تقديم
اهتمت وسائل الاعلام في الاونة الاخيرة بالمفاوضات الجارية بين اسرائيل و حركة حماس من اجل الافراج عن الجندي الأسير جلعاد شاليط وتبادل الأسرى الفلسطينيين و أصبح هناك تعتيم على الحقيقة التاريخية والمعاصرة للسجن دون محاكمة، والاعتقال الغير القانوني، وانتهاكات حقوق الإنسان والتمييز في تطبيق القانون من جانب إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. و تشير الاحصائيات انه منذ العام 1967, تم اعتقال ما يقارب ال 700،000 فلسطيني من قبل إسرائيل و هذا الرقم يمثل ما نسبته 40٪ من السكان الذكور في الضفة الغربية. و اليوم يقبع حوالي 11،000 أسير فلسطيني في السجون الاسرائيلية. كما تشير البيانات أيضا إلى أن أكثر من 850 أسير ليسوا على علم بالتهم الموجهة إليهم، بينما تم احتجاز 4820 فلسطيني في السجن دون محاكمة. و الجدير بالذكر أن أكثر من 90٪ من السجناء هم من الضفة الغربية وأكثر من 30٪ منهم, متزوجون.
ان الاعتقال الغير القانوني و المنظم للمدنيين الفلسطينيين هو أداة شائعة مستخدمة من قبل القوى الاستعمارية السابقة، والأنظمة الاستبدادية، ومؤخرا، كجزء من الحرب على الارهاب'. اسرائيل و بشكل روتيني و غير قانوني تواصل اعتقال الرجال والنساء والأطفال كجزء من البنية التحتية للاحتلال و تحرم الاسرى الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية مثل الملابس والأغذية والوصول إلى مرافق الحمام, كما يعاني الاسرى من التعذيب النفسي والجسدي. و تشير احصائية صادرة عن الحركة العالمية للدفاع عن الاطفال في شهر حزيران في العام 2009 بأن أكثر من 85٪ من المعتقلين الفلسطينيين قد عانوا من التعذيب في مراكز الاعتقال والسجون الاسرائيلية، وأنه منذ العام 2000 قامت قوات جيش الاحتلال الاسرائيلي باعتقال أكثر من 6،000 طفل فلسطيني.
الاعتقال الاداري
الاعتقال الاداري هو أداة شائعة مستخدمة من قبل إسرائيل، كما هو الحال مع النظم الاستعمارية الأخرى، ويمثل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان. و تجدر الاشارة الى أن ما يزيد عن 750 أسير (من الاسرى ال 11،000) هم رهن الاعتقال الإداري لدى اسرائيل، بينهم أكثر من 100 أمرأة. و وفقا للأمر العسكري الاسرائيلي رقم 1229، الصادر في العام 1988، فان الاعتقال الإداري، أو السجن دون محاكمة، يعتبر اجراء قانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة; كما يمكن لجيش الاحتلال الاسرائيلي احتجاز أي شخص لمدة 6 أشهر في السجن دون ذكر الاسباب و ذلك تحت ذريعة 'الأمن في المنطقة أو اذا استدعى الأمن العام الاحتجاز الاداري'.
