في التاسع و العشرين من آيار / مايو 2011، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي و جيش الاحتلال، و سلطة مياه إسرائيل بهدم 8 آبار مياه زراعية في قرية كفر دان، الواقعة في محافظة جنين شمال الضفة الغربية، مدمرة التجهيزات و المواد اللوجستية المرافقة لهذه الآبار. إن المنطقة التي تتواجد فيها الآبار التي تم هدمها هي منطقة زراعية تدعى بمنطقة سهل كفر دان و تعتبر أكبر مصدر دخل إقتصادية وغذائي للقرية نتيجة لبنيتها الزراعية.
لقد قامت السلطات الإسرائيلية بهدم هذه الآبار للمرة الثانية خلال مدة لم تتعدى الشهرين، حيث قامت سلطات الاحتلال بهدم 3 آبار إضافية، و الآبار الخمسة المتبقية تم هدمها سابقاً في الأول من آذار / مارس 2011، بحجة عدم الترخيص. إن جميع عمليات الهدم التي تمتنفيذها، تم تنفيذها في فترة جمع المحصول، حيث يقوم المزارعين الفلسطينيين بالبدء بجمع منتجاتهم. هذا التوقيت و آلية التنفيذ تشكل مصدر خسارة كبير للمزارعين الفلسطينيين، سواء على المستوى الاقتصادي أو على مستوى إمدادات المصادر و الموارد الغذائية. سبب الخسارة من هذه الآلية هو أنه في موعد جمع المحاصيل تتطلب النباتات و المحاصيل كميات كبيرة من المياه للحصول على نسب إنتاجية و جودة عالية، و بهدم مصادر الإمداد المائي لهذه المنطقة فإن النباتات والمحاصيل لن تقوى على النمو أو الإنتاج، مؤدياً بدوره إلى إنتكاسات اقتصادية فادحة للمزارع الفلسطيني البسيط، و إختفاء مصادر غذائه و عيشه.
إن قرية كفر دان تعتبر واحدة من أكبر سلال الغذاء لمحافظة جنين، حيث يتم توجيه ما نسبته 25٪ من محاصيلها الزراعية لتلبية الطلب الغذائي و الإستهلاكي لمحافظة جنين. إن سلطات الإحتلال الإسرائيلي بهدمها هذا لا تهاجم قرية كفردان فقط، و أنما محافظة جنين كاملة، عبر مهاجمة مصدر الغذاء الذي يوفر و يغطي ما نسبته ربع طلبها و إستهلاكها الغذائي.
علاوة على كل هذا، و أمعاناً في إغلاق جميع الطرق على المزارع الفلسطيني و خنقه، رفضت سلطات الإحتلال الإسرائيلي منح التراخيص اللازمة لترميم ستة آبار مياه ارتوازية، تم بناؤها خلال فترة الإنتداب و الوصاية الأردنية، و توفر هذه الآبار من مياه ما مجموعه الكلي 2000000 متر مكعب، إلا أنه و بسبب السياسات التعسفية الإسرائيلية في هذا المجال، لا يُسمح بإستخدام هذه الآبار أو حتى ترميمها. و كنتيجة منطقية لهكذا سياسات و قيود، إنتقل المزارعون الفلسطينيون إلى حفر الآبار الزراعية و بلغ عددها الإجمالي تقريباً 150 بئر زراعي، آبار تم حفرها و بناءها عشوائياً نتيجة لسياسة عدم إصدار التراخيص الإسرائيلية. إن الآبار العشوائية (بحسب الإدعاء الإسرائيلي) لم تخرج من العدم، فسلطات الإحتلال الإسرائيلي لا تسمح ببناء آبار جديدة، أو حتى ترميم الستة آبار القديمة، بظروف قاهرة و معقدة بهكذا شكل، فإن المزارع الفلسطيني سيبذل ما في وسعه حتى يحافظ على مصدر رزقه و غذائه و ما هو إلا الزراعة.
