مرة أخرى يثبت الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بأنه احتلال استيطاني تهجيري إحلالي … لديه برنامج واضح للسيطرة التامة على الأرض الفلسطينية وتفريغها من أصحابها من اجل تهويدها بإحلال مستوطنين يهود يجلبهم من كل صقاع الأرض مكان أبناء الأرض الحقيقيين. لقد صادر الاحتلال الأرض الفلسطينية وقلع الشجر ودمر المزروعات وهدم المساكن وشرد أصحابها … وبنى المستعمرات للمستوطنين اليهود … ثم أطلق العنان لهؤلاء المستوطنين للسيطرة على رؤوس الجبال ثم للسيطرة على ما شاءوا من ارض فلسطينية وشقوا لهم الشوارع ومدوا لهم خطوط الكهرباء وشبكات المياه وخطوط المواصلات مدمرين ما أمكنهم من أراضي زراعية فلسطينية وهادمين ما أمكنهم من مساكن فلسطينية… ثم أنشئوا جداراً عنصرياً مزق الأرض وعزل القرى والخرب وحاصرها وشكل وسيلة إضافية لسلب الأرض لصالح الاستيطان.
وبنظرة إحصائية لحجم الضرر نرى أن الجدار العنصري قد أقيم على حوالي 50 ألف دونماً من الأراضي الفلسطينية وعزل حوالي 725 ألف دونم غربي الجدار، ومنع الفلسطينيين من استخدام حوالي 250 ألف دونماً شرقي الجدار بحجة أمن الجدار. هذا فضلاً عن أن المستعمرات الإسرائيلية قد أقيمت على 188 ألف دونماً، وتم شق طرق التفافية لصالحها التهمت حوالي 87,000 دونماً وحرمت الفلسطينيين من استخدام 875 ألف دونماً أخرى حول الطرق بحجة الارتداد الأمني والذي لا يفرض إلا على أصحاب الأرض لا على المستوطنين الغرباء.
وبذلك يكون المستوطنون قد استخدموا حوالي 2.2 مليون دونماً من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية – معظمها يقع ضمن المصنفة (ج) حسب اتفاقية أوسلو، هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 3.7 مليون دونماً من مساحة الضفة المحتلة. وعليه فإن المستوطنين قد سيطروا سيطرة تامة على حوالي 59% من مساحة المنطقة المصنفة (ج) والتي كان يأمل الفلسطينيون باستعادتها كاملة في نهاية المرحلة الانتقالية والتي انتهت عام 1999.
إن هذه السياسة الاستيطانية الاحتلالية قد تصاعدت بصورة رهيبة في العام الأخير كرد على المطالبة الفلسطينية والدولية بوقف الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967، إلا أن حكومة نتنياهو – ليبرمان ضربت عرض الحائط بكل المواثيق والاتفاقيات الدولية والإنسانية واستمرت في سياساتها غير آبهة بموقف محلي أو دولي . معتمدةً على دعم أمريكي مطلق ففي عام 2011 فقط صادرت سلطات الاحتلال 12 ألف دونماً وجرفت 2000 دونماً زراعياً واعتدت على 20,000 شجرة وهدمت 200 مسكن و400 منشأة.
وها هي سلطات الاحتلال تطل علينا اليوم بخطوة جديدة تضاعف من أثر الاحتلال والاستيطان وذلك بإطلاق يد المستوطنين اليهود بشق ما شاءوا من طرق زراعية أو ترابية وينفذونها بأيديهم دون الرجوع لسلطة الاحتلال بحجة حماية ما يسمونه ' أراضي الدولة' وهي في الحقيقة أراضي فلسطينية خاصة مملوكة ومتوارثة منذ عشرات الأجيال.
فماذا يعني هذا القرار ….!؟
حتماً سيسعى المستوطنون لتدمير الأراضي الزراعية الخصبة أو الأراضي التي يتم استصلاحها، وسيتوغل الاستيطان في أعماق الأراضي الفلسطينية بصورة أفظع مما هو عليه وسيجعلون حياة المزارع الفلسطيني جحيماً لا يطاق، ولو عرفنا أن المستوطنين قد اعتدوا على المزارعين الفلسطينيين خلال موسم الزيتون الماضي بثلاث وسبعين اعتداءاً فكيف ستكون اعتداءاتهم بعد هذا القرار الذي يتناقض مع كل الأعراف حتى الفنية والتنظيمية منها…
ولا شك أن جيش الاحتلال كعادته سيرافق المستوطنين في كل خطوة عدوانية ينفذونها …. لحمايتهم وبالتالي لمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أرضهم بل وطردهم منها وتدمير استثماراتهم الزراعية من أجل لقمة العيش مما سيراكم المزيد من البطالة والمزيد من الخسائر، وستصل حتماً إلى انهيار في قطاع الزراعة الفلسطيني ضمن المناطق المصنفة (ج) والتي يعتبرها الاحتلال بمعظمها ' أراضي دولة'.
إننا في مركز أبحاث الأراضي بصفتنا مؤسسة ترصد انتهاكات الاحتلال وتسعى لتطوير وتنمية الأرض والمزارع الفلسطيني نرى أن هذا القانون أو الإجراء يجب أن يتوقف بصورة كاملة ويجب أن تكبل أيدي المستوطنين تمهيداً لترحيلهم عما استولوا عليه عنوة وبصورة متحدية للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. لذا فإننا نناشد الأمم المتحدة والهيئات الدوليةوالإنسانية وكل الحكومات والدول الفاعلة في العالم للتدخل فوراً لوقف جريمة احتلالية ستدمر شعباً بأكمله، كما وندعو جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي للتدخل لدعم صمود المزارع الفلسطيني الذي يواجه هذه السياسات بصدر عاري وبإمكانيات هزيلة لا تتناسب مع حجم الهجمة وهمجيتها – لا سيما وأن المستوطنين اليهود لديهم دعم غير محدود من الصندوق القومي اليهودي ومن أثرياء منتشرين في العالم يدفعون بلا حساب.
اعداد: