تسعى الحكومة الإسرائيلية عبر تقرير لها ستقدمه إلى اجتماع لجنة الارتباط للدول المانحة في العاصمة البلجيكية بروكسل إلى الطعن في جاهزية السلطة الفلسطينية وقدرتها على إدارة دولة مستقلة معللة الموضوع بالقدرة المالية للسلطة وإذا ما كانت قادرة على إدارة الدولة بدون المساعدات الخارجية حيث تعاني السلطة من تحدي ملحوظ على الصعيد المالي لتأمين متطلبات الحياة لهذه الدولة.
ومن هنا يأتي السؤال عن نوايا إسرائيل في هذا التقرير خاصة وأن إسرائيل تُعتبر المُعيق الأول أمام السُلطة الوطنية الفلسطينية في تحديات البناء الموجودة حيث بقاء إسرائيل كدولة احتلال تسيطر على ما يزيد عن 60% من أراضي الضفة الغربية و 24 % من قطاع غزة فضلا عن نشرها لمئات الحواجز المتنوعة البرية والبحرية والجوية وكل هذا وأكثر وهو ما يعرقل بالحقيقة أن تكون الدولة الفلسطينية ذات قدرة على إدارة الدولة المستقبلية.
إضافة إلى ذلك ما تزال إسرائيل تحاول فرض ، وهكذا تفعل، حصارًا ماليًا خانقا على السلطة الفلسطينية منها التحكم المطلق بعائدات الضرائب والتحكم بالمساعدات التي ممكن أن تتلقاها السلطة من مُحيطها الإقليمي فضلا عن كونها ، اي إسرائيل رافضة لوجود اي استثمارات إقليمية في داخل الدولة وذلك بإصرارها الإبقاء على احتلالها لكافة المناطق المصنفة 'ج' وهي تشكل أكثر من 60 %من الضفة الغربية وهي ذاتها المناطق إلي يُعول عليها الفلسطينيين لتكون نواة لاقتصاد الدولة الفلسطينية في المستقبل.
من هنا يتضح بأن إسرائيل تحاول أن تتجاوز صورة الاحتلال كعائق أمام إقامة الدولة وإلقاء اللوم على ضعف القدرة المالية والجاهزية الإدارية للسلطة الوطنية لإدارة الدولة الفلسطينية وكأن الاحتلال الإسرائيلي ، بكل ما يترتب عليه ، مُجرد من أية عواقب ويشكل هامش غير ذا قيمة، فيما آلت إليه الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
هذا وقد أشارت دراسات مختلفة منها دراسة ' الثمن الاقتصادي الناتج عن الاحتلال' الصادرة عن معهد الأبحاث التطبيقية القدس – أريج بالتعاون مع وزارة الاقتصاد الفلسطينية جراء الاحتلال الإسرائيلي في العام 2010 تقدر ب 6.9 مليار دولار أمريكي وهذا مقداره 85% من موازنة السلطة الوطنية للعام الجاري، وهذا يشكل بحد ذاته أحد أهم الأسباب التي ترفض إسرائيل بسببها إنهاء الاحتلال وهي الأرباح التي تجنيها من الأرض الفلسطينية كقوة احتلال منها :
-
خسائر حصار قطاع غزة تجاوز (1.9 مليار دولار).
-
خسائر القيود على قطاع المياه تجاوز (1.9 مليار دولار).
-
القيود على الموارد الطبيعية (1.8 مليار دولار).
-
خسائر قطاع الاستيراد والتصدير تجاوز (288 مليون دولار).
-
خسائر القطاع السياحي في البحر الميت ومنتجاته تجاوز (293 مليون دولار).
-
خسائر الناجمة عن اقتلاع الأشجار تجاوز (138 مليون دولار).
-
خسائر قطاع التعدين والمحاجر في الضفة الغربية تجاوز (900 مليون دولار).
وهذه غيض من فيض يمكن السلطة الفلسطينية وبشكل كبير إغلاق صفحة الاعتماد على المساعدات الخارجية. وهذه صيغة متفق عليها من قبل المنظمات الاقتصادية الدولية، مثل تقرير البنك الدولي ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الاونكتاد) وصندوق النقد الدولي حيث أن الاحتلال الإسرائيلي يشكل العائق الحقيقي أمام قيام دولة فلسطينية قادرة على الاستقلال الوطني والمادي بعيدا عن المعونات الخارجية وذلك إذا ما تم إزالة الاحتلال عن الأرض، حيث سيؤدي ذلك إلى نمو الاقتصاد الفلسطيني أكثر من ضعفين مما هو عليه الآن والبالغ أربعة مليار دولار في حال أنهت إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية للعام 1967.