و إضافة إلى ذلك، إن حفر هذه الآبار أتى أيضاً نتيجةً لعدم وجود البنية التحتية لإمدادات المياه و الصرف الصحي، حيث رفضت سلطات الإحتلال الاسرائيلي جميع طلبات الترخيص لإنشاء شبكة البنية التحتية لإمدادات المياه و الصرف الصحي في قرية كفردان، حيث هناك ما يقارب ما نسبته 60% من منازل القرية لا تتوفر لديها البنية التحتية لإمدادات المياه و الصرف الصحي. آبار المياه الزراعية هذه، تحتاج بعد هدمها إلى ما يقارب 5000 دولار أمريكي لإعادة تأهيلها مرةً أخرى. و إمعاناً في تعسيير الصعاب و تضييق الخناق على المزارع الفلسطيني، فإن المياه اللازمة لتعبئة البئر بعد إعادة التأهيل نادرة التواجد و عالية التكلفة بنسبة 4.02 شيقل إسرائيلي / متر مكعب، دون حسب تكلفة نقل المياه من مصادر خارجية! إن هذه الآبار تشكل العصب الرئيسي للحياة، ليس فقط للمزارع الفلسطيني، و إنما لكل المجتمع المحيط به. هذه الآبار المئة و خمسين تشكل ما مجموه من مياه تقريباً 1700000 متر مكعب، تعمل على تلبية احتياجات القرية. إن الجدول 1 يبين الأضرار والخسائر التي ولدتها هجمات الهدم الإحتلالية الاسرائيلية في قرية كفردان، محافظة جنين. خريطة 1 تظهر موقع الآبار التي تم هدمها قرية كفردان، محافظة جنين، شمال الضفة الغربية.
جدول 01: الأضرار والخسائر التي ولدتها هجمات الهدم الإحتلالية الاسرائيلية في قرية كفردان، محافظة جنين |
— |
المالك |
التكلفة الإجمالية (شيقل إسرائيلي) |
المساحة المروية (دونم) |
عدد المستخدمين |
01. |
احمد محمد جبارين |
18715 |
20 |
40 |
02. |
صبحي محمد مرعي |
18420 |
20 |
40 |
03. |
محمد محفوظ مرعي |
15265 |
40 |
80 |
04. |
بهاء محمد مرعي |
18715 |
30 |
60 |
05. |
مصطفى أحمد عابد |
19320 |
70 |
120 |
06. |
محمد سعيد سعدية |
12440 |
6 |
20 |
07. |
صبحي أحمد عابد |
20560 |
60 |
150 |
08. |
محمود صالح عابد |
23000 |
100 |
200 |
09. |
المجموع الكلي |
146435 شيقل |
346 دونم |
710 فرد |
المصدر: مجلس محلي قرية كفردان، جنين / 2011 |
أما بالنسبة للكشف الميداني للاعتداءات الإحتلالية الإسرائيلية، فقد إجتمع فريق العمل الميداني التابع لمعهد أريج مع رئيس المجلس المحلي لكفردان بلال مرعي، و نائبه. قام المسؤولين بأخذ الفريق الميداني لموقع الهدم للكشف عن آثار الهدم و معاينتها، بجانب ذلك ترتيب مقابلات مع السكان المحليين في المنطقة المهددة، إضافةً إلى إعطاء نبذة تاريخية حول الاعتداءات الاسرائيلية على آبار المياه في قرية كفر دان. في صورة 01، و صورة 02، و صورة 03، تتم رؤية واحدة من الثمانية آبار التي هدمها، و مبيناً فيها كيف تم ردم الآبار بالتراب و الحجارة ، بجانب تمزيق و تقطيع خراطيم المياه من قبل جرافات الإحتلال الإسرائيلي.
