“الضم الصامت للاراضي الفلسطينية المحتلة”
نشر ما يسمى “المستشار القضائي لمنطقة يهودا و السامرة ” في الادارة المدنية الاسرائيلية خلال النصف الاول من العام 2020 أوامر عسكرية جديدة (بالتحديد في شهري نيسان وتموز من العام 2020) تحتوي في مضمونها على قوانين وأوامر عنصرية اسرائيلية ذات علاقة بمصادرة الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. وتجدر الاشارة بان هذه الملفات (أو الاوامر العسكرية) لا يتم اعلام الفلسطينيين المتضررين بها بشكل مباشر حتى لا يتسنى لهم الاعتراض عليها و ايقاف عملية المصادرة والمحافظة على ملكية الارض, فيما يتم توزيعها على جهات اسرائيلية ذات علاقة واختصاص مثل مكتب رئيس فرع البنية التحتية في الادارة المدنية الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة ومكتب “المسؤول كمفهومه” بحسب القانون المنصوص للمجالس المحلية ومكاتب المجالس الاقليمية التي تتبع لها كل مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة ومكتب اللجنة المحلية الخاص بكل مستوطنة مستهدفة بالتوسع حتى يتسنى لها متابعة الامور المتعلقة بها وفي المحصلة مصادرة الاراضي الفلسطينية المستهدفة.
الصور 1-2: مناشير, أوامر و تعيينات اسرائيلية
وفي تحليل أجراه معهد الابحاث التطبيقية – القدس (أريج) للأوامر العسكرية الاسرائيلية الصادرة تبين ان مساحة الاراضي الفلسطينية التي استهدفتها الاوامر العسكرية الاسرائيلية بلغت 6011 دونما شملت أولا توسيع مناطق نفوذ المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة و التي كان لها النصيب الاكبر من الاوامر بواقع 2098 دونما من الاراضي, 35% من المساحة الكلية للأراضي المستهدفة بالأوامر الصادرة. والجدير بالذكر أنه في العام 1991, أصدرت الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة مخططات هيكلية للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة شملت مناطق توسع مستقبلية للمستوطنات الاسرائيلية القائمة مع الاخذ بعين الاعتبار اعتماد مساحات اضافية لإقامة مستوطنات جديدة وتوسيع القائمة حتى العام 1991. وبلغ مجموع مساحة المخططات الهيكلية الصادرة من قبل الادارة المدنية الاسرائيلية انذاك 486 ألف دونم (486.1 كم مربع) وهي سبعة اضعاف مساحة المستوطنات الاسرائيلية التي كانت قائمة حتى العام 1991 والبالغة 69,000 دونما (69 كم مربع). وعقب توقيع اتفاقيات أوسلو الاولى والثانية في الاعوام 1993 و1995 على التوالي وتصنيف الاراضي الفلسطينية الى مناطق “ا” و”ب” و”ج”, تجاهلت سلطات الاحتلال الاسرائيلي اصدار مخططات هيكلية للتجمعات الفلسطينية في المناطق المصنفة “ج” لتلبية احتياجاتهم العمرانية ومواكبة الزيادة السكانية بصفتها الجهة المخولة لتسيير الامور الادارية والامنية في المناطق المصنفة “ج” كما فعلت بالنسبة للمستوطنات, وبقيت التجمعات الفلسطينية تحت خطر الهدم لعدم مقدرتها على اصدار التراخيص اللازمة التي تجنبها عمليات الهدم والتشريد بسبب فرض السلطات الاسرائيلية اجراءات طويلة ومعقدة ومكلفة على الفلسطينيين المتقدمين للحصول على التراخيص اللازمة التي تمكنهم من البناء واستغلال الارض لأي غرض كان, ورفض معظم الطلبات المقدمة من الفلسطينيين تحت ادعاء “عدم موافاة المخططات الشروط اللازمة للبناء في المناطق المصنفة (ج)”. والجدير بالذكر أن مساحة نفوذ المستوطنات تتخطى مساحة المخططات الهيكلية الاسرائيلية الصادرة في العام 1991 للمستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة. وجاءت هذه الزيادة من خلال أوامر عسكرية اسرائيلية تمت اصدارها والمصادقة عليها خلال أعوام الاحتلال الاسرائيل تمنح في مضمونها مجالس المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية السيطرة على أراضي فلسطينية جديدة في الضفة الغربية المحتلة اضافة الى تلك التي تحتلها المستوطنات اليوم وتلك التي تأتي تحت اطار المخططات الهيكلية الاسرائيلية لتصبح ضمن حدود المستوطنات الاسرائيلية المستقبلية, حتى بلغت المساحة التي تأتي ضمن مناطق نفوذ المستوطنات الى 541,516 دونما (541.5 كم مربع) مع نهاية العام 2019, اي بزيادة مقدارها 55,379 دونما (55.4 كم مربع) عن مساحة المخططات الهيكلية الاسرائيلية الصادرة في العام 1991 والبالغة 486.137 دونما (486.1 كم مربع).
