالية التي استهدفت قطاع غزة المحتلة على مدى الأعوام الماضية تسببت في ازدياد نسبة التلوث بسبب استخدام الاحتلال الاسرائيلي لأنواع مختلفة من الصواريخ والمتفجرات والأسلحة التي حولت مساحات شاسعة من قطاع غزة المحتل غير صالحة للزراعة، هذا بالإضافة الى الغازات المنبعثة من الأسلحة التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي في القطاع والتي تؤثر على الصحة بشكل كبير. كما أن عمليات الإعمار وإزالة أكوام الركام والحطام التي يخلفها الاحتلال جراء استهدافه للبنية التحتية والمساكن والمنشات ينتج عنه المزيد من الامراض القلبية والصدرية والصحة بشكل عام بسبب الأتربة والغبار، وأيضا تلوث النباتات والمزروعات والذي بدوره يعود سلبا على الفلسطينيين.
- ان تدمير البنية التحتية بشكل عام و”البيئية” بشكل خاص في قطاع غزة تسبب في تدمير الأراضي الزراعية والمناطق الطبيعية وأدى الى تراجع التنوع الحيوي والذي بدوره إثر على وجود الكائنات الحية والنباتات البرية. وبحسب احصائيات العام 2023, يحتضن قطاع غزة تنوعاً حيويا واسعاً، حيث تتراوح عدد الكائنات فيه بين 150 و200 نوع من الطيور، وتوجد حوالي 20 نوعًا من الثدييات، ونحو 25 نوعًا من الزواحف بأصناف متعددة، بالإضافة إلى تنوع كبير في الكائنات البحرية، وتقريبا 200 نوع من الأسماك[11].
- ان تدمير البنية التحتية في قطاع غزة المحتل والموارد سوف تكون له عواقب كارثية فيما بعد اذ سوف ينعكس ذلك على إدارة النفايات في القطاع وبالتالي تراكم النفايات التي بدورها سوف تشكل خطرا كبيرا على صحة سكان القطاع. تجدر الإشارة الى انه وبحسب احصائيات العام 2022، يخلف نحو 2.2 مليون فلسطيني في قطاع غزة يوميًا ما يقارب 1800 طن من النفايات الصلبة, 58% منها مواد عضوية و15% نفايات بلاستيكية، و14% نفايات ورق وكرتون وغيرها من مخلفات الأبنية والزراعية والطبية والالكترونية وغيرها[12].
[1]استهدف الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة في الأعوام 2008-2009 و2012 و2014 و2018 و 2021 و2022
والحق خسائر فادحة في صفوف المدنيين والبنية التحتية
[2] الحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة: بيئة غير سامة
https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/G22/004/46/PDF/G2200446.pdf?OpenElement
[3] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/#:~:text=%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%20%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82%20%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86%E2%80%94%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82%D8%A9,%D9%8A%D9%86%D8%A8%D8%BA%D9%8A%20%D8%A3%D9%86%20%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D9%87%D8%AF%D9%81%D9%87%20%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D9%88%D8%A8
[4] سلطة المياه والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يصدرون بياناً صحفياً مشتركاً بمناسبة يوم المياه العالمي
https://www.pwa.ps/ar_page.aspx?id=17HMWea6350096016a17HMWe#:~:text=ومن%20الجدير%20بالذكر%20أن%20ما,%25%20من%20مياه%20الابار%20الجوفية
[5] The right to water (arts. 11 and 12 of the International Covenant on Economic, Social and Cultural Rights)
https://tbinternet.ohchr.org/_layouts/15/TreatyBodyExternal/Download.aspx?symbolno=E%2fC.12%2f2002%2f11&Lang=en
[6] الصرف الصحي … سلطة المياه وجودة البيئة فلسطين
http://pwa.gov.ps/article/134#:~:text=%D9%81%D9%8A%20%D8%B9%D8%A7%D9%85%202021%20%D8%AA%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%A7%D8%A1,%D8%AD%D8%A7%D9%84%20%D8%AA%D8%AD%D8%B3%D9%86%20%D9%85%D9%84%D9%88%D8%AD%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A7%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A9.
[7] سلطة المياه, المياه الجوفية – غزة
https://www.pwa.ps/ar_page.aspx?id=5OmXWDa2720110074a5OmXWD
[8] تعتبر المياه الجوفية في قطاع غزة المحتل المصدر الذي يعتمد عليه المواطنين الفلسطينيين لتلبية احتياجاتهم من المياه للأغراض المختلفة سواء كانت للاستخدام المنزلي أو الزراعي أو الصناعي.
[9] الصرف الصحي … سلطة المياه وجودة البيئة فلسطين
http://pwa.gov.ps/article/134#:~:text=%D9%81%D9%8A%20%D8%B9%D8%A7%D9%85%202021%20%D8%AA%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%A7%D8%A1,%D8%AD%D8%A7%D9%84%20%D8%AA%D8%AD%D8%B3%D9%86%20%D9%85%D9%84%D9%88%D8%AD%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A7%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A9.
[10] محطات معالجة مياه الصرف الصحي في قطاع غزة: محطة معالجة مياه الصرف الصحي -محافظة شمال غزة، محطة معالجة مياه الصرف في مدينة غزة “الشيخ عجلين“، محطة معالجة مياه الصرف الصحي في مدينة رفح, محطة معالجة مياه الصرف في المنطقة الوسطى شرق البريج و محطة معالجة مياه الصرف الصحي شرق خانيونس.
[11]مهدّدات طبيعية وبشرية تعصف بالتنوع الحيوي في قطاع غزة
https://www.maan-ctr.org/magazine/article/3755/#:~:text=يتمتع%20قطاع%20غزة%20بتنوع%20الكائنات,نوع%20من%20الأسماك%20المتوطنة%20والغازية.
[12] النفايات الصلبة في غزة خطرٌ يحدق بالمواطنين ودخل يعيل آخرين
“ مجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة في محافظتي غزة والشمال, 2022″
https://www.maan-ctr.org/magazine/article/3492/
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)