مقدمة
ان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هو نتاج عوامل ومؤثرات اقليمية ودولية ، حيث ان دينامية الاحداث الاقليمية و الدولية لها الاثر الاكبر على هذا الصراع ومساره. و لعل احد اهم العوامل المؤثرة في استمرار و اثارة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هو المساعدات المالية الدولية المقدمة لدولة الاحتلال تحت مسمى منح ، حيث ان الولايات المتحدة الامريكية و منذ قيام دولة اسرائيل تقوم باعطائها مساعدات مالية ضخمة مبالغ فيها شكلت ما نسبته 30% من اجمالي ميزانية مساعدات الولايات المتحدة الامريكية على مستوى العالم.
فمنذ العام 1949 وحتى العام 1996 بلغ حجم المساعدات المالية الامريكية للدول الافريقية , و دول امريكا اللاتينية بالاضافة الى دول الكاريبي 62,497,800,000 $ و هو تقريبا نفس المبلغ الذي قدمته الولايات المتحدة الامريكية لاسرائيل خلال نفس الفترة.
ان ضمان بقاء الاحتلال و دعمه يعتبر شيئا مكلفا كما يحصل بين الولايات المتحدة الامريكية و اسرائيل في مجال المساعدات و الدعم المالي و ايضا الحجم الهائل للاستثمارات الامريكية في اسرائيل و التي ادت الى تزايد النفوذ السياسي بين الطرفين مما يصب في مصلحة بقاء الاحتلال الاسرائيلي و ديمومته بدلا من انهائه، حفاظا على المصالح المشتركة بين البلدين.
الدعم الخارجي و الاحتلال
كما ذكرنا سابقا ان اسرائيل قد حصلت على اكبر قدر من المساعدات الامريكية التي تقدمها للدول حيث انه في العام 1997 وحده حصلت اسرائيل على 5,525,800,000 $ . علاوة على ذلك فان اسرائيل تتمتع ايضا بامتيازات مالية من الولايات المتحدة لا تحصل عليها اي دولة اخرى في العالم فعلى سبيل المثال : اسرائيل تحصل على حصتها من الدعم العسكري الامريكي كاملا عند بداية السنة المالية، اما بالنسة لغير اسرائيل من الدول فانها تحصل على دعم عسكري على اربع مراحل مختلفة خلال العام الواحد. من ناحية اخرى الولايات المتحدة الامريكية لا تلزم اسرائيل بان تبين كيفية صرف هذه المساعدات بينما تشترط على الدول الاخرى ان تعد شرحا تفصيليا عن كيفية صرف هذه المساعدات ، في الوقت الذي تعرف فيه امريكا بان اغلب المساعدات الامريكية المقدمة لاسرائيل تذهب لتمويل بناء المستوطنات غير الشرعية و لتغطية تكاليف المعدات العسكرية الاسرائيلية و في كلا الحالتين فان دافعي الضرائب الامريكيين يمولون النشاطات الاسرائيلية غير القانونية وفي صورة اكبر استمرار الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية.
نتيجة للكم الهائل من المساعدات الدولية المنهمرة على اسرائيل فان الترسانة الحربية الاسرائيلية تعتبر من اقوى مثيلاتها على مستوى العالم ، حيث ان غالبية الترسانة العسكرية المتطورة التي تملكها اسرائيل هي من الولايات المتحدة الامريكية حيث قامت بتزويد جيش الاحتلال الاسرائيلي ب 226 طائرة 'اف- 16' و مقاتلات هجومية بالاضافة الى 89 طائرة حربية من طراز ' اف- 15' و ايضا 700 دبابة من طراز 'ام – 60' ناهيك عن 6,000 ناقلة مدرعة و طائرات مروحية و عمودية و عدد لا حصر له من الصواريخ و القنابل.
ان تجارة السلاح هو امر واقع و طبيعي بين الدول، و لكن في حالة الاسلحة التي تزود الولايات المتحدة اسرائيل بها فانها بدون ادنى شك تستخدم لانتهاك القوانين الدولية و الانسانية في الاراضي الفلسطينية المحتلة حيث ان القانون الامريكي يحظر بان تقوم الولايات المتحدة يتزويد السلاح لدول لا تحترم القانون الدولي و الانساني وتقوم بانتهاكه يوميا كما هو الحال مع دولة الاحتلال الاسرائيلي.
