في الحادي عشر من تشرين الأول من العام الجاري ، أشارت الصحف إلى إعلان حكومة الإحتلال الإسرائيلي عن نيتها إضفاء الشرعية على البؤر الإستيطانية غير الشرعية والتي قامت إسرائيل ببنائها على ما يعرف إسرائيليًا ‘بأراضي الدولة ‘ خلافًا لقرار الكنيست الإسرائيلي الذي صدر في 22 تموز من العام 2003 والذي نص على ضرورة هدم كافة البؤر الإستيطانية غير الشرعية.
علاوة على ذلك، فإن رئيس حكومة الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أصدر تعليماته لتشكيل لجنة خاصة تكون مهمتها بلورة أو بالأحرى فبركة طرق جديدة لشرعنة البؤر الإستيطانية غير الشرعية والتي تم بناؤها على أراضي فلسطينية خاصة، حيث أن هذا التحرك الإسرائيلي قد جاء نتيجة للضغوطات الهائلة التي قام بها المستوطنون الإسرائيليون واليمين الإسرائيلي المتطرف بعد قرار الحكومة الإسرائيلية هدم بعض البؤر الإستيطانية غير الشرعية والتي قام المستوطنون بإقامتها على أراضي يملكها المواطنون الفلسطينيون وذلك في مدة اقصاها صيف العام القادم.
هذا وفي ضوء هذه المخططات الإسرائيلية ، إنتقدت وزارة الخارجية الأمريكية المخطط الإسرائيلي لإضفاء الشرعية على البؤر الإستيطانية والمستوطنات المقامة على أراضي فلسطينية خاصة معتبرة التحرك الإسرائيلي ‘ إجراء غير مُساعد’ لمساعي السلام في الشرق الأوسط، فقد جاء تعليق وزارة الخارجية الأمريكية على لسان الناطق بإسمها والذي إنتقد المسعى الإسرائيلي الجديد بقوله ‘أن موقف الولايات النتحدة الأمريكية من المستوطنات الإسرائيلية هو ثابت ولم يتغير ‘ وبأن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية واضحة بحيث لا تقبل إضفاء الشرعية على النشاطات الإستيطانية الإسرائيلية’ وأضاف المتحدث أيضًا أن واشنطن ترفض أي مسعى إسرائيلي لشرعنة البؤر الإستيطانية الأمر الذي لا يساعد عملية السلام ويتناقض مع الإلتزامات الإسرائيلية إتجاهها.
بيد أن الناطق بإسم وزارة الخارجية الأمريكية لم ينسى بأن يجر الجانب الفلسطيني لمعادلة تحميله جانب من اللوم غير المبرر بحيث أضاف بأنه : على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني أن يأخذا خطوات إيجابية وبناءة لتعزيز السلام وبناء الثقة وللحيلولة دون تعقيد العملية السلمية.وبالرغم أنه لم يتضح كيف قام الفلسطينيون بأخذ خطوات من شأنها تعقيد العملية السلمية فقد استرسل المتحدث الأمريكي بكلامه حيث ختم تصريحه بقوله : ‘نحن نحث الجانبين لإغتنام مقترح الرباعية الدولية والعودة للمفاوضات المباشرة بين الجانبين’.
أما بخصوص موقف الرباعية الدولية ، فإنها في شهر أيار من العام ،2003 قدمت خطة ‘خارطة الطريق’ مع الولايات المتحدة الأمريكية نصت على ضرورة أن تقوم إسرائيل بتجميد كافة أشكال الإستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ومع ذلك فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قد مضت قدمًا في هذه الأنشطة وبشكل يومي وبالتالي فإن إسرائيل لم تنفذ إلتزاماتها تجاه خارطة الطريق والتي نصت أيضا بأن تقوم إسرائيل بتفكيك البؤر الإستيطانية البالغ عددها 134 بؤرة غير شرعية أقيمت منذ العام 2003. ولكن الرباعية الدولية و خطة خارطة الطريق لم تتطرق للأراضي الفلسطينية الخاصة عند ذكر المستوطنات والبؤر الإستيطانية وفي النهاية فإن ذلك يؤدي إلى شرعنة 134 بؤرة إستيطانية والتي بدورها ستصبح 134 مستوطنة غير شرعية وستضع إسرائيل بذلك 134 عقبة جديدة في طريق السلام.
