لا يكتفي الاحتلال الإسرائيلي بتحويل المدن والقرى الفلسطينية لكنتونات صغيرة معزولة عن بعضها والعالم الخارجي، من خلال حواجزها وجدار الفصل العنصري، بل إنها تمنع عن آلاف من المواطنين الفلسطينيين المياه، محولة حياتهم لجحيم لا يطاق. وتعتبر قرية العقبة في محافظة جنين شمال الضفة نموذجًا حيًا لهذه المعاناة التي تعيشها العديد من القرى والمدن الفلسطينية التي تعاني من شح كبير بالمياه، يقابله استهلاك إسرائيلي مرتفع للمخزون المائي في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
وقد بذل أهالي قرية العقبة الواقعة ضمن محافظة طوباس شمال الضفة الغربية والتي تعتبر قرية غير المزودة بشبكة مياه، بذلوا جهوداً جمة من أجل إيصال المياه لقريتهم، وذلك في الوقت الذي يوجد فيه خط مياه تحت سيطرة شركة ‘ميكروت ‘الإسرائيلية يمر بجوار قرية العقبة، ولا يبعد هذا الخط عن حدود القرية أكثر من 500 متر والذي يغذي بدورة بشكل شبه مجاني ‘معسكر تسيفع’ على بعد نصف كيلومتر ويتجاهل القرية وحاجاتها الإنسانية، كذلك تتفاقم المشكلة في قرية العقبة وجميع التجمعات الريفية والبدوية على امتداد أراