في الرابع من الشهر الجاري وفي معرض رده على طلب محكمة العدل العُليا الإسرائيلية لتفسير موقف الحُكومة الإسرائيلية حول قانونية تطبيق قانون أملاك الغائبين على أملاك سُكان الضفة الغربية المحتلة والموجودة في القدس الشرقية ، أفاد "يهودا فاينشتاين" المُستشار القضائي لحكومة الإحتلال نية حُكومته المُضي قدمًا في تطبيق هذا القانون على أملاك الفلسطينيين وأراضيهم الواقعة داخل حدود الفدس الشرقية المُحتلة.
هذا وترجع جذور القضية إلى العام 1950 حيث أصدرت حكومة الإحتلال الإسرائيلي أنذاك ما يعرف بقانون أملاك الغائبين والذي ينص على جواز مصادرة أملاك اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا منها أثناء النكبة بذريعة تواجدهم خارج حدود دولة إسرائيل أو في دول مُعادية بحيث تصبح في عهدة ما يسمى "بحارس أملاك الغائبين" بدعوى الحفاظ عليها وبدون حق التصرف فيها أو بيعها إلا لما يسمى بسلطة التطوير. وبإستخدام القانون المذكور قامت الحُكومات الإسرائيلية المُتعاقبة منذ ذلك الحين بمُصادرة مئات الالاف من الأراضي والعقارات داخل الخط الأخضر بما في ذلك القدس الشرقية.
لقد خضع قانون أملاك الغائبين لتعديلاتِ عديدة لضم أكبر قدر مُمكن من الأراضي والعقارات لصالح المشروع الإستيطاني والتوسعي في الأراضي المحتلة كان أخر هذه التعديلات في العام 2004 حينها كان يشغل بنيامين نتنياهو منصب وزير المالية ،حيث أصدرت الحكومة الإسرائيلية أنذاك تعديلا يُتيح للقيم على أملاك الغائبين – وهو موظف تابع لوزارة المالية الإسرائيلية- بأن يقوم بالتصرف في هذه الأملاك وبيعها لما يُسمى إسرائيليًا "بسُلطة التطوير" المُنضوية تحت جناح ما يسمى بدائرة أراضي إسرائيل والتي تسيطر بدورها على 93% من الأراضي في الدولة العبرية. وبعد ذلك, تقوم سلطة التطوير بتخصيص هذه الأاراضي للشركات الاستيطانية كشركتي "عميدار" و "همينوتا" والتي تستخدمها لبناء وتوسيع المستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية خاصة في القدس الشرقية.
وبعد قرار الحكومة الإسرائيلية والذي صدر في جلسة سرية في أواخر العام 2004 وكشفت عنها مؤسسة "عير عميم" الإسرائيلية ، واللغط الكبير الذي أثير حوله، قام المُستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أنذاك "ميني مزوز" وفي الثلاثين من كانون الثاني من العام 2005 بإصدار تصريح للإعلام يوضح فيه بأن تطبيق قانون الغائبين على أملاك سُكان الضفة الغربية في القدس الشرقية هو قرار "غير صحيح وغير حكيم" وبأنه إستند في رأيه هذا إلى قرار سابق للمُستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية "مئير شماغار" كان قد صدر في العام 1968 والذي أكد عدم قانونية تطبيق قانون أملاك الغائبين على أملاك سُكان الضفة داخل القدس ولكن الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة إستمرت في تطبيق القانون على العقارات في القُدس.
عندما قام المُحامي مُهند جُبارة باستصدار قرار من المحكمة المركزية في القدس في العام 2005 لصالح عائلتي الدقاق والدجاني على أساس أنه لا يمكن إعتبار سُكان الضفة الغربية مُقيمين في بلد معادي وبالتالي إلزام حارس أملاك الغائبين بتحرير مُمتلكاتهم وتعويضهم، إستانفت الحكومة الإسرائيلية على القرار من خلال المستشار القضائي للحكومة " إيهود فاينشتاين" لدى محكمة العدل العليا والتي لا زالت تنظر في مدى شرعية مصادرة أملاك سُكان الضفة الغربية في القدس حتى هذا اليوم حيث عمد المستشار القضائي فاينشتاين بالاصرار على رأيه بشرعية المُصادرة وفي نفس الوقت رفضه المثول أمام المحكمة إلى أن بعث بمذكرة جوابية لهيئة المحكمة في بداية الشهر الجاري مُصرًا على موقفه، الأمر الذي دفع بهيئة المحكمة بتوجيه طلب له للحضور والمثول أمام هيئة المحكمة في شهر أيلول من العام الجاري.
