في الثالث عشر من شهر كانون أول من العام 2010، و استكمالاً في الرابع عشر من نفس الشهر, هدمت جرافات الاحتلال التابعة لبلدية القدس الاسرائيلية اثنين من المنازل الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة؛ حيث أنه في الثالث عشر قامت جرافات الاحتلال بهدم المنزل الاول في حي رأس العامود في القدس و الذي تعود ملكيته للمواطن عيد بهجت الدويك و هو أب لثمانية أفراد. و تبلغ مساحة المنزل الذي تم استهدافه 85 م٢ و كان قد بُنِيَ في بداية هذا العام (2010). و تبرر بلدية الاحتلال الاسرائيلي أن عملية الهدم تمت بحجة عدم وجود ترخيص صادر عن البلدية. و تجدر الملاحظة أن المالك عيد بهجت الدويك، قد تلقى أمرا بهدم المنزل قبل شهرين. و تمت عملية الهدم تحت إشراف عدد كبير من دوريات الجيش الاسرائيلي المرافقة و الشرطة. بالإضافة إلى ذلك، تم محاصرة الموقع قبل البدء بعملية الهدم ، الامر الذي ولّدَ بدوره رد فعل مزدوج من جانب المالكين و المواطنين الذين تواجدوا في الموقع ضد الطغيان الاسرائيلي و عملية الهدم التي تتم تحت حجج و ذرائع اسرائيلية وهمية . رد الفعل هذا أتى على شكل اشتباكات بين قوات الاحتلال والمواطنين وأصحاب المنزل الذين تواجدوا في موقع الهدم مما أدى إلى هجوم غير منضبط وغير متحضر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المالكين والمدنيين.
أما بالنسبة لموقع الهدم الثاني، فقد جرى في الرابع عشر من كانون الأول في مدينة صور باهر في القدس الشرقية المحتلة، وكان الهدف مبنى قيد الإنشاء بمساحة 200 م٢ يملكه المواطن سامر جبريل عميرة. وقال المواطن عميرة صاحب المنزل المستهدف، وهو أب لثلاثة أفراد، انه لم يتلق أي تحذير مسبق أو أمر هدم من بلدية القدس، وانه وشقيقه كانا يخططان للانتقال والعيش في المبنى مع بداية العام الجديد (2011). و بالطبع فقد بررت بلدية الاحتلال الاسرائيلي عملية الهدم بذريعة عدم وجود رخصة بناء صادرة عن البلدية لبناء المبنى.
ان هذه الانتهاكات الاسرائيلية ليست عشوائية أو حديثة الولادة, بل منذ احتلال اسرائيل للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة في العام 1967، قامت الجرافات الاسرائيلية بهدم حي بأكمله, حي المغاربة في البلدة القديمة في القدس ، لإقامة حي يهودي فيه و توطين المستوطنين الإسرائيليين على أنقاض منازل المواطنين الفلسطينيين. و من تلك اللحظة, استمرت إسرائيل في سياسة هدم المنازل الفلسطينية في الضفة الغربية، مع التركيز بصفة خاصة على القدس الشرقية المحتلة، باستخدام ذرائع مختلفة وغير مشروعة لتحقيق تلك الغاية. وتستند الذرائع الإسرائيلية في الغالب على عدم وجود تراخيص صادرة عن بلدية القدس للبناء، في حين أن سلسلة الشروط التعجيزية و الإلزامية التي تفرضها بلدية القدس على عملية إستصدار تراخيص البناء، التي يتوجب على سكان المدينة من الفلسطينيين إتباعها، تجعل الحصول على هذا الترخيص معقداً بصورة غير محتملة.
من هذه المؤشرات، يتبين أن هناك خطة اسرائيلية مرسومة جيداً، هدفها فريد من نوعه، و إنعكاساته خطيرة و هو فرض واقع ديموغرافي في المدينة المحتلة لصالح الاسرائليين. وقد تم تحقيق هذا الهدف بطرق مختلفة، بداية من العام 1967، عندما صرح ديفيد بن غوريون، و هو أول رئيس وزراء إسرائيلي قائلا: ‘لتجنب إنحطاط الدولة الإسرائيلية، فإن الهدف الرئيسي و الضروري هو توجيه توطين اليهود في القدس بشكل عام، و الشطر الشرقي من القدس بشكل خاص، مهما سيكون الثمن، دون الانتظار أو الدخول في مفاوضات مع جيراننا[1]‘.
فمنذ ذلك التاريخ (شهر حزيران من العام 1967)، قامت الحكومة الاسرائيلية, و بصورة أحادية الجانب, بضم ما مساحته 71000 دونم (71 كم²) لتوسيع حدود بلدية القدس، التي كانت مساحتها 6500 دونم (6.5 كم²) قبل حرب العام 1967؛
بالإضافة إلى ذلك، استأنفت إسرائيل مشروعها الرامي الى توطين اليهود و زيادة تعدادهم في المدينة, في الوقت نفسه سعت الى دفع نسبة السكان الفلسطينيين القاطنين في المدينة إلى أدنى مستوى. وقد تم التأكيد على هذا من خلال العديد من المخططات الاسرائيلية الاستيطانية التي تم طرحها منذ ذلك الوقت و حتى يومنا هذا, ابتداءا من المشروع الاستيطاني الذي شمل بناء 18 مستوطنة اسرائيلية في القدس الشرقية و المستوطنات الاخرى في الضفة الغربية و استكمالا بالمخطط الهيكلي التنظيمي لمدينة القدس (مخطط القدس 2000-2020) الذي كشفت عنه بلدية القدس الاسرائيلية في شهر أيلول من العام 2004 و الذي سيعمل حتى العام 2020. ووفقا للمخطط فسوف يتم توسيع الحدود الغربية لمدينة القدس بحوالي 40%, في الوقت نفسه لم يتم تخصيص مناطق تطويرية مستقبلية للفلسطينيين في المدينة بالرغم من أن مساحة المناطق العمرانية الفلسطينية في المدينة تشكل أكثر من نصف المساحة هذا و تم تصنيف ما نسبته 24.4% من مساحة الاراضي كمناطق خضراء و ساحات عامة مع الحفاظ على إمكانية التوسع في المستقبل في المناطق العمرانية الفلسطينية بنسبة 6.4 بالمائة فقط. و بالطبع تصنيفات استخدامات الأراضي تتغير وفق الحاجة الإسرائيلية, حيث عمدت السلطات الإسرائيلية إلى إعلان العديد من مناطق القدس الشرقية كمناطق طبيعية و ساحات عامة بهدف مصادراتها و من ثم تقوم بتغير تصنيف تلك الأراضي و تحويلها الى مناطق عمرانية للمستوطنون اليهود في المدينة, ولعل أوضح مثال على ذلك ما حصل في جبل أبو غنيم الذي غير الإسرائيليون تصنيفه من منطقة خضراء إلى مستوطنة هار حوما و مستوطنة ريخيس شعفاط. و كان فريق التخطيط التابع لبلدية القدس المحتلة قد أوصى أيضا أنه ‘ على إسرائيل أن تحول المناطق الخضراء في القدس وقراها إلى مناطق لبناء المستوطنات، وبالتالي إجبار الفلسطينيين على المغادرة إلى الضفة الغربية، و بهذهِ الطريقة، يتم حرمان الفلسطينيين من وجود هوية سياسية في القدس، و المشروع الديمغرافي الإسرائيلي سيتم إنجازه‘