الوقت الساعة الرابعة من يوم الخميس 26 من شهر يونيو 2011، توجه الحاج حمد جبر احمد قط ذو 66 ربيعا من قرية مادما جنوب نابلس لرعي أغنامه كما اعتاد في منطقة ‘الصواوين ‘ التي تبعد عن بيوت القرية مسافة 200م، فهناك أرضه التي اعتاد على اللعب مع أقرانه فيها منذ نعومة أظفاره وأصبحت مع تقدم العمر بالنسبة إليه بمثابة الأم والأخ، فلقد اعتاد على زراعة أرضه هناك البالغ مساحتها 4 دونمات بمختلف المحاصيل الحقلية الصيفية، كذلك رعي الأغنام بالقرب من تلك المنطقة، حيث يعيل أسرته المكونة من أربعة أفراد.
توجه إلى أرضه ولم يكن يتوقع ما يخبئه القدر له ، فقد اعتاد الوصول إلى أرضه ويحرثها ويزرعها ويرعى أغنامه فيها رغم المعيقات التي تواجهه من مستعمرو ‘يتسهار’ الإسرائيلية التي تبعد مسافة 3كم. وبعد دقائق معدودة من وصول الحاج حمد قط إلى أرضه، جلس على احد الصخور يتأمل بعينه أرضه الزراعية التي أنهك وهو يزرعها، وإلى أغنامه التي أصبحت المصدر الأساسي الذي يوفر به قوت عائلته، يحلم في مستقبل أفضل وأن يعم الاستقرار المنطقة و تنتهي الماسي التي تلحق بالناس جراء الأوضاع المادية الصعبة من جانب و من جراء اعتداءات المستوطنين من جانب آخر.
لكن لم يكن على علم أن هناك مجموعة حاقدة من المستوطنين بالقرب منه يكمنون له بهدف قتله ليس لسبب سوى انه فلسطيني و صاحب الأرض التي لطالما رفضتهم ورفضت الواقع الذي يريدون فرضه بالقوة. حيث قام هؤلاء المستوطنون بمباغتته و الاعتداء عليه باستخدام العصي المزودة بشفرات خاصة، وانهالوا عليه بالضرب المبرح وأخذوا بركله بواسطة أقدامهم بطريقة وحشية تجسد الحقد الدفين في نفوسهم دون الأخذ بالاعتبار كبر سنه ووضعه الصحي المتردي، حيث استمر هذا الحال إلى أن هرعت مجموعة كبيرة من سكان قرية مادما إلى المنطقة علماً بأن منطقة الوادي الذي جرى به الاعتداء تطل على بيوت القرية.
يذكر أن يقظة أهالي القرية الذين اندفعوا إلى الفور للمنطقة حالت دون استمرار المستوطنين في اعتدائهم الذين بدورهم لاذوا بالفرار تحت حماية جيش الاحتلال الذي كان يتواجد في منطقة قريبة من الحدث حيث امنوا الحماية للمستوطنين أثناء هروبهم من المكان. يذكر أن الحاج حمد القط خضع لعملية جراحية في رأسه و في صدره استمرت نحو ساعتين في مستشفى رفيديا الحكومي في مدينة نابلس، حيث كان يعاني من شعر في الجمجمة، ومن كسور في احد أضلاع الرئتين بالإضافة إلى جروح متوسطة في الوجه والرأس.
· إذا كان غريمك القاضي لمن تشتكي؟
بهذه الكلمات البسيطة تحدث احمد القط ابن الحاج حمد القط لباحث مركز أبحاث الأراضي الذي بدوره أكد ‘ أنهم تقدموا بشكوى رسمية إلى شرطة الاحتلال حول فعلة المستوطنين، كذلك إلى الارتباط المدني الإسرائيلي، و لكنه كالعادة يراوغ الاحتلال في الاعتراف بفعلة المستوطنين، بل على العكس فان دولة الاحتلال هي التي تشجع المستوطنين على التمادي في أعمال التخريب و التدمير و سرقة الأرض’. و أكد ‘ أن والده الحاج حمد القط أصيب بعيار ناري من قبل جنود الاحتلال في منطقة الحوض كادت أن تودي بحياته في عام 2001م، أثناء تواجده في أرضه الزراعية التي لا يستطيع العيش بدونها و تقع في المنطقة الشرقية من القرية، في حينها توجهوا إلى القضاء الإسرائيلي عبر احد المنظمات الإنسانية و لكن كالعادة دون جدوى فالقاضي هو نفسه الجلاد’ .و أضاف‘ انه منذ الاعتداء الأخير على والدي، صعد المستوطنون من اعتدائهم اليومية بحق الأرض و الإنسان، حيث تشهد المنطقة التي تعرض فيها والدي للضرب من قبل المستوطنين نشاطا ملحوظا من قبل المستوطنين في خطوة تدل على تواطءٍ رسمي بين جنود الاحتلال و قطعان المستوطنين الذين بدورهم يعيثون خرابا بالأرض’.
يذكر أن قرية مادما الواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة نابلس، تعد نموذجاً حياً لمدى عنصرية الاحتلال، مستوطنو يتسهار يعكرون سكون الليل هؤلاء المستوطنين يشكلون نقطة بالغة السواد في حياة سكان القرية البالغ عددهم قرابة الألفي نسمة، فهم لم يسلموا ولو ليوم واحد من مسلسل الاعتداءات اليومي عليهم و على مقدرات وخيرات القرية، فهناك الشهيد و الجريح في القرية و هناك أشجار سرقت وأخرى حرقت.
حتى مياه القرية تم الاستيلاء عليها، حيث أن نبع الشعرة الذي كان يغذي القرية و يسد معظم حاجتها من المياه تم السيطرة عليه من قبل المستوطنين حتى باتت القرية تعاني من أزمة مياه حادة جراء ذلك. ويبقى للزيتون – العدو اللدود لهؤلاء المستوطنين – مستهدف بشتى الطرق العنصرية بهدف قطع مصدر رزق المزارعين في القرية من جانب، كذلك القضاء على كل ما يربط المزارع الفلسطيني بأرضه لتصبح تلك الأرض محط أهداف المخططات التوسعية الاستيطانية العمياء.