جذبت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة المنعقدة في الأول من شهر تشرين الثاني من العام 2022 انظار المجتمع الدولي والمحلي وخاصة انها الانتخابات الخامسة التي تجري خلال ثلاثة أعوام, حيث جاءت نتائجها لتؤكد على استمرارية التيار اليميني المتطرف في الحكومة الإسرائيلية بتفوق ساحق لحزب الليكود اليميني الإسرائيلي والأحزاب اليمينية الأخرى الموالية له في تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد وتمنحه قوة الاستمرارية كحزب يميني مسيطر, مما يعني أن خياراته كرئيس وزراء مستقبلي للحكومة الإسرائيلية المقبلة و للحزب الذي يرأسه (حزب الليكود) ستكون أكثر مرونة عن سابقاتها من الجولات الانتخابية الاربع, دون الحاجة الى اللجوء الى الأحزاب السياسية اليسارية الأخرى لتشكيل ائتلاف حكومي.
هذا من جانب, أما عن الجانب الاخر, وهو ما ينظر اليه المجتمع الفلسطيني, فقد جاءت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة غير مفاجئة للفلسطينيين, اذ أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة, بغض النظر عن توجهها السياسي, يمينية كانت أم يسارية, هي حكومات احتلالية تتسابق في فرض الحقائق المريرة على الأرض الفلسطينية كبناء المستوطنات الإسرائيلية والاستمرار في توسيعها ومصادرة الأراضي الفلسطينية بذرائع عدة وهدم المنازل الفلسطينية والمنشات, هذا بالإضافة الى إصرار هذا الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الشرعية واهمها حق تقرير المصير ونهب المصادر الطبيعية وتقييد حرية حركة الفلسطينيين وحرية العبادة وغيرها من الحقوق التي يضمنها لهم القانون الدولي.
وجاءت نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي الأخيرة (الانتخابات ال 25) لتلقي بظلالها على الخارطة السياسية المقبلة ومستقبل القضية الفلسطينية. فقد شهدت الفترة التي تولى فيها بنيامين نتنياهو حكمه كرئيس وزراء لدولة الاحتلال ما بين الأعوام 2009 و 2019 أحداثا سياسية لافتة كان لها الأثر الأكبر على الفلسطينيين, فهو واحد من اكبر الداعمين للاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة, هذا بالإضافة الى محاولاته الحثيثة لفرض “القانون الاحتلالي الإسرائيلي” على منطقة غور الأردن وشمال بحر الميت وجميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة وبالتالي إلغاء الحكم العسكري على المستوطنين الإسرائيليين القاطنين في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. كما أن نتنياهو من اكبر الداعمين للاستيطان في الضفة الغربية المحتلة اذ شهدت المستوطنات الإسرائيلية في عهده توسعا لا مثيل له مع التركيز بشكل خاص على المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة, هذا بالإضافة الى اصراراه على الإبقاء على الكتل الاستيطانية الإسرائيلية الكبرى عند أي تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين، في إشارة إلى المستوطنات الإسرائيلية الكبيرة التي أصبحت اليوم داخل منطقة العزل الغربية بفعل بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية (بين الخط الأخضر وجدار الفصل العنصري) والتي يقدر نسبة المستوطنين فيها قرابة ال 85% من التعداد الكلي للمستوطنين الإسرائيليين الذي يعيشون في هذه التكتلات الاستيطانية.