الجدير ذكره بان اسرائيل لديها مصانع حربية لانتاج الاسلحة و هي ايضا لها نصيبا كبيرا من المساعدات الخارجية الامريكية لاسرائيل فعلى سبيل المثال : يسمح لاسرائيل بان تقوم بصرف المساعدات المالية العسكرية الامريكية على الانتاج الحربي و صناعة الاسلحة ، و عندما تقوم اسرائيل بشراء الاسلحة الامريكية يتحتم على الولايات المتحدة الامريكية شراء الاسلحة من المصانع الاسرائيلية . هذه العلاقة الوثيقة و المتداخلة بين اسرائيل و الولايات المتحدة تدعم بشكل كبير الصناعات العسكرية الاسرائيلية و التي تضمن حصول جيش الاحتلال الاسرائيلي على احدث الاسلحة لضمان سيطرتها و خلق توازن للقوى يطيل من عمر الاحتلال.
ان استخدام القوة و تطوير البنية العسكرية من اهم مقومات بقاء الاحتلال الاسرائيلي و الذي يشكل تهديدا حقيقيا لوجود الدولة الفلسطينية المستقبلية .
الايجابيات السياسية و الاقتصادية للمعونات الخارجية
بالرغم من تعارض الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية مع كافة القواعد و المواثيق و المعاهدات الدولية و القانون الدولي و الانساني ، فان اسرائيل تعمد الى ترسيخ دعائم احتلالها في الاراضي المحتلة ، بحيث اضحت الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الانسان الفلسطيني امرا طبيعيا يحصل كل يوم تقوم بتوثيقه مؤسسات حقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية و المؤسسات التابعة للامم المتحدة وهي شاهدة حية على الانتهاكات الاسرائيلية ولكنها في نفس الوقت تقف متقاعسة امام غطرسة الاحتلال الاسرائيلي ويمكن ايعاز نتيجة لما يتلقاه الاحتلال من مساعدات .
هذا و تقف الولايات المتحدة الامريكية بكل ثقلها الى جانب الاحتلال الاسرائيلي فعلى سبيل المثال مارست الولايات المتحدة ضغوطا هائلة على دول العالم لعدم المضي قدما في التحقيق في تقرير القاضي غولدستون حول الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل في حربها الاخيرة على قطاع غزة وبالفعل نجحت مساعي الولايات المتحدة في تجنيد اكبر قدر من الدول لتساند دولة الاحتلال الاسرائيلي من خلال عدم المضي قدما في التحقيق في نتائج و استخلاصات التقرير المذكور.
و الجدير ذكره بان الدعم الاقتصادي واللوجستي للاحتلال الاسرائيلي يمتد منذ العام 1948 حين قامت العصابات الصهيونية المسلحة بعمليات تطهير عرقي للمواطنين الفلسطينيين.
حاليا و على الارض يوجد العشرات من المعسكرات الاسرائيلية و مايزيد عن 11,000 اسير فلسطيني وراء القضبان و جدار فصل عنصري يمتد على طول 733 كلم و 199 مستوطنة غير شرعية وما يزيد عن 600 حاجز عسكري و شبكة من الطرق الالتفافية الاسرائيلية يزيد طولها عن 800 كلم فكل ذلك لم يمكن ان يكون لولا المساعدات الخارجية و التي وصلت منذا العام 1948 وحتى العام 1998 الى 84.8 مليار دولار حيث حصل كل موطن اسرائيلي من المساعدات الامريكية و من دافعي الضرائب الامريكيين على 14,630 $ و اذا ما توقفت هذه المساعدات الضخمة فبدون ادنى شك لن تستطيع اسرائيل ان تمضي قدما في احتلالها للاراضي الفلسطينية.
ان اسرائيل ليست دولة تعاني من كوارث طبيعية كالجفاف و خطر الزلزال و البراكين او دولة تصارع من اجل الخروج من الفقر المستفحل بل ان اسرائيل و حسب تصريح لمسؤول سابق في وزارة الخارجية الامريكية تعاني من المشاكل بسبب عدم رغبتها في ارجاع الاراضي الفلسطينية و العربية التي احتلتها في عدوانها عام 1967 . و بالمقارنة ما بين حجم المساعدات الامريكية المقدمة لدول امريكا اللاتينية و بين اسرائيل فان معدل المساعدات التي حصل عليها الفرد الواحد في دول امريكا اللاتينية هو 79 $ بينما المواطن الاسرائيلي حصل على 10,775.48 $ كلها على حساب دافعي الضرائب من الامريكيين.
ان المساعدات الخارجية و منها الامريكية تهدف في الاساس الى لزيادة نفوذ الدول المانحة في منطقة الشرق الاوسط و في الوقت نفسه اصبحت هي نافذة الهواء الذي يتنفسه الاحتلال الاسرائيلي و الذي يمضي قدما في انتهاكاته و احتلاله ضد المواطن الفلسطيني في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس
(أريج)