في التاسع من شهر حزيران من العام 2020, أمرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية بإلغاء “قانون تسوية الأراضي” في الضفة الغربية المحتلة, في وقت تتصاعد فيه الأصوات اليمينة في حكومة الاحتلال الاسرائيلية وعلى رأسها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو للمضي قدما في مخطط ضم أراضي الضفة الغربية لإسرائيل[1]. ويستغل نتنياهو عامل الزمن لتطبيق مخطط الضم قبيل عقد الانتخابات الامريكية في شهر تشرين الثاني من العام 2020 لاستغلال ما وفرته له الإدارة الأمريكية, بزعامة الرئيس دونالد ترامب, على مدى السنوات الثلاث الماضية من دعم سياسي قوي “كنقل السفارة الاسرائيلية من تل ابيب الى القدس في شهر كانون الاول من العام 2017 واعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالسيادة الاسرائيلية على هضبة الجولان السوري المحتل في شهر آذار من العام 2019 و كذلك اعلان الرئيس الامريكي عن خطته “للسلام” في الشرق الأوسط في شهر كانون الثاني من العام 2020, الأمر الذي يُنذر بالخطر والمزيد من الاجراءات الاسرائيلية بالرغم من قرارات محكمة العدل الإسرائيلية بإلغاء قانون التسوية.
وعودة الى حيثيات هذا القانون (قانون تسوية الأراضي) الذي تم إقراره بصورته النهائية في شهر شباط من العام 2017 , فان القانون يقضي بمصادرة الأراضي الفلسطينية ذات الملكية الخاصة التي استولت عليها جماعات المستوطنين على مر السنين وأقامت عليها عشرات البؤر الاستيطانية والأحياء الاستيطانية الجديدة, من خلال إضفاء الشرعية بأثر رجعي عليها وصبغها بالصورة الشرعية لتصبح هذه البؤر والوحدات الاستيطانية الغير قانونية خاضعة لقوانين البناء والتخطيط الاسرائيلية ليتم منحها فيما بعد تراخيص بناء وفقا للقوانين الاسرائيلية المعمول بها. ويأتي العمل على تطبيق القانون من خلال تعديل الية في القانون الإسرائيلي تسمح لدولة الاحتلال الاسرائيلي بالاستيلاء على أراضي فلسطينية ذات ملكية خاصة في الضفة الغربية المحتلة – لخدمة المصلحة العامة – والتفسير الاسرائيلي للمصلحة العامة هنا “تشريع وتنظيم البناء الاستيطاني” الذي يجري بصورة غير قانونية في الضفة الغربية المحتلة. ويحمل هذا القانون في صفحاته أموراً خطيرة اذ من شأنه أيضا أن يلغي حقوق الفلسطينيين في الترافع امام المحاكم الاسرائيلية للدفاع عن اراضيهم التي تم أو سيتم الاستيلاء عليها للبناء الاستيطاني الغير قانوني– وتعديل القانون بصورة يسمح لدولة الاحتلال الاسرائيلي بالاستيلاء على حقوق استخدام الاراضي ذات الملكية الفلسطينية الخاصة حتى تقوم بتفويضها فيما بعد للمستوطنين الاسرائيليين للبناء والتوسع.
والجدير بالذكر أن قانون “التسوية” أو “الشرعنة” الاسرائيلي تم تجميده من قبل المحكمة العليا الاسرائيلي في شهر اب من العام 2017 في أعقاب عدة التماسات[2] ضد القانون منذ تمريره بصورته النهائية في شهر شباط من ذات العام, ليعود من جديد على الساحة السياسية, في وقت يستعد فيه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو, للمضي قدما في اجراءات اعلان ضم الاراضي الفلسطينية لاسرائيل, الامر الذي سوف يقضي على جميع الاسس والاتفاقيات التي قامت عليها الجهود السلمية على مدى السنوات الماضية من اجل تحقيق السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين ويقضي ايضا على “حل الدولتين” ليجعل من خيار “حل الدولة الواحدة أمرا مفروضا” على الفلسطينيين.