وبناء على ما تقدم يمكن الاستنتاج بأن الفلسطينيين والدولة الفلسطينية القادمة هي قادرة على المُضي قدمًا والوقوف على قدميها إذا ما استطاعت لذلك سبيلا من خلال استغلال كافة الأراضي المتاحة لها والحقوق الطبيعية لها كأي دولة في العالم وعلى كل ذلك هذا ما قامت به إسرائيل عندما أنشئت الدولة حيث تواصل إسرائيل وحتى يومنا هذا الحصول على معونات سنوية بمليارات الدولارات ، حيث تشير أرقام المساعدات الأمريكية وحدها لإسرائيل منذ قيامها في العام 1949 وحتى العام 2008 إلى أكثر من 103 مليار دولار وهذه أرقام معلنة في حين أن إسرائيل ما تزال حتى هذا اليوم تتلقى مساعدات من دول أوروبية عديدة وحتى من تبرعات فردية ومؤسسات لا تقل عن المساعدات المقدمة من دول بذاتها، ورغم ذلك فإن الشعب الإسرائيلي يعاني الأمرين في حياته حيث أشارت تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن ما يزيد عن 1.5 مليون (20 %) من سكان إسرائيل يعيشون في حالة فقر بمعنى أنهم يعيشون على أقل من 50% من معدل الأجور وأن 34 % من الأطفال في إسرائيل يعيشون في حالة فقر.
وقد أشار الاقتصادي الأمريكي 'توماس ستافر' بأن إسرائيل قد كلفت دافعي الضرائب من الأمريكيين أكثر من 3 تريليون دولار منذ العام 1973 وهو حصيلة ما قدمته الولايات المتحدة من دعم عسكري ومساعدات وما خسرت من صفقات عسكرية بينها وبين دول العديدة في المنطقة حين كانت تدخل إسرائيل لوقف إجراء الصفقات ، منها على سبيل المثال لا الحصر صفقة طائرات ' أف 15 ' الحربية مع المملكة العربية السعودية في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم والتي بلغت حصيلة خسائر الولايات المتحدة فيها 40 مليار دولار على مدى 10 سنوات وكل ذلك يندرج في إطار سياسة الدعم الأمريكي لإسرائيل.
وبالرجوع إلى الدراسة الإسرائيلية التي تتهم السلطة بالاعتماد على المنح والمساعدات الدولية لاستمرار وجودها والتي تتجاوز 60 % من ميزانية السلطة حيث يتم استخدامها في تحصين السلطة الفلسطينية بدلا من توجيهها نحو التنمية في قطاعات البنية التحتية والصناعة والتنمية البشرية فإن القائمين على الدراسة يتناسون أن الوضع القائم حاليا يعود إلى وجود احتلال جاثم على أراضي الفلسطينيين يتحكم بمقدراتهم وأراضيهم ومواردهم واقتصادهم ويعيق التنمية والتطور إلا فيما لا يتقاطع مع مصالحه الاقتصادية ولكن تبقى هناك حقيقة قائمة ألا وهي أن كل من إسرائيل والولايات المتحدة ترفضان وبشكل سافر وغير مبرر أي محاولة فلسطينية للخروج من محيط سيطرتهما الاقتصادية فهذه رغبة وهدف مطلوب وهو إبقاء الدولة الفلسطينية ضمن سيطرة إسرائيل الاقتصادية في الوقت الذي فيه السلطة الفلسطينية قادرة ومن خلال دعم من محيطها العربي الإبقاء وتطوير قدرتها الإنتاجية هذا إذا ما قامت إسرائيل بالتخلي عن سياستها الإحتلالية وسيطرتها الإقتصادية في الأراضي الفلسطينية.
و من جهة أخرى ، فإن تعالي الإنتقادات لسياسة السلطة الوطنية الفلسطينية وتخبط سياسة الضرائب والميزانيات المبهمة والتركيز على القطاع الأمني والصناعي في حين أن هناك انكماش في ميزانيات التعليم والزراعة والتي تشكل عضلة المجتمع الفلسطيني ومستقبله وإن جاءت في إطار إيجابي فإنها بمثابة دق لناقوس إخفاق هذه السياسة على المدى البعيد وضرورة مراجعة خطط التنمية المعدة للشعب والدولة الفلسطينية بما يتناسب ومصلحة المواطن الفلسطيني أولا وأخرا وعدم الرضوخ لسياسات اقتصادية قد تفرض عليهم مما قد يكون لها آثار مزلزلة على الشعب في المدى القريب والبعيد.
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)