كما شملت الاوامر العسكرية الاسرائيلية توسيع عددا من البؤر الاستيطانية الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة بواقع 1860 دونما من الاراضي, ما نسبته 31% من مجموع مساحة الاراضي المستهدفة بالأوامر هذا بالإضافة الى الاستملاك لأغراض المنفعة العامة بواقع 1285 دونما من الاراضي, ما نسبته 21% من مساحة الاراضي المستهدفة هذا بالاضافة الى تغيير تصنيف الاراضي من غابات الى مناطق سكنية بهدف البناء والتوسع في المستوطنات, بواقع 662 دونما وايضا شق الطرق الالتفافية الاسرائيلية الجديدة في الضفة الغربية المحتلة منها شارع حوارة الالتفافي والشارع الالتفافي رقم 60 – المقطع الجنوبي (مقطع العروب ومقطع حوسان).
الصور 3-5: جزء من الاوامر العسكرية الاسرائيلية الصادرة
الصور 6-8: جزء من الاوامر العسكرية الاسرائيلية الصادرة
القوانين العنصرية الاسرائيلية
اعتمدت اسرائيل في الغالبية العظمى من الاوامر الصادرة على عدة قوانين عنصرية لتسهيل عمليات مصادرة الاراضي الفلسطينية, منها (أولا) “أمر بشأن إدارة مجالس اقليمية (يهودا والسامرة) (رقم 783)[3], 5739-1979″ الذي بموجبه تم الاعلان عن تشكيل خمسة مجالس إقليمية يهودية تشمل الضفة الغربية المحتلة (المستوطنات الاسرائيلية القائمة في الضفة الغربية المحتلة) و(ثانيا) “أمر بشأن إدارة مجالس محلية (يهودا والسامرة) (رقم 892), 5741-1981”[4] والذي تم بموجبه إنشاء مجالس محلية في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. و (ثالثا) الاستملاك من خلال الإعلان عن الأراضي ‘لاستعمالات عامة’ بأمر عسكري رقم 321 للعام 1969 والذي يفوض العسكرية الإسرائيلية الصلاحية في مصادرة أراضي خاصة لاستخدامات عامة (لم يتم تحديد معنى استخدامات عامة) و بدون تقديم تعويضات للجهة المتضررة. واستخدم الجيش الإسرائيلي القانون أعلاه بشكل رئيسي لبناء شبكة طرق للجيش في داخل المناطق الفلسطينية المحتلة و كذلك الحال للمستوطنين الإسرائيليين الذين و فر الجيش الإسرائيلي لهم طرق بديلة بعيداً عن التجمعات السكنية الفلسطينية في المناطق المحتلة. و(رابعا), الامر العسكري الإسرائيلي رقم 1539 للعام 2003 أمر بخصوص مبانٍ غير مرخّصة (تشريع مؤقت) (يهودا والسامرة) (رقم 1539) – 2003″, حيث أعد هذا الامر العسكري في الأصل لإخلاء المستوطنين الاسرائيليين من بؤر استيطانيّة أقيمت بشكل غير قانوني (بحسب التعريف الاسرائيلي)[1] في أرجاء الضفة الغربية المحتلة، ولكنّ دولة الاحتلال الاسرائيلي تقريبًا لم تستخدم هذا الامر لهذه الغاية الا في حالات قليلة جدا, بل سخرته ضد المباني والمنشآت الفلسطينية التي تعتبرها اسرائيلي “مبان غير مرخصة” باعتبار انها شيدت في المناطق المصنفة “ج” التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة بحسب اتفاقية أوسلو الثانية “المؤقتة” للعام 1995 . ويسمح هذا الأمر للقائد العسكري الاسرائيلي بإعلان منطقة في الضفة الغربية “منطقة متاخمة” وان يأمر بإجلاء جميع الممتلكات الموجودة فيها. واستنادًا إلى هذا الأمر تم اصدار أوامر تهجير عديدة للتجمّعات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. و(خامسا), الامر العسكري الاسرائيلي رقم 363 للعام 1969 والذي يخول الإدارة المدنية الإسرائيلية بالإعلان عن أيّة منطقة في الضفة الغربية المحتلة “كمحمية طبيعية” أو “كمناطق طبيعية” بموجب أوامر