وبالنظر الى دور المستوطنين الاسرائيليين في العملية الانتخابية الأخيرة وصعود اليمين الإسرائيلي الى سدة الحكم مرة أخرى, فقد أظهرت نتائج الدراسة التحليلية التي اجراها معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج) بهذا الخصوص دعما ملحوظا من قبل المستوطنين للتيار اليميني الإسرائيلي (حزب الليكود والأحزاب الأخرى الموالية له). فقد بلغ عدد الناخبين الإسرائيليين المؤهلين للاقتراع في الانتخابات الإسرائيلية الخامسة والعشرين 6,788804 ناخبا, 71.4% من إجمالي عدد السكان في دولة الاحتلال الاسرائيلي (9,506,000 شخص ), مقارنة ب 6،578،084 ناخبا مؤهلا للاقتراع في الانتخابات الرابعة والعشرين التي جرت في شهر اذار من العام 2021، أي بزيادة 210,720 ناخبا عن الانتخابات السابقة, بنسبة 3.2٪. فيما بلغ عدد المستوطنين الإسرائيليين المؤهلين للاقتراع في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة 800,688 في 135 مستوطنة إسرائيلية (منها مدينة “القدس” بشقيها الشرقي والغربي كوحدة واحدة” بحسب تصنيف دولة الاحتلال). الرسم البياني التالي
الرسم البياني يظهر توزيع أصوات الناخبين المستوطنين بحسب الحزب السياسي
كما أظهرت نتائج الانتخابات الإسرائيلية أيضا أنه من أصل 12545 مركز اقتراع تم نشرها لإجراء العملية الانتخابية, 1239 مركز اقتراع تم نشرها في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية بما في ذلك المستوطنات الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة بشقيها الشرقي والغربي (تم اعتبار مدينة القدس على انها كيان موحد).
وتظهر نتائج الدراسة التحليلية أن 368,563 مستوطنا إسرائيليا, 75.1٪ من إجمالي تعداد المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة (490,493 مستوطن – بحسب احصائيات السجل السكاني التابع لوزارة الداخلية الإسرائيلية, 2022 وباستثناء المستوطنين في القدس المحتلة) مؤهلين للاقتراع في الانتخابات الاخيرة، منهم 276,145 صوتًا تم الادلاء بها في الانتخابات الاخيرة، بنسبة إقبال بلغت 74.9٪ , مقابل نسبة ادلاء 70.63٪ في إسرائيل.
وبالعودة إلى نتائج الدراسة التحليلية، فقد حصل الحزب “الصهيوني الديني” بقيادة بتسلئيل سموتريتش وعوتسما يهوديت على اغلبية ساحقة من أصوات المستوطنين بنسبة 25.7% (70,879) مقارنة ب 17% في الانتخابات السابقة (الانتخابات الرابعة والعشرين) متفوقا بذلك على الأحزاب السياسة الأخرى كالليكود وحزب يهدوت هتوراة الموحد وحزب شاس وحزب يسرائيل بيتنا. فيما جاء حزب الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو في المرتبة الثانية من حيث عدد أصوات المستوطنين التي دعمت الحزب (بواقع 56,099 صوتا) وبنسبة 20.3% حيث جاءت النسبة متقاربة جدا من التي حصل عليها في الانتخابات الماضية (الانتخابات الرابعة والعشرين) بنسبة 20% أيضا. ويليه حزب “يهودات هتوراه” (40,316 صوتا) بنسبة 14.6% من أصوات المستوطنين مقارنة مع 15% من أصوات المستوطنين في الانتخابات الرابعة والعشرين، وحزب شاس الذي حصل على 9.2% من أصوات المستوطنين بواقع 25,272 صوتا وحزب يسرائيل بيتنا بقيادة افيجدور ليبرمان حيث حصل على 2% من نسبة أصوات المستوطنين (بواقع 6,046 صوتا).