وبحسب القانون, فان اسرائيل تسعى لمصادرة ما يقرب 8000 دونما من الاراضي الفلسطينية ذات الملكية الفلسطينية الخاصة في الضفة الغربية المحتلة وتشريع ما يزيد عن 3900 وحدة استيطانية تم بنائها بشكل غير قانوني في الضفة الغربية المحتلة في 72 مستوطنة اسرائيلية هذا بالاضافة الى شرعنة 55 بؤرة استيطانية في مواقع عدة في الضفة الغربية المحتلة, (السلام الان, 2016).
وفي الواقع, لا يُعتبر قرار المحكمة العليا الاسرائيلية بالغاء قانون التسوية انتصارا للفلسطينيين ما لم تستكمل المحكمة عملها وصلاحياتها في اصدار قرارات اخرى تمكن الفلسطينيين من استعادة اراضيهم التي كان الاحتلال ومستوطنيه يسيطرون عليها لإقامة البؤر والاحياء الاستيطانية الغير قانونية. كما يتوجب على المحكمة ايضا إصدار قرار يلزم سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين بتنفيذ قرار المحكمة على ارض الواقع وتفكيك ما تم بناءه تحت اطار زمني محدد وتعويض الفلسطينيين جراء الاضرار التي تعرضت لها تلك الأراضي جراء البناء الاستيطاني وخاصة أن هذه الاراضي كانت مصدر رزق للفلسطينيين في السابق ويصعب استصلاحها اليوم بسبب ما تعرضت له من ضرر .
وتجدر الاشارة الى انه سرعان ما ان صدر قرار محكمة العدل العليا بشان الغاء قانون التسوية الاسرائيلي, حتى سارعت الاحزاب اليمينة المتطرفة في الحكومة الاسرائيلية وعلى رأسها حزب الليكود, بقيادة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو, بالتنديد بالقرار الصادر واعتبرته “تدخلا” في المشروع الاستيطاني ومستقبله” في الضفة الغربية المحتلة, مشددة على ان مشروع “الضم وفرض السيادة الإسرائيلية” على أراضي في الضفة الغربية المحتلة (من المتوقع شهر تموز 2020) سوف “يعالج” مسألة البؤر الاستيطانية والوحدات الاستيطانية الغير الشرعية المقامة على أراضٍ ذات ملكية فلسطينية خاصة”, ضاربة بعرض الحائط قرار محكمة العدل العليا الصادر بهذا الخصوص وايضا القرارات الدولية التي لطالما أدانت و ما زالت تدين الاستيطان بجميع اشكاله منها اتفاقية لاهاي للعام 1907, المادة (46): “الدولة المحتلة لا يجوز لها أن تصادر الأملاك الخاصة.” و المادة (55) من ذات الاتفاقية: “الدولة المحتلة تعتبر بمثابة مدير للأراضي في البلد المحتل، وعليها أن تعامل ممتلكات البلد معاملة الأملاك الخاصة.” وكذلك معاهدة جنيف الرابعة للعام 1949 , المادة (49): “لا يحق لسلطة الاحتلال نقل مواطنيها إلى الأراضي التي احتلتها، أو القيام بأي إجراء يؤدي إلى التغيير الديموغرافي فيها.” والمادة 53, “لا يحق لقوات الاحتلال تدمير الملكية الشخصية الفردية أو الجماعية أو ملكية الأفراد أو الدولة أو التابعة لأي سلطة في البلد المحتل.” و غيرها من القرارات.
