في السادس والعشرين من أيلول 2010 أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية في القدس المحتلة قراراً يقضي بنزع ملكية ارض وقف ذي لعائلة السعدي المقدسية وتسجيلها بأسماء مالكين يهود، حيث يقع على هذه الأرض حي سكني معروف باسم ‘كبانية أم هارون’، يسكنه لاجئون فلسطينيون تم طردهم من مساكنهم وأراضيهم في عام 1948 بموجب عقد إيجار من ‘ حارس أملاك العدو’.
وقد قررت المحكمة أن الأرض تعود إلى جهات إسرائيلية استيطانية, عقب الدعوة التي رفعها بعض المستوطنين، ومثل في الجلسة المحامي حسني أبو حسين كلاً من وقف محمد وإبراهيم عبد ربه بالإضافة إلى سليمان درويش حجازي (صاحب منزل), وفي المقابل مثلت النيابة الإسرائيلية كلاً من التالية أسمائهم باعتبارهم أصحاب الحق بالأرض وهم يهود: ليئا عوفر, د. أرفين موسكوفيتش, دبورا بوتكين, تمار اونغر, بالإضافة إلى بلدية القدس, يتسحاق مامو, و دولة إسرائيل. فهذه الأطراف مجتمعة استطاعت أن تجمع وتفبرك وتزور كل ما يلزم من أوراق ووثائق لتضعها أمام المحكمة وتحصل على قرار بملكية الأملاك.
وقد حاول المحامي حسين أبو حسين أن يقدم استئنافاً حول قرار المحكمة الذي صدر بتاريخ 13/09/2006, فكانت النتيجة بتاريخ 26/09/2010, وبعد أن التأمت محكمة الاحتلال العليا, تم إصدار قرار برفض الاستئناف, وإن الأرض تعود ملكيتها إلى الجهات الإسرائيلية.
بخصوص السكان, فيقول المحامي حسين أبو حسين لباحث مركز أبحاث الأراضي: ‘ القرار آنف الذكر يخص الأملاك ولا يخص السكان, لأن السكان محميين بموجب قانون المستأجر ولهم حقوق’, لكن لا شيء مستبعد من أجندة الاحتلال, سيما وأن القرار هو قرار سياسي بحت, وله دلالات سياسية وأهداف ديموغرافية, ونوايا استيطانية باتت معروفة للملأ. وعليه, فان أهالي الشيخ جراح, باتوا مهددين بالطرد والإخلاء القسري من منازلهم, ليتم إحلال عائلات استيطانية مكانهم.
قضية ارض وقف معو السعدي أو ‘كبانية أم هارون’ :
تقع في قلب حي الشيخ جراح مساحتها 8 دونمات وتعود ملكية الأرض إلى الشقيقين محمد وإبراهيم ولدي معو الصغير السعدي بحجة وقف ذري مؤرخة في سنة 1229 هـ، وشراكة المرحوم سليمان درويش حجازي عن طريق الشراء في عام 1961م.
في سنة 1310 هـ (1889م) قام متولي الوقف عبد ربه بن خليل بن إبراهيم بتأجير الأرض وبشكل رسمي وقانوني إلى شخص يهودي فلسطيني يدعى ‘ يوسف بن رحاميم ميوحاس’ على أن يدفع المحتكر أجرة رقبة الأرض ( أجرة سنوية) لمدة 90 عاماً ( إيجار طويلة الأمد) تنتهي في 1400 هـ ( 1979م).
وسجلت الأرض باسم الوقف كمالك للأرض وسجل اليهودي يوسف كمنتفع للأرض ويحق له التصرف بها كمستأجر و/أو مؤجر طالما التزم بتسديد الأرض ودفع قيمة الحكر السنوي، وقام اليهودي بتقسيم الأرض البالغة مساحتها 8 دونمات إلى 68 قسيمة أي بمعدل 117.5م2 لكل قطعة وقام بإيجار حق المنفعة إلى أفراد آخرين يهود وأقاموا عليها بيوت صغيرة وتم تسجيلهم في دوائر الطابو التركي كمنتفعين من هذه الأرض، وشكلت هذه الأراضي حي صغير عرف باسم ‘كوبانية أم هارون’ ، وكانوا يلتزمون بدفع الإيجار السنوية لمتولي الوقف حتى عام 1947م وكل ذلك موثق بالإيصالات من دوائر الاوقاف.
في عام 1947 حدثت مواجهات ومناوشات بين العرب واليهود في القدس وخاصة أن الأرض تقع في منطقة التماس وبالتزامن مع حرب عام 1948 فقد انسحب اليهود عقب ذلك مع كافة اليهود المستوطنين إلى داخل الاجزاء المحتلة من فلسطين آنذاك والتي أنشأت عليها دولة إسرائيل.
ودخل الجيش الأردني إلى القدس ووحد الضفتين في عام 1950، و أقامت الأردن دائرة ما يسمى ‘ حارس أملاك العدو’ حيث قامت بحصر وتسجيل أملاك اليهود وكل ما كان تحت تصرفهم شمل ذلك ‘كبانية أم هارون’، وقام بعض المواطنين ممن هجروا من أراضيهم في عام 1948 باللجوء إلى البيوت الصغيرة التي تركها اليهود في وضع مزري، وقاموا باستصلاحها وسكنوا فيها بموجب عقود إيجار من ‘حارس أملاك العدو’.
في عام 1979 انتهت فترة الإيجار طويلة الأمد لليهودي ‘ يوسف’ وبدأ المرحوم سليمان حجازي ومتولي الوقف الجديد يحيى زكريا عبد ربه بالحراك والمطالبة باستعادة ملكية الأرض.
إلى أن جاء قرار المحكمة العليا الإسرائيلية اليوم بتسجيل ملكية الأرض باسم يهود، ضاربين بعرض الحائط كل الوثائق الثبوتية من عثمانية أو انتدابية أو أردنية أجمعت بأن ملكية رقبة الأرض هي لعائلة السعدي حتى أن المنتفعين اليهود أنفسهم اقروا رسمياً بأنهم كانوا مستأجرين منتفعين للموقع ولم يكونوا يوماً مالكين للأرض.
بهذا تصبح المحاكم الإسرائيلية وسيلة من وسائل الاحتلال لمساعدة المستوطنين من اجل تهويد القدس.
قرار المحكمة النهائي برفض الاستئناف