تصدرها. وعادة يتم فرض قيود صارمة على البناء واستخدام الأراضي على هذه المناطق للمطالبة بحماية البيئة. ومنذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في العام 1967, استخدمت إسرائيل هذه الطريقة لمصادرة الأراضي التي يتم بناء المستوطنات عليها لاحقًا. علاوة على ذلك ، لم يتم تحديد أي تعويض عن الأضرار على الرغم من أنه من المفترض أن تكون المحميات الطبيعية لحماية البيئة ، إلا أنها في الواقع تعتبرها السلطات الإسرائيلية جزءًا محوريًا من برنامج الاستيلاء على الأراضي ، والذي يتم بناء المستوطنات عليه لاحقًا. و(سادسا) الأمر العسكري الاسرائيلي رقم 373 للعام 1970 الذي يعطي صلاحية للقائد العسكري الاسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة بالإعلان عن مناطق معينة حدائق عامة (كما في الأمر العسكري الاسرائيلي رقم 363) بشأن المحافظة على المحميات الطبيعية، إذ يخوّل هذا الامر القائد العسكري الاسرائيلي و”الإدارة المدنية الإسرائيلية”، بالإعلان عن منطقة ما في الضفة الغربية كمحمية طبيعية بموجب أمر يصدره في تلك المنطقة. وسخرت اسرائيل هذا الامر العسكري الاسرائيلي لمصادرة الاف الدونمات من الاراضي الفلسطينية بالإعلان عنها محميات طبيعية وحدائق طبيعية بحجة “الحفاظ على المناطق الطبيعية” الا ان هذه الاجراء جاء بهدف منع الفلسطينيين من استغلال هذه الاراضي والتي تحولت خلال أعوام الاحتلال الاسرائيلي لمناطق مستوطنات اسرائيلية.
في الختام
منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في العام 1967, استخدمت اسرائيل ألية قانونية وبيروقراطية معقدة تخطت إجراءات العدالة الطبيعية للسيطرة على جزء كبير من الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. وكانت هذه الاراضي قد استُخدمت فيما بعد لبناء المستوطنات الاسرائيلية واقامة البؤر الاستيطانية و القواعد العسكرية وتكريس مساحات اخرى لتوسيع هذه المستوطنات في المستقبل. وكانت الأداة الرئيسية التي استخدمتها اسرائيل للسيطرة على الأراضي الفلسطينية هي الاوامر العسكرية العنصرية لمصادرة الاراضي منها لأغراض عسكرية, واخرى إعلان الأراضي ‘أملاك غائبين’، ‘واخرى لمصادرة الأراضي لتلبية احتياجات العامة واعلان اخرى محميات وحدائق طبيعية وغيرها من الاوامر العنصرية التي استندت كل منها إلى أسس قانونية مختلفة.
منتهكة كافة المواثيق والمعاهدات وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، فإن دولة الاحتلال الاسرائيلي تسعى وبشكل ممنهج لفرض وقائع جديدة على الارض وتوسيع مستوطناتها ومشاريعها التوسعية في الضفة الغربية والقدس الشرقية ضاربة بعرض الحائط حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعيشه بحرية على أرضه. إن ما تقوم به دولة الاحتلال الاسرائيلي ما هو الا ترجمة لمخطط الضم الاسرائيلي على ارض الواقع وتطبيق رغبة إسرائيل في التسلل بعمق والسيطرة على المناطق الاستراتيجية والحيوية في الضفة الغربية المحتلة واحكام قبضتها على ومواردها وخيراتها وضمها في نهاية المطاف حتى تضمن ديمومتها كدولة احتلال نظراً لمساحة الأراضي التي اصبحت تسيطر عليها ومازالت تسعى للسيطرة على المزيد منها من خلال القوانين العنصرية.
[1]هي غير قانونية جميع البؤر الاستيطانية الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة
اعداد:
معهد الابحاث التطبيقية – القدس (أريج)