ووفقا للسيناريو المتوقع لقرار محكمة العدل العُليا فإنه من المُرجح أن تُصدر قرارها بإلزام المُستشار القضائي للحكومة بعدم تطبيق قانون الغائبين على أملاك الفلسطينيين في القدس الشرقية مع التعهد بشكل واضح بعدم استخدامه في المستقبل وذلك بعد أن قامت إسرائيل يتطبيق القانون على ما يزيد عن 90% من هذه الاملاك في مدينة القدس المحتلة وبذلك يكون القرار بلا جدوى ولا قيمة له.
وحتى في حالة صدور قرار نهائي من المحكمة العُليا في إسرائيل بعدم شرعية تطبيق القرار المذكور فيمكن للحكومة الاسرائيلية الإلتفاف على القانون ومن خلال إصدار قانون من الكنيست و خلال أيام معدودة يُشرع قرار الحكومة ويبطل ضمنًيا القرار الصادر من المحكمة العُليا كما حصل مع قانون لم الشمل والذي مرره الكنيست خلال اسبوعين بالرغم من عدم شرعيته ومع ذلك يظل الأمر مُستبعد جدًا و المحكمة ستحكُم لصالح دولة الإحتلال في النهاية .
والجدير ذكره بأن كافة المُحاولات التي قام بها أصحاب هذه العقارات بتقديم قضايا لتحريرها قد قُوبلت بالرفض من جانب حارس أملاك الغائبين والسلطات المعنية حيث أنه ووقفا للقانون الإسرائيلي غير الشرعي، فإن كل مُواطن من الضفة الغربية يملك عقارًا داخل حُدود بلدية القدس ولم يتم إحصاؤه داخلها ولا يحمل بالتالي الهوية المقدسية يُعتبر غائبًا الأمر الذي أدى إلى وضع اليد على عشرات الألاف من الدونمات ومئات العقارات بحجة القانون المذكور وبدون وجه حق أو إعتراض.
نهب مُمنهج وعلى نار هادئة
لطالما كانت نزعة الإستيطان والتوسع الدافع الرئيسي وراء كل مشروع أو قرار إسرائيلي حيث إن الهدف من وراء تطبيق إسرائيل لهذا القانون غير الشرعي والكارثي في نفس الوقت هو الإستيلاء على الاف الدونمات والعقارت بطرق مُلتوية ترقي لحد سرقتها من أصحابها الشرعيين بطرق تظنها هي قانونية وديمقراطية وهي في جوهرها عنصرية باطلة.
بدون أدنى شك فإن تطبيق قانون الغائبين على أملاك الضفة في القدس ما هو إلا محاولة من جانبها لتسخير هذه الأراضي لخدمة أهدافها الإستيطانية والتوسعية حيث أن العقارات التي تستولي عليها بواسطة هذا القانون وغيره من القوانين يتم تحويله لصالح الشركات الإستيطانية المُتخصصة على أنها أملاك خالصة للشعب اليهودي وهناك العديد من الأمثلة على إستغلال هذه الممتلكات لصالح المشاريع الإستيطانية فعلى سبيل المثال لا الحصر وبعد إقامة الجدار الفاصل في محافظة بيت لحم قامت إسرائيل بمصادرة الالاف من الدونمات حول مستوطنة "هار حوما" أبوغنيم بذريعة أنها أملاك غائبين ففي العشرين من شهر تشرين الثاني من العام 2011 قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضم أراض في بيت لحم الشمالية الواقعة خلف جدار الفصل العنصري والبالغة مساحتها 7000 دونم إلى بلدية القدس حيث أبلغت سُلطات الإحتلال الإسرائيلي بلدية بيت لحم برفض إصدار تصاريح للمواطنين التي تقع أراضيهم وراء الجدار وبمُحاذاه المستوطنة المذكورة وبأن هذه لأاضي لم تعدد مملوكة لأصحابها بل أصبحت بتصرف حارس أملاك الغائبين والذي سيقوم بتسريبها بدوره للشركات الأستيطانية بغرض توسيع المستوطنة.
هذا وينطبق الأمر على أراضي سكان مدينة بيت ساحور والواقعة شرقي مستوطنة "هار حوما" أبو غنيم (المعروفة بإسم المزموريا وواد صالح) حيث تم مُصادرتها بنفس القانون حيث أصدرت بلدية الإحتلال تراخيص لاقامة 1032 وحدة إستيطانية على جزء من هذه الأراضي لبناء حي جديد في المستوطنة يعرف ب "هار حوما سي" وبعد الإنتهاء منه سيتم البناء على ما تبقى من الأراضي وفقا لما هو معروف إسرائيليًا بحي "هارحوما دي" وهي أراضي مُصنفة الأن مناطق خضراء وفقا لخطة بلدية الإحتلال المعروفة 2020 وقام حارس أملاك الغائبين ببيعها إلى ما يعرف بسُلطة التطوير ، وذلك لإستكمال فصل مدينة القدس عن بيت لحم وعن كافة أرجاء الضفة الغربية المُحتلة ولإحكام الطوق الإستيطاني حول القُدس والذي يشمل بالإضافة لمستوطنة أبوغنيم ، جيلو، هار جيلو ، جفعات هماتوس، تل بيوت الشرقية، معالي أدوميم ،بسغات زئيف، نيفي ياكوف و راموت.