ومن الجدير بالذكر هنا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي و جيش الاحتلال، و سلطة مياه إسرائيل إدعت أن هدم الآبار جاء في إطار عدم تلبية هذه الآبار لشروط معينة، و في حالة أخرى أنها تشكل تهديد على الأمن القومي لكيان الإحتلال الإسرائيلي. بعض المبررات و الحجج التي تم الهدم على اساسها هي: التوزيع العشوائي لهذه الآبار في بنائها، و عدم الحصول على رخصة بناء إسرائيلية لهذه الآبار. أما بالنسبة للتبجحات و المهاترات الإسرائيلية حول التهديدات التي تشكلها هذه الآبار على الأمن القومي لكيان الإحتلال الإسرائيلي، فكانت أن هذه المياه المستهلكة قد أدت الى انخفاض مستوى المياه الوطني لإسرائيل الذي يغذي المستوطنين و أفراد الكيان الإسرائيلي. من الجدير التنويه أن هذه الآبار التي تم هدمها و محاولة سرقة حصصها المائية من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلي، تقع في منطقة ب، أي أنها تصنف تحت السيطرة و الوصاية الفلسطينية، و تتواجد فيها المصادر و الموارد الغنية للمزارع الفلسطيني ليستمر في البقاء في أرضه، لا أن يتم سرقتها و تقديمها بكل سهولة و رعونة للمستوطنين الإسرائيليين!
قرية كفردان:
كفر دان، هي قرية فلسطينية في الضفة الغربية، وتقع في الشمال الغربي من مدينة جنين، بمسافة مقدرة بثمانية كيلومترات. يبلغ تعداد سكانها 6993 نسمة وفقا للمكتب المركزي للإحصاء و التعداد السكاني الفلسطيني لعام 2010م. تبلغ مساحة قرية كفردان الكلية ما يقارب 7386.31 دونماً، منها 525.6 دونم مصنف كمنطقة البناء و النمو السكاني للقرية. يحدها من الجنوب قرية بروقين، و يحدها من الغرب قرية اليامون.
الخاتمة:
إن أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي و جيش الاحتلال، و سلطة مياه إسرائيل تقوم بكل وقاحة و عنجهة بسرقة موارد الحياة الفلسطينية. إضافة إلى كل هذا يقوم كيان الإحتلال الإسرائيلي بتوجيه صفعات متسمة بالتكبر و الرعونة إلى عائلة القانون الدولي، عبر إختراق قواعد القانون الدولي و الإتفاقيات الدولية. إن إسرائيل تهدف بهذه الإجراءات إلى تهجير الشعب الفلسطيني مرة أخرى من أراضيهم، إلا أن هذا التهجير الآن ليس بالمجازر و جرائم الإبادة كما فعلت في نكبة 1948م، و نكسة 1967م، إنما عن طريق خنق و إغلاق مصادر الحياة الغذائية و المعيشية للمزارع الفلسطيني، الذي بدوره سيحاول البحث عن وظيفة أو مهنة أو حرفة أخرى بدلاً من الزراعة وتربية المواشي التي تعتبر مهنته الوحيدة، مؤدياً في نهاية المطاف إلى هجرة المزارعين لمنازلهم و مناطقهم في سبيل البحث عن وظائف يمكن أن تقدم حياة كريمة لأسرهم، و توفير القوت اليومي لإستمرار حياتهم.
هذه الإجراءات التهجيرية تم التخطيط لها منذ أمد طويل من قبل كيان الإحتلال الإسرائيلي، بحيث يتم عن طريق محو الهوية الفريدة و قطع الصلة بين المزارع الفلسطيني و أرضه، الذي بدوره سيسهل طرد الفلسطينيين من أراضيهم بعد أن فقدوا هذا الإتصال و الرابط بإراضيهم. إن هذا المخطط الذي تم وضعه بكل برودة أعصاب و تخطيط جهنمي و تنفيذ محكم و خبيث في سبيل قلع الفلسطينيين من أراضيهم و إخلائهم. كل هذا يحصل مراراً و تكراراً، و تحت ناظر أعين الأسرة الدولية، و دون محاولة أخذ العناء لإيقاف هذه الابادات الجماعية والتطهير العرقي والمجازر. كل ما حاول عمله المجتمع الدولي هو غض النظر عن هذه المصائب، و البقاء في مرحلة سبات تُدعى ‘بصمت الحملان’. بالنسبة للقوانين و الاتفاقيات التي تم خرقها، فإنها تتراوح بين إتفاقية جنيف الرابعة، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وغيره:
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)