و وفقا لأرقام مصلحة السجون الاسرائيلية، فان 22٪ من الأشخاص الذين يخضعون للاعتقال الاداري, تم احتجازهم لمدة تقل عن 6 أشهر، بينما تم احتجاز 37٪ منهم لفترة تتراوح ما بين ستة أشهر و سنة، و 8 ٪ تم احتجازهم لمدة تتراوح بين 2-5 سنوات. و كانت اطول فترة تم احتجاز الفرد فيها رهن الاعتقال الإداري دون توجيه تهم إليه 8 سنوات. ويحتجز المعتقلون في السجون الاسرائيلية دون محاكمة و لا يتم اخبارهم بمبرر الاعتقال. كما يتم حرمان محامي الدفاع من فحص ادلة الاعتقال و بالتالي يصبح من المستحيل دحض أي مزاعم اسرائيلية بالاعتقال. كما يتم احتجاز معظم المعتقلين الإداريين في مراكز الاعتقال داخل اسرائيل الامر الذي يشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي (اتفاقية جنيف الرابعة) و التي تنص على أن الاعتقال خارج الأراضي المحتلة هو عمل غير مشروع. و في كثير من الاحيان تقوم سلطات الاحتلال الاسرائيلي بمنع عائلة المعتقل (الاسير) من زيارته/ها. و تشير الاحصائيات الى أنه أكثر من 180 أسير قد فارقو الحياة في السجون الاسرائيلية منذ العام 1967 بسبب حرمانهم من العلاج و تعرضهم لأساليب تعذيب قاسية.
الاعتقال الاداري للاطفال
و لم تقتصر سياسة السجن الاداري و الاعتقال التعسفي على كبار السن فحسب, بل طالت الاطفال أيضا. و بموجب القانون الدولي والقانون الإسرائيلي يعرف القاصر بأنه شخص دون سن الثامنة عشر, أما القانون العسكري الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة يحدد القاصر بانه شخص دون سن السادسة عشر. وهذا يعني أن الاطفال الذي تتراوح أعمارهم بين 16-18 يعاملون معاملة البالغين بموجب القانون. و تجدر الاشارة الى ان أكثر من 330 طفل فلسطيني محتجزون حاليا في السجون الإسرائيلية، منهم, ما يزيد عن 190 طفل في الاعتقال الاداري. و السبب الأكثر شيوعا لإلقاء القبض على هؤلاء الأطفال هو القاء الحجارة، ومع ذلك فانه من الصعب أن نرى كيف أن هذا العمل قد يؤدي الى الاعتقال الاداري. و يتم اعتقال هؤلاء الاطفال اما من منازلهم أو على نقاط التفتيش حيث يتم تعصيب أعينهم و تكبيل ايديهم دون أن يوضح لهم سبب الاعتقال. و في كثير من الاحيان يحرم الأطفال من الحصول على محام للدفاع عنهم أو للتحقيق في سبب الاعتقال، وغالبا ما يتم اجبارهم على التوقيع على اعترافات مكتوبة باللغة بالعبرية، وهي لغة لا يفهمونها، والتي يتم استخدامها فيما بعد كأدلة ضدهم.
ان استخدام نظام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين يعني أن المعتقلين يحرمون من محاكمة عادلة ونزيهة وشفافة. كما يتم محاكمة الأطفال الذين لا تزيد أعمارهم عن 12 كبالغين في إطار نظام هذه المحاكم العسكرية، التي هي محاطة بالسرية، والتحيز، وذلك يتناقض مع القانون الدولي الإنساني.
أستخدام أساليب التعذيب
أعربت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب عن بالغ قلقها إزاء الممارسات الإسرائيلية في السجون الاسرائيلية و التي تشمل استخدام التعذيب قبل وأثناء وبعد الاستجواب والتحقيق مع الاطفال دون وجود محام دفاع أو أحد أفراد الأسرة، احتجاز ومحاكمة 700 طفل سنويا، واستخدام اسلوب الإكراه على الاعتراف لمحاكمة المشتبه بهم. و تجدر الاشارة الى أن أكثر من 85 ٪ من المعتقلين الفلسطينيين تعرضوا للتعذيب الجسدي والإيذاء النفسي والحبس الانفرادي والاعتداء الجنسي والحرمان من النوم و العلاج الطبي.
و بموجب القانون الدولي فان الاعتقال الإداري، والتعذيب، ونقل المعتقلين الفلسطينيين الى السجون الاسرائيلية داخل اسرائيل كلها أساليب غير مشروعة. المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص على عدم شرعية التعذيب والعقاب. كما تحظر اتفاقية جنيف الرابعة على إسرائيل نقل المعتقلين بعيدا عن الأراضي الفلسطينية المحتلة.
القانون و النظام
لقد سن قانون الاعتقال الاداري وفقا لمبدأ ضمان أمن الدولة. و بما أن اسرائيل لم تعمل على تعريف هذا المصطلح الغامض رسميا, فان سياسة الاعتقال الإداري لا يمكن أن تطبق على أي جريمة ، مهما كانت صغيرة. و كانت سياسة الاعتقال الاداري قد استخدمت عبر التاريخ من قبل القوى الاستعمارية والأنظمة الاستبدادية لسحق المقاومة الشعبية للحكم القمعي. و هذا التكتيك الذي تستخدمه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يختلف عن السوابق التاريخية, وباعتبارها دولة احتلال معترف بها دوليا، فهي واحدة من العديد من الاستراتيجيات المستخدمة لقمع والسيطرة على السكان الفلسطينيين.
ان التمييز في تطبيق القانون هو أيضا وجه من الوجوه الواضحة للاحتلال الاسرائيلي. فقد سن الاعتقال الإداري من اجل الاعتقال العشوائي للرجال والنساء والأطفال من دون ادلة حيث يتم احتجاز الأفراد في السجون الاسرائيلية لشهور، إن لم يكن سنوات، على أساس الشك والاعترافات القسرية، أو الانتماء إلى الأحزاب السياسية، أو لكونهم أقارب لأشخاص متورطين مع بعض الأحزاب السياسية. و الدليل على ذلك, ما يزيد عن 700 شخصا، من بينهم 300 + طفل محتجزون حاليا في مراكز الاعتقال الاسرائيلية من دون اي دليل لإلقاء القبض عليهم و هذا يعكس السياسة التي تطبقها اسرائيل بحق الفلسطينيين. وعلاوة على ذلك، فقد تم محاكمة 900 معتقل فقط من أصل 11،000 أسير يقبعون في السجون الاسرائيلية و هذا يعكس إما عدم الكفاءة في نظام العدالة الاسرائيلي أو معاملة تمييزية وتعسفية ضد الفلسطينيين على يد هذا النظام نفسه.
و في المقابل ، يسمح للمستوطن الاسرائيلي القاطن في المستوطنات الاسرائيلية في الأراضي المحتلة بالاعتداء على الفلسطينيين و تخريب ممتلكاتهم و غالبا ما يتم ذلك بحضور قوات جيش الاحتلال الاسرائيلي التي لا تحرك ساكنا. و الدليل على ذلك, مقاطع فيديو مصورة و صور و شهود عيان كأدلة ضد المستوطنين لما يقومون به من هجمات ضد الفلسطينيين. و مع ذلك, 90٪ من الشكاوي ضد المستوطنين لا يتم التحقيق فيها. و في الوقت الذي يتم فيه احتجاز قاصر فلسطيني لمدة ستة أشهر في مراكز الاعتقال الاسرائيلي بتهمة إلقاء الحجارة, يقوم الجيش الاسرائيلي بحماية المستوطنيين الاسرائيليين الذين ينفذون الاعتداءات ضد الفلسطينيين.
ان قضية الاعتقال الاداري تاخذ أبعادا أعمق بكثير من المفاوضات الجارية لتبادل جلعاد شليط بسجناء فلسطينيين. و لكن جدير ان نتذكر أيضا بأن شاليط هو جندي مدرب ومسلح من جانب اسرائيل و يشترك في الاحتلال الاسرائيلي. و لكن هذا ليس مبرر لاسره بل لتوضيح انه بينما ينشغل المجتمع الدولي في قضية الجندي الاسير جلعاد شاليط و يتجاهل السجن الغير القانوني للآلاف من المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، الذين إذا كانوا مذنبين بارتكاب جريمة يجب أن يحاكموا عليها بدلا من احتجازهم تعسفيا دون اللجوء إلى حقوقهم القانونية والإنسانية.
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)