ما بين موقف الولايات المتحدة الأمريكية و المجتمع الدولي الباهتين ، فإن إسرائيل تقرأ ما بين السطور موافقة ضمنية وعدم وجود عواقب الأمر الذي يشجعها على المضي قدما في مخططاتها التوسعية والإستيطانية.هذا فإنه من الواضح بأن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت لا ترتقي للجدارة و الأهلية المطلوبة منها كراعية للعملية السلمية والتي تهدف في جوهها إلى الوصول إلى سلام عادل وشامل، بحيث تقف عاجزة أمام الإستهتار الإسرائيلي بالقوانين الدولية وبقرارات الشرعية الدولية وأصبح الأفضل لها بأن تتنحى جانبا والكف عن لعب دور الوسيط في العملية السلمية وذلك لعدم نزاهتها وإنحيازها الواضح للمطالب والرؤى الإسرائيلية بل و أضحت عقبة في وجه السلام شأنها شأن إسرائيل. هذا وقد إعتمدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تقاعس الولايات المتحدة الأمريكية إتجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي للمضي قدما في مُخططاتها غير الشرعية بل وفي بعض الأحيان إحتضانها لهذه المشاريع ودعمها.
بلا شك فإن حقيقة هذا الكلام أكدها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون حين قال : ‘ في كل مرة نقوم بفعل شيء تقولون أمريكا ستقول هذا و أمريكا ستقول كذا…..أما انا فأود ان أقول لكم شيء : لا تقلقوا بخصوص الضغوطات الأمريكية على إسرائيل – نحن الشعب اليهودي نتحكم بأمريكا والأمريكيون يعلمون ذلك’. أرئيل شارون ،3 تشرين الأول من العام 2001.
وفقًا لما تم توثيقه وتسجيله من جانب معهد الأبحاث التطبيقية القدس- أريج ، ومؤسسات أخرى من بينها إسرائيلية، تراقب الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد تبين بأن التوسعات الإسرائيلية الممنهجة في البؤر والمستوطنات الإسرائيلية قد حصلت في مناطق سلفيت، نابلس، قلقيلية، أريحا، طوباس ، رام الله ، بيت لحم والقدس بهدف إقامة ممرات تصل المستوطنات والبؤر الإستيطانية بالجهة الشرقية للجدار في غور الأردن وضمان فصل القدس عن باقي أجزاء الضفة الغربية.
إن التوزيع الجغرافي ل 134 بؤرة إستيطانية والتي تسعى إسرائيل إلى شرعنتها لا تعدو كونها أعمالاً إستفزازية ومحاولة من دولة الإحتلال الإسرائيلي لفرض وقائع على الأرض الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تقليص فرص التوصل إلى حل للصراع الاسرائيلي الفلسطييني وقيام دولة فلسطينية على مبدأ حل الدولتين.
ليس خيارا بل إلزامًا
مرارًا وتكرارًا ، لا تكف دولة الاحتلال الإسرائيلي عن التلاعب بوضعية المستوطنات والبؤر الإستيطانية وذلك لخلق الضبابية والإلتباس حول ما هو شرعي وما هو غير شرعي منها ، في حين أنها بلا شك أو جدال غير شرعية حيث أنها أقيمت على أراضي أصحاب الأرض الفلسطينيين قسرًا وليس برضاهم حيث تصبح مسالة حل الصراع بطريقة عادلة وحقيقية أمرا مستحيلاً.
إن اللامبالاة التي تظهرها إسرائيل أتجاه القانون الدولي ومبادرات السلام المتعددة تعكس مدى إلتزام دولة الإحتلال بمخططاتها التوسعية والإحتلالية على الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي تؤدي بدورها إلى عواقب لا رجعة عنها على الأرض لفرض رؤيتها في حل الصراع مع الجانب الفلسطيني والتي تقضي على أي أمل في قيام دولة فلسطينية مستقلة، قابلة للحياة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967.