نشرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في التاسع والعشرين من شهر كانون الأول من العام 2023 أمرا عسكريا جديدا تعلن فيه استحواذها على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. وبحسب الامر العسكري الإسرائيلي الصادر, فأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تنوي الاستيلاء على المنطقة الشمالية والغربية للبحر الميت (قبالة شواطىء البحر الميت) والتي تطلق عليها تسوك” ههعتكيم” (وادي درجة) (بحسب المسمى الاسرائيلي) بذريعة تصنيفها على انها محمية طبيعية. ويحمل الامر العسكري الإسرائيلي الصادر مسمى “أمر بشأن حماية الطبيعة (يهودا والسامرة) (رقم ٣٦٣، ٥٧٣٠-١٩٦٩ إعلان عن محمية طبيعية “متسوك” ههعتاكيم” (وادي درجة) تعديل حدود”. وجاء في الامر العسكري انه ” بموجب صلاحياتي (ما يسمى برئيس الإدارة المدنية في منطقة يهودا والسامرة) وفق المادة ٢ من الأمر بشأن حماية الطبيعة يهودا والسامرة (رقم (٣٦٣) ٥۷۳۰-۱۹٦٩ (فيما يلي: الأمر والمادة ۳(أ)(۲) من الأمر بشأن إقامة إدارة مدنية (يهودا والسامرة (رقم ٩٤٧ ، ٥٧٤ – ۱۹۸۱ ، أعلن بهذا أن موقع تسوك” ههعتكيم” (وادي درجة) تعديل حدود، الذي تبلغ مساحته ٨٤,٦٤٩ دونما، يعترف فيه “كمحمية طبيعية”، كمفهومها في الأمر. كما أعلنت سلطات الاحتلال بأن بدء سريان هذا الامر العسكري ٦٠ يوما من تاريخ نشره, الذي وافق في التاسع والعشرين من شهر كانون الثاني من العام الحالي. تجدر الإشارة الى ان الإعلان الإسرائيلي الصادر يستند الى أمرا عسكريا قديما صدر في الثلاثين من شهر اب من العام 1990 ويحمل رقم 51/19 والذي يضع المنطقة تحت تصنيف “محمية طبيعية” بحسب الذريعة الإسرائيلية.
الصور 1-3: “أمر بشأن حماية الطبيعة (يهودا والسامرة) (رقم ٣٦٣، ٥٧٣٠-١٩٦٩ إعلان عن محمية طبيعية “متسوك” ههعتاكيم” (وادي درجة) تعديل حدود”
وحقيقة الامر ان هذا الاجراء الاسرائيلي ليس بالجديد وهو اجراء تتبعه اسرائيل منذ عقود من الزمن في سبيل الاستيلاء على الأراضي لفلسطينية وعلى وجه الخصوص المنطقة المحاذية للبحر الميت من النواحي الشمالية والغربية. ففي شهر تموز من العام 2009 قامت جهات اسرائيلية بنشر اعلانات طلب تسجيل 139,000 دونما تقع قبالة شواطىء البحر الميت الشمالية والغربية، حيث جاء في طلب التسجيل المقدم مما يسمى بحارس املاك الدولة الاسرائيلي بان يتم تقديم اعتراضات من أي شخص أو جهة متضررة من الطلب مع العلم التام بان اي اعتراضات ستقدم بهذا الشأن لن تقبل من جانب الاسرائيليين الذين يعتبرون انفسهم الورثة الشرعيين لكافة الاراضي التابعة للدولة. وبحسب التحليل الجغرافي الذي اجراه معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج) للخرائط المرفقة تبين أن الامر العسكري الإسرائيلي الجديد هو جزءا لا يتجزأ من الإعلان الصادر في العام 2009 الامر الذي يظهر النوايا الإسرائيلية المبيتة فيما يخص المنطقة.
كما ان الاراضي المستهدفة في الإعلان الإسرائيلي الصادر هي اراضي تقع ضمن تصنيف ما يسمى منطقة ‘ج’ و هي مناطق تقع تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة بحسب ما جاء في اتفاقية أوسلو المؤقتة و الموقعة في شهر أيلول من العام 1995 بين منظمة التحرير الفلسطينية و إسرائيل حيث تسعى اسرائيل منذ عقود الى اعادة تعريف الوضعية القانونية لتلك الاراضي من أراضي دولة كما كانت وضعيتها ابان الحكم الاردني للمناطق الفلسطينية ومن ثم اراضي متروكة و تابعة للدولة المعادية، واعادة تعريفها اما كأراضي دولة أو أراضي محميات طبيعية وغيرها من المسميات التي تتبع لدولة الاحتلال الاسرائيلي. وترمي اسرائيل من وراء ذلك الى استباق اية مفاوضات مستقبلية مع الجانب الفلسطيني على تلك الاراضي و المصنفة ‘ج’ وذلك بغرض الاحتفاظ بالسيطرة على جزء منها او المقايضة عليها للحصول على مكاسب في مناطق اخرى وتحديدا في المناطق الواقعة ما بين جدار العزل العنصري و الخط الاخضر ( خط الهدنة للعام 1949).
كما تجدر الاشارة الى أن الحقوق المائية الفلسطينية لاستغلال البحر الميت سواء على الصعيد التجاري، الاستثماري أو الترفيهي قد تم الغاؤها من قبل اسرائيل بالرغم ما تم الاتفاق بشأنه حول هذا الموضوع في اتفاقية اوسلو. حيث انه اليوم وعلى خلفية ما تدبره اسرائيل هناك، فان ما تسعى اليه دولة الاحتلال في المنطقة من شأنه أن يقضي على أي فرصة مهما كانت ضئيلة، يستطيع من خلالها الفلسطينيون التمتع بها هناك، حيث سيكون الامر بالنسبة لإسرائيل منتهي. وبعبارة اخرى، فان نجاح اسرائيل بإعادة تصنيف الاراضي المستهدفة من اراضي ‘ج’ الى اراضي محمية طبيعية أو حتى أراضي دولة من شأنه أيضا أن يضيع حقوق الفلسطينيين في البحر الميت ضمن المفاوضات المستقبلية لكي يتحول هذا الامر من موضوع حقوق الى موضوع استجداء ومساومات.
ويأتي هذا الامر العسكري الإسرائيلي الجديد أيضا متمما لأمر عسكري إسرائيلي اخر كان قد صدر في الرابع والعشرين من شهر نسيان من العام 2022, بشأن اعلان مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية جنوب مستوطنة ألموج الجاثمة على أراضي محافظة أريحا (ما مساحته 21,959 دونما) على انها محمية طبيعية تحت مسمى “ناحل أوغ” (وادي مكلك) الامر الذي يعزز الفصل الجغرافي في المنطقة اذ يرتبط الامر العسكري الإسرائيلي الجديد والامر الصادر في العام 2022 مع جدار العزل العنصري حول تجمع مستوطنات ‘معاليه ادوميم’ شرق مدينة القدس والذي تسعى اسرائيل الى ضمه الى مدينة القدس المحتلة و بالتالي الى اسرائيل. و سيتم استكمال عملية الفصل ما بين شمال وجنوب الضفة الغربية من الجدار ومن معاليه ادوميم وحتى البحر الميت مما سيكرس عملية الفصل الجغرافي التام و بالتالي لن تكون هناك فرص للتواصل الجغرافي ما بين الشمال و الجنوب الامر الذي من شانه ان يلغي امكانية اقامة دولة فلسطينية تتمتع بالسيادة والتواصل الجغرافي و هذا ما سعت اليه اسرائيل منذ البداية بان تحد من الوجود الفلسطيني والدولة الفلسطينية المستقبلية في معازل و كانتونات منفصلة عن بعضها البعض.
الصورة 4-5: الامر العسكري الاسرائيلي الخاص بالمحمية الطبيعية تحت مسمى “ناحل أوغ” (وادي مكلك)
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)