منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م وضع الاحتلال في صلب أجندته السيطرة على أراض الأغوار الفلسطينية فشرع من القوانين والأنظمة ما يكفل السيطرة التامة على أراض الأغوار بصفتها حدود دولة الاحتلال الشرقية بحد زعم الاحتلال. و كان الوجود الفلسطيني في الأغوار يشكل معضلة كبيرة أمام مخططات الاحتلال الإسرائيلي، لذلك سعى الاحتلال إلى ضرب الوجود الفلسطيني في الأغوار في شتى الوسائل والطرق التي تتنافى مع مبادئ الإنسانية.
وكان استهداف الثروة الحيوانية والحاصلات الزراعية الفلسطينية بصفتها المصدر الأساس للدخل لدى الإنسان البدوي هدفاً رئيسياً لابد من النيل منه، فصادر الاحتلال عدد كبير من رؤوس الأغنام، واتخذ من التدريبات العسكرية وسيلة لضرب قطاع الزراعة والثروة الحيوانية. ناهيك عن مصادرة مساحات شاسعة من المراعي تحت مسميات مختلفة منها محميات طبيعية ومنها مناطق تدريبات عسكرية عدى عن المناطق المزروعة بالألغام الأرضية. بالإضافة إلى ما تقدم، فرض الاحتلال غرامات مالية باهظة بحق عدد كبير من مرابي الأغنام بحجة رعي المواشي في مناطق ممنوعة كما يصفها الاحتلال الإسرائيلي، مما أرهق هذا كاهل المزارع الفلسطيني.
الصور 1-2: صور عامة للثروة الحيوانية في الأغوار
وهنا نستعرض أهم الطرق المتبعة لدى الاحتلال للسيطرة على مقدرات الأغوار وضرب قطاع الثروة الحيوانية فيها:
سرقة الأغنام بالتواطؤ مع شرطة الاحتلال: الحاج الستيني حميدان علي النواجعة من منطقة رأس العوجا شمال مدينة أريحا، حيث فوجئ في صباح يوم الاثنين 15 نيسان 2013م بقيام مجموعة من المستعمرين بمداهمة المنطقة التي اعتاد على رعي أغنامه بها، وكانت أغنامه هي الهدف الرئيس لهؤلاء المستعمرين، حيث أقدم المستعمرون على سرقة رؤوس أغنامه والتوجه بها صوب مستعمرة "بيتاف" المجاورة. يقول الحاج حميدان لباحث مركز أبحاث الأراضي: " تقدمت بشكوى إلى شرطة الاحتلال عبر الارتباط المدني الفلسطيني ولكن إلى تاريخ اليوم بقيت القضية معلقة ولم استعد أغنامي إلى اليوم، رغم أنني حددت الجهة التي قدم منها المستعمرون وأين اتجهوا وأوصاف بعض المستعمرين، ولكن إذا كان غريمك القاضي لمين تشتكي".
رش المراعي بالسموم والتسبب في نفوق عدد من المواشي: في منطقة الأغوار الوسطى لم يكن الوضع أحسن، فهناك تتجسد حمى الصراع على الأرض ويحاول المستعمرون كسب الوقت في توسعة المستعمرات الزراعية فيها على حساب المراعي والمزارع التي يمتلكها الفلسطينيون، وفي المقابل أقدمت مجموعة متطرفة من المستعمرين على نثر كميات كبيرة من السموم في المراعي المجاورة لمستعمرة "مخورا" ومستعمرة "روعي" بهدف النيل من الثروة الحيوانية التي يمتلكها السكان البدو هناك.
هذا المشهد نفسه تكرر في الأغوار الشمالية عند قيام المستعمرين برش مساحات واسعة من المراعي خلال موسم الربيع الحالي بالمبيدات السامة في منطقة الحمة ومنطقة الفارسية القريبة من مستعمرة "روتم" وذلك بهدف إلحاق الضرر بالثروة الحيوانية، فكانت الضحية نفوق 4 رؤوس من الأغنام، وتسمم رأسين من الأبقار وكانت الحكمة الربانية أن لا تلحق السموم الضرر بقطاع واسع من الثروة الحيوانية.
سلطة حماية الطبيعة وسيلة لضرب قطاع الثروة الحيوانية: لم تكن سلطة حماية الطبيعة بأحسن حال، فالمؤسسة الإسرائيلية التي تدعي أنها مؤسسة قانونية ما هي بالفعل ما وجدت إلا لخدمة المشروع الاستيطاني ولخدمة المستعمرين، ففي منطقة الأغوار تقوم سلطة حماية الطبيعة الإسرائيلية بفرض إجراءات معقدة بهدف تدمير قطاع الثروة الحيوانية، عبر فرض إجراءات عقابية على كل مزارع يستخدم المراعي في منطقة المالح بحجة أن الثروة الحيوانية تغير المعالم البيئية وتغير التنوع الحيوي الفريد في المنطقة، وكانت عملية احتجاز الثروة الحيوانية وفرض غرامات باهظة وسيلة يلجأ لها الاحتلال في تنفيذ مخططاتهم، فكان المزارع ساطي زامل ضراغمة أحد الأمثلة على ذلك حيث احتجز الاحتلال رأسين من الأبقار له وفرض غرامات مالية تقدر بنحو ألفي شيقل مقابل استرداد كل رأس من الأبقار. يذكر أن الإجراءات التي تفرضها سلطة حماية الطبيعة من قيود على المراعي من شأنها ضرب قطاع الثروة الحيوانية والتسبب بخسائر فادحة في هذا المجال، فعند مصادرة المراعي ماذا تبقى للإنسان البدوي لدعم قطاع الثروة الحيوانية الذي هو بالأصل على وشك الانهيار؟.
يشار إلى أن قطاع الثروة الحيوانية في الأغوار على وشك الانهيار التام، بسبب المعوقات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي والقيود الشديدة والتي تصب في نهاية المطاف إلى تنفيذ سياسة التهجير الواسعة في الأغوار بهدف إفراغها من الفلسطينيين، وفي المقابل بناء المزيد من المستعمرات الزراعية التي تلتهم الأراضي يوماً بعد يوم.