في الختام
عقب احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية في العام 1967, أوقفت اسرائيل عملية تسجيل الأراضي الفلسطينية وعمدت الى تسجيل الجزء الاكبر منها تحت وصاية بما يعرف ‘بحارس أملاك الغائبين الإسرائيلي’, وتجدر الاشارة بان الاراضي الفلسطينية المقام عليها المستوطنات هي أراضي يملك الفلسطينيين الجزء الاكبر منها ضمن ملكية خاصة وما تبقى هو املاك دولة. وفي الوقت الذي تصنف فيه اسرائيل جزءا من المستوطنات على انها قائمة على أراضي فلسطينية خاصة واعتبارها غير قانونية فان ذلك لا يعني و بأي حال من الاحوال بان باقي الأراضي هي أراضي قانونية, حيث أن المستوطنات الاسرائيلية برمتها غير قانونية وغير شرعية تحت مظلة القانون الدولي وأن ما قامت به حكومات اسرائيل المتعاقبة من عمليات بناء في الضفة الغربية هو أمر مخالف برمته للقانون الدولي. ان الحدود الوحيدة لدولة اسرائيل هي التي اقرتها الجمعية العمومية للامم المتحدة بحسب قرار التقسيم رقم 181 للعام 1947 و الذي نص على تخصيص ما مساحته 54.5% من مساحة فلسطين التاريخية (27000 كم²) لليهود لإنشاء دولة اسرائيل رغم ان عدد اليهود في حينها لم يتجاوز ال 7% من عدد سكان فلسطين في حين تم اقرار ما مساحته 45.5% الى الفلسطينيين الذين شكلت في حينها 93% من عدد السكان مع اعتبار منطقة القدس منطقة خاضعة للحماية والسيطرة الدولية غير ان اسرائيل و بخلاف فرار الجمعية العمومية عمدت الى احتلال 78% من مساحة فلسطين التاريخية (27000 كم²) أي بزيادة قدرها 32.5% و لاحقا عند دخولها في مفاوضات مع الفلسطينيين اعتمدت سياسة ‘ما لاسرائيل يبقى لها وغير ذلك سيتم تقاسمه’ وهو الامر الذي يؤكد رغبة اسرائيل في المضي قدما في سياسة احادية التصرف لتحقق مأربها بسلب أكبر قدر ممكن من الاراضي الفلسطينية ووضع الفلسطينيين في تجمعات سكانية معزولة عن بعضها البعض.
[1] يتجسد الضم الاسرائيلي في فرض القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية المحتلة وبالتحديد على المناطق المصنفة “ج” في الضفة الغربية المحتلة بحسب اتفاقية أوسلو الثانية المؤقتة للعام 1995[1] وما فيها من مستوطنات وبؤر وقواعد عسكرية وموارد طبيعية ومحاجر ومواقع اثرية وموارد مائية والتي تشكل حوالي 61% من مساحة الضفة الغربية المحتلة والتي كان من المفترض أن تسلمها اسرائيل للسلطة الوطنية الفلسطينية في نهاية المرحلة الانتقالية والبالغة خمسة سنوات بعد تفكيك المستوطنات ووضع حلول سياسية لبعض التجمعات الكبيرة منها, إلا أن سلطات الاحتلال الاسرائيلي ومنذ إبرام الاتفاقية تعاملت مع مناطق “ج” بأنها أراضي تابعة لها – وليست كأراضي محتلة يجب أن تعود لأصحابها – واعتبرتها احتياطي استيطاني منفصل ومستقل لا علاقة لها بباقي مناطق الضفة الغربية، ولا علاقة لها بأصحابها الأصليين الفلسطينيين الشرعيين، وتمنع أو تعرقل أي نشاط أو تطور فيها من قبل أصحابها الفلسطينيين وأي تطوير للبنية التحتية; كما وتحرم الفلسطينيين من الاعتناء بالأراضي الزراعية وخاصة القريبة من المستوطنات الإسرائيلية المقامة عنوةً على هذه الأراضي.
[2] التماسات قدمها اصحاب الاراضي الفلسطينيين بالتعاون مع منظمات يسارية اسرائيلية
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)