من الملفت أن عملية مُصادرة الأراضي بحجة أملاك الغائبين تأتي في إطار زمني طويل نسبيًا وممنهج، حيث تتعمد السُلطات الإسرائيلية إطالة أمد إجراءات المُصادرة وذلك بهدف عدم لفت الأنظار ومُفاجئة أصحاب هذه العقارات حيث أبتدعت تعديل وتفعيل قانون الغائبين بغرض تجنب إصدار أوامر مُصادرة واضحة ،(كما حصل عندما قام وزير المالية الإسرائيلي في العام 1990 والمدعو "إسحق موديعي" بمصادرة الاراضي التي قامت عليها مستوطنة أبوغنيم "للأغراض العامة) وذلك للتهرب من التبعات القانونية والسياسية المُباشرة لهذه الأوامر ومن أجل عدم إثارة الضجَة، وفي ذات الوقت حِرمان أصحاب هذه الاراضي من الحُصول على التعويض- مع أنه يكون تعويض رمزي وغير مُجدي ومرفوض أصلاً- وأيضا لإيهام العالم بأن إسرائيل دولة قانون وهي تقوم بخطواتها بعد سلسلة مُعقدة من الإجراءات والخُطوات والتدقيق والتمحيص والواقع خلاف ذلك تمامًا. خارطة رقم 1
نكسة فلسطينية جديدة بكل المقاييس
إن الإزدواجية التي تنتهجها دولة الإحتلال الإسرائيلي في تعاملها مع الفلسطينيين ما هي إلا إحدى تجليات العقلية التوسعية والعنصرية التي تسيطر على عقول صُناع القرار في الدولة العبرية، فتارة يعتبرون الضفة الغربية كيان مُعادي وذلك لتبرير الُمصادرة والتهجير كما هو الحال مع قانون أملاك الغائبين وقانون لم الشمل، وتارة أخرى يعتبرون الضفة الغربية أو "يهودا والسامرة" هي أرض الأباء والأجداد والتي لا يمكن أن تعتبر إلا جزءًا من دولة إسرائيل "اليهودية" وفقا لمعتقداتهم وذلك لتبرير بناء المستوطنات وللاجهاز على أكبر قدر ممكن من الأراضي في الضفة المحتلة ، فالهدف من القوانين الإسرائيلية الملتوية دائما ما ينتهي بالأرض وبالمشروع الإستيطاني والتوسعي في الأرض المحتلة.
هناك أمرًا جوهريًا على القيادة الفلسطينية أن تُدركه وهو أن قادة الإرهاب الجيوسياسي وأصحاب النزعات الإستيطانية و التوسعية في إسرائيل لن يقبلوا أن يُدرجوا هذه الأراضي والعقارات ضمن مُفاوضات الحل النهائي مع الفلسطينيين بأي شكل من الأشكال كونها ، ومن وجهة نظرهم، أصبحت أملاكًا يهودية قومية خالصة ، وعلى القيادة الفلسطينية أيضا أن تتنبه لهذا المُخطط الإسرائيلي الخبيث والذي يرمي إلى نهب أكبر قدر مُمكن من الأراضي والعقارات التاريخية بل والوقوف في وجه هذا المُخطط ومنع حصوله مهما كلف الأمر وعدم الإنتظار حتى صدور القرار وذلك من خلال العمل مع القيادة الهاشمية صاحبة الولاية على الأماكن المقدسة في القدس، ومع المجتمع الدولي والإتحاد الأوروبي وفي كافة المحافل الدولية ولتنبيه العالم أجمع بخطورة القرار الإسرائيلي المزمع صُدوره بعد أن يقوم ما يُسمى بالمُستشار القضائي للحُكومة الإسرائيلية بحضور جلسة المحكمة العُليا الإسرائيلية في شهر أيلول المُقبل، والذي سيُعد نكسة فلسطينية جديدة بكل المقاييس والعِبر حيث ستُنهي حُكومة الإحتلال الإسرائيلي فصلاً جديدًا من فُصول الضم والتوسع وذلك بإكمالها سرقة ما تبقى من أملاك الفلسطينيين في القدس والتي تتخطى قيمتها مئات الملايين من الدُولارات ناهيك عن قيمتها الوطنية والتاريخية والتي لا تقدر بثمن، في أكبر عملية سرقة في التاريخ الحديث وبدون حسيب أو رقيب……وكُله في دولة إسرائيل الديمُقراطيَة……..