كشفت صحيفة هاارتس الاسرائيلية في الثاني والعشرين من شهر ايار من العام 2015 على موقعها الالكتروني عن صفقة بيع جديدة استهدفت مبنى بيت البركة الكائن على الطريق الرئيسي الذي يربط محافظتي بيت لحم والخليل (أو ما يعرف بالشارع الالتفافي الاسرائيلي رقم 60), الى الشمال من مخيم العروب للاجئين وبلدة بيت فجار في محافظتي بيت لحم والخليل. وكان من بين الاسماء التي برزت في هذه الصفقة, ارييه كينج, مدير عام ما يسمى "صندوق اراضي اسرائيل" (Israel Land Fund) وعضو المجلس البلدي في بلدية القدس الاسرائيلية وهو رجل يدعم الاستيطان في الاراضي الفلسطينية المحتلة وبمساندة حركة غوش ايمونيم الاستيطانية اليمينية المتطرفة ورئيس تجمع غوش عتصيون الاستيطاني الاسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة. ويجري في هذه الاثناء ترميم المبنى في مسعى لتحويله الى بؤرة استيطانية بهدف توطين المستوطنين فيه.
ولا يكمن محور القضية في الطريقة التي تم فيها شراء العقار والاستيلاء عليه, فلإسرائيل تاريخ حافل بالاستيلاء على العقارات والاراضي الفلسطينية بطرق غير شرعية في الضفة الغربية المحتلة حيث انها وعقب احتلالها للاراضي الفلسطينية في العام 1967, ابتدعت إسرائيل عدة قوانين غير شرعية في محاولة منها لإضفاء الشرعية على استيلائها على الأراضي الفلسطينية. انما محور القضية هو أن اسرائيل تلاعبت وما زالت تتلاعب بالقوانين بما يتناسب ومصالحها الاستيطانية, فالمخططات الاستيطانية التي تقوم بها اسرائيل في الجزء الغربي من محافظة بيت لحم تهدف الى تهويد المنطقة وضمها لإسرائيل لأهميتها الجغرافية والسياسية.
وتعتبر منطقة الريف الغربي في محافظة بيت لحم هي عمود الاستيطان بالنسبة لإسرائيل وتعرف بالنسبة للإسرائيليين بتجمع "غوش عتصيون" الاستيطاني. ويضم هذا التجمع الاستيطاني احدى عشرة مستوطنة اسرائيلية وثلاث عشر بؤرة استيطانية حيث يبلغ التعداد السكاني للمستوطنات والبؤر الاستيطانية الاسرائيلية المكونة لتجمع غوش عتصيون الاستيطاني ما يزيد عن 60 ألف مستوطن اسرائيلي, 44% من تعداد المستوطنين الإسرائيليين في محافظة بيت لحم.
كما ويعتبر هذا التجمع احد التجمعات الاستيطانية الكبرى التي تحيط بمدينة القدس جنبا الى جنب مع تجمع معاليه أدوميم الاستيطاني شرق مدنية القدس وتجمع جفعات زئيف في الشمال الغربي لمدينة القدس والتي تنوي اسرائيل الاحتفاظ بها وضمها لحدودها من خلال بناء جدار العزل العنصري الاسرائيلي. كما وتقوم اسرائيل بتعزيز الاستيطان في هذا التجمع الاستيطاني بهدف فرض المزيد من الحقائق على الارض قبيل التوصل الى أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين حتى تضمن ضمها للمناطق التي ما زالت تسيطر عليها[1] في منطقة بيت لحم بشكل خاص والتي تشكل ما يقارب 87% من مساحة المحافظة الكلية وهي عبارة عن المناطق التي تخضع لتصنيف "ج" بحسب اتفاقية أوسلو الثانية للعام 1995.
فإلى الشمال من المبنى المستهدف (مبنى بيت البركة), تقع مستوطنة غوش عتصيون والادارة المدنية الاسرائيلية التي هي جزء رئيسي من أجهزة حكومة الاحتلال الاسرائيلي في محافظتي بيت لحم والخليل والجهة المسؤولة عن تطبيق سياسة حكومة الاحتلال الاسرائيلي في المناطق التي ما زالت تسيطر عليها اسرائيل.
كذلك في أوائل شهر اب من العام 2014, وعقب مرور شهرين عن حادثة اختطاف ومقتل ثلاث مستوطنين اسرائيليين في محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية, قامت منظمة نساء بالأخضر الاستيطانية المتطرفة المتمثلة برئيستها "نادية مطر" بالإعلان عن بناء بؤرة استيطانية جديدة بالقرب من منطقة دوار غوش عتصيون الاستيطاني بمساندة علنية وصريحة من مجلس مستوطنات غوش عتصيون حيث اطلق عليها اسم بؤرة "أوز فيجاعون". ويعتبر موقع البؤرة الاستيطانية الجديد استراتيجيا كونه مطل على المستوطنات الاسرائيلية المحيطة مثل مستوطنتي افراتا ومجدال عوز جنوب شرق ومستوطنتي الون شيفوت وكفار عتصيون شمال غرب.كما ان المنطقة المستهدفة هي منطقة حرجية ومفتوحة وتتيح المجال للتوسع الاستيطاني في المستقبل.
كذلك الى الشرق من موقع مبنى بيت البركة المستهدف في الصفقة, تقع المستوطنة الاسرائيلية "مجدال عوز" التي تم اقامتها في العام 1977 على أراضي فلسطينية تعود لكل من تجمعات بيت أمر وبيت فجار والخضر. وتحتل المستوطنة اليوم ما مساحته 1211 دونما ويقطنها ما يقارب ال 900 مستوطنة اسرائيلي. وتجدر الاشارة الى أن المنطقة التي تتوسط مستوطنة مجدال عوز الاسرائيلية ومبنى بيت البركة والتي تحاذي الطريق الالتفافي الاسرائيلي رقم 60 من الناحية الشرقية قد دشنتها اسرائيل بمخططات جديدة بهدف البناء فيها والاستيلاء عليها حتى لا يتم استغلالها من قبل الفلسطينيين. ويحمل المخطط الاستيطاني الاسرائيلي الصادر رقم 407/3 ويهدف الى مصادرة 152.6 دونما من الاراضي الفلسطينية في المنطقة لاقامة منطقة "جذب سياحي". الخارطة رقم 1
الخارطة رقم 1: المخططات الاستيطانية الاسرائيلية في محيط مبنى بيت البركة
وهذا ليس بالمخطط الاستيطاني الوحيد في المنطقة والتي تحاول اسرائيل من خلاله سد الثغرات الجغرافية بين المستوطنات الاسرائيلية في منطقة بيت لحم, فخلال العام 2014, أصدرت اسرائيل أوامر عسكرية بهدف مصادرة أراضي فلسطينية في المنطقة بذريعة انها مصنفة "أراضي دولة", كان ابرزها (أولا) في شهر نيسان من العام 2014, "امر بشأن أملاك الحكومة (يهودا والسامرة) رقم (59-1967) الصادر عن المسؤول عن أملاك الحكومة وأملاك الغائبين في الادارة المدنية الاسرائيلية, يوسي سيغال, حيث يقضي الامر بالإعلان عن 984 دونما من الاراضي الفلسطينية في كل قرى نحالين والخضر في محافظة بيت لحم وبلدة بيت امر في محافظة الخليل وذلك من خلال الاعلان عنها بأنها "أراضي دولة". انظر الخارطة رقم 2
الخارطة رقم 2: أمر بشأن أملاك الحكومة (يهودا والسامرة) رقم (59-1967)" يستهدف أراضي الخضر ونحالين
كذلك في شهر اب من العام 2014 أصدر المسؤول عن أملاك الحكومة وأملاك الغائبين في الادارة المدنية الاسرائيلية ايضا أمرا عسكريا "امر بشأن أملاك الحكومة (يهودا والسامرة) رقم (59-1967)" يقضي بالاعلان عن 3799 دونما من أراضي أربعة تجمعات فلسطينية جنوب غرب مدينة بيت لحم (واد فوكين, نحالين, صوريف والجبعة) بانها أراضي دولة. الخارطة رقم 3
الخارطة رقم 3: أمر بشأن أملاك الحكومة (يهودا والسامرة) رقم (59-1967)" يستهدف أراضي واد فوكين, نحالين, صوريف والجبعة
وتتلخص المخططات الاستيطانية الاسرائيلية في تهويد المنطقة من خلال منع الفلسطينيين من استغلالها أولا حتى يتسنى للحكومة الاسرائيلية البناء والتوسع فيها في المستقبل. ولذلك, فان صفقة البيع التي تم الاعلان عنها مؤخرا ما هي الى حلقة من حلقات المسلسل الاستيطاني الاسرائيلي في المنطقة.
الاستيطان و القانون الدولي:-
تحظر اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949, المادة (49) على قوة الاحتلال 'ترحيل أو تنقل جزءا من سكانها المدنيين إلي الأراضي التي تحتلها.' كما تحظر قوانين لاهاي على سلطة الاحتلال القيام بأي تغييرات دائمة في المنطقة المحتلة ما لم تكن هذه لاحتياجات عسكرية بالمعنى الضيق للمصطلح، أو ما لم يتم الاضطلاع بها لفائدة السكان المحليين. ولذلك فان اقامة المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية ينتهك القانون الانساني الدولي الذي يحدد المبادئ التي تطبق خلال الحرب والاحتلال. كما تنتهك المستوطنات الاسرائيلية حقوق الفلسطينيين المنصوص عليه في قانون حقوق الإنسان الدولي.
[1] كانت 'اتفاقية أوسلو II الموقعة في العاصمة الامريكية واشنطن في شهر أيلول من العام 1995 قد حددت المرحلة الانتقالية من الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، في انتظار 'مفاوضات الوضع النهائي' التي كانت من المقرر أن تبدأ في شهر أيار من العام 1996 وتنتهي في شهر ايار من العام 1999. وتنص الاتفاقية المؤقتة على أن المرحلة الأولى من إعادة انتشار للقوات العسكرية الإسرائيلية ستكتمل عشية الانتخابات الفلسطينية، أي 22 يوما قبل الانتخابات. المزيد من عمليات إعادة الانتشار من المقرر أن تكتمل في غضون 18 شهرا من تاريخ تنصيب المجلس التشريعي الفلسطيني. خلال هذه الفترة، سيتم تحويل الصلاحيات والمسؤوليات المتعلقة بالأراضي تدريجيا إلى السلطة الوطنية الفلسطينية لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة ، باستثناء القضايا التي سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع النهائي (القدس والمستوطنات). وهذا يعني أن 95 ٪ من مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة يجب أن تنتقل للسيطرة الفلسطينية. ولكن على أرض الواقع، هذا لم يحدث. فقد أدى التوقف في المفاوضات والتأخير المتعمد من قبل الحكومة الاسرائيلية، فضلا عن إعادة التفاوض على ما تم الاتفاق عليه, إلى الانسحاب الإسرائيلي الجزئي من الاراضي الفلسطينية. وعليه, فقد بلغت مساحة المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية حتى شهر آذار من العام 2000 ما لا يزيد عن 18.2 ٪ من مساحة الضفة الغربية وهي المصنفة 'بمناطق ا', بينما لا تزال 21.8% من المساحة الكلية للضفة الغربية مصنفة 'بمناطق ب' و 60% من الاراضي الفلسطينية خاضعة للسيطرة الاسرائيلية و تشمل مناطق ج والمحميات الطبيعية.
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)