وفي المجمل, فقد بلغ عدد المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب السياسية في الانتخابات الأخيرة بفعل تصويت المستوطنين لها 7 مقاعد من اصل 120 مقعد في الكنيست الإسرائيلي, منها 6 مقاعد فازت بها أحزاب اليمين الإسرائيلي (حزب الليكود، حزب الصهيونية الدينية، حزب يهدوت هتوراة، حزب شاس وحزب يسرائيل بيتنا- من اصل 70 مقعدا فازت بها احزاب اليمين جمعا), بتعداد 198612 صوتًا أي ما نسبته 72.3٪ من أصوات المستوطنين الإسرائيليين (باستثناء أولئك الموجودين في القدس المحتلة) حيث تركز تصويت المستوطنين فيها بشكل كبير للحزب “الصهيوني الديني” بقيادة بتسلئيل سموتريتش وعوتسما يهوديت وخاصة من قبل المستوطنين القاطنين في المستوطنات الإسرائيلية الجاثمة بشكل غير قانوني في كل من محافظات بيت لحم (في تجمع جوش عتصيون الاستيطاني) والخليل ورام الله والاغوار.
بينما حصلت أحزاب اليسار (ييش عتيد بقيادة يائير لابيد, وحزب العمل بقيادة ميراف ميخائيلي وحزب ‘الوحدة الوطنية بقيادة بيني غانتس) على 51848 صوتا من أصوات المستوطنين, بنسبة 18.8% من تعداد أصوات المستوطنين في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة وهو ما يترجم إلى مقعدًا واحد فقط من إجمالي 40 مقعدًا حصلت عليها أحزاب اليسار في الكنيست الاسرائيلي.
المستوطنات في القدس الشرقية المحتلة
على الرغم من استبعاد المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية من الدراسة التحليلية، إلا أنه تجدر الاشارة الى أن إسرائيل تعتبر مدينة القدس (بشقيها الشرقي والغربي) كياناً واحداً, حيث أظهرت النتائج أن النسبة الأكبر من الأصوات في مدينة القدس تميل نحو الأحزاب اليمينية بواقع 204,657 صوتا, بنسبة %77.3 من التعداد الكلي للأصوات في مدينة القدس, حيث حصل حزب يهدوت هتوراة على أكبر عدد من أصوات المستوطنين في القدس بنسبة 23.8٪ ، يليها حزب الليكود بنسبة (19.1٪) وحزب شاس بنسبة (18.3٪) وحزب الصهيونية الدينية بنسبة (14.2٪) ، وحزب يسرائيل بيتنا (1.9٪). وظهر التحليل أيضا أن هناك 706 مركزا انتخابيا في مدينة القدس من أصل 1239 مركزا انتخابيا في الضفة الغربية المحتلة (بما في ذلك القدس). فيما حصلت أحزاب اليسار على 40,254 صوتا, ما نسبته 15.2 % من التعداد الكلي للأصوات في مدينة القدس, منها 19,773 صوتا لصالح حزب ييش عتيد و13,905 صوتا لصالح حزب الوحدة الوطنية بقيادة بيني جانتس و 6,576 صوتا لصالح حزب العمل الإسرائيلي.
التوزيع الديمغرافي للأحزاب السياسية في الانتخابات الخامسة والعشرين للكنيست الإسرائيلي
تعددت المصادر الإسرائيلية فيما يخص تعداد المستوطنين القاطنين في المستوطنات الإسرائيلية الغير شرعية في الضفة الغربية المحتلة. وفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي الإسرائيلي للإحصاء (ICBS) للعام 2021 فقد بلغ تعداد المستوطنين 465,400 مستوطنا مع نهاية العام 2021 (باستثناء القدس الشرقية المحتلة) بمعدل نمو سكاني للمستوطنين بنسبة 3% مقابل 1.8 % في دولة اسرائيل. وباحتساب عدد المستوطنين الإسرائيليين القاطنين في القدس الشرقية المحتلة 350,000+, فيبلغ التعداد الإجمالي للمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة 815,400.
كذلك وفقًا للإحصائيات الأخيرة الصادرة عن “إحصاءات السكان اليهود في الضفة الغربية المحتلة، التي تصدر سنويًا بتكليف من عضو الكنيست الإسرائيلي السابق” يعقوب كتسالاه (كاتس)، فقد بلغ تعداد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة 500,270 مستوطن بحلول عام 2022 هذا بالإضافة الى 350 ألف مستوطن إسرائيلي في القدس الشرقية المحتلة ، ما يجعل إجمالي تعداد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة 850,270.
فيما جاءت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة (تشرين الثاني 2022) بمعطيات جديدة فيما يخص أعداد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، حيث استخدم معهد الأبحاث التطبيقية -القدس (أريج) عدد المستوطنين الإسرائيليين المؤهلين للتصويت في الانتخابات الأخيرة (الانتخابات الخامسة والعشرين) والذي بلغ 368,563 مستوطنا (18+)، مضافًا إليه 235,600 (المستوطنون دون سن 18 عاما) وسكان المستوطنين في القدس (350 الف مستوطن -كاتس 2022) فكانت النتيجة 954,163. وتشير هذه التقديرات إلى أن تعداد المستوطنين الإسرائيليين يقارب المليون مستوطن في الضفة الغربية المحتلة الامر الذي يؤكد أن بيانات الانتخابات الإسرائيلية تكشف عن العدد الحقيقي للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة بالرغم من جهود دولة الاحتلال المستمرة لإخفاء هذا الرقم والتلاعب به.
وتجدر الإشارة الى أن التزايد السريع في تعداد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة والتوسع المستمر للمستوطنات له تأثير كبير وسلبي على الوضع الجيوسياسي والظروف المعيشية للفلسطينيين، حيث تستخدم دولة الاحتلال هذا العدد المتزايد من المستوطنين كمبرر للحفاظ على السيطرة على الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية المحتلة والدفع بمزيد من المخططات الاستيطانية للبناء والتوسع في ظل هجمات مسعورة ضد منازل الفلسطينيين لهدمها بذريعة البناء الغير مرخص. إضافة الى ذلك، لا تنفك جماعات المستوطنين عن ارتكاب الجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين وأراضيهم وممتلكاتهم حيث ازدادت وتيرة هذا الاعتداءات في محافظات الضفة الغربية المحتلة عاما بعد عام وأصبحت تشكّل تحديا كبيرا بالنسبة “لـلفلسطينيين” خاصة في الحفاظ على حياتهم من الاذى. وتأتي جميع هذه الانتهاكات في إطار حملة “دفع الثمن” التي يشنها المستوطنون على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. والاسوأ من ذلك، تقف السلطة القضائية الإسرائيلية صامتة أمام هذه الانتهاكات العدائية بل وتفتح الطريق أمام المستوطنين لارتكاب المزيد من الانتهاكات بحق الأراضي والممتلكات للأغراض الاستيطانية المختلة لفرض حقائق مريرة على الأرض الفلسطينية يصعب تغيرها في حال التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين في المستقبل.
كما سجل معهد الابحاث التطبيقية – القدس (أريج) ومن خلال المراقبة الحثيثة لاعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة 1296 اعتداءا خلال العام 2022, (حتى نهاية شهر تشرين أول 2022) حيث استهدفت بشكل لافت المدنيين الفلسطينيين على وجه الخصوص والأماكن الدينية والاثرية والاراضي هذا بالإضافة الى الممتلكات الخاصة (المنازل والمحلات والسيارات) والثروة الحيوانية والزراعية, والحقت خسائر فادحة على جميع الأصعدة. وفي الحقيقة, استنفد الفلسطينيين قدرتهم على تحمل المعاناة التي يرتكبها المستوطنون بمعية جيش الاحتلال الاسرائيلي في محافظات الضفة الغربية المحتلة. وبالرغم من أن القانون الدولي الانساني يلزم دولة الاحتلال الاسرائيلي بتوفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين الذين يقيمون في الأراضي التي تحتلها، إلا أن الوقائع التي تجري على أرض الواقع تشير إلى أن دولة الاحتلال تغذي عنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة, بل وتشجع المستوطنين على ارتكاب الجرائم من أجل خلق حالة من الخوف والرعب لدى السكان الفلسطينيين ودفعهم بالنهاية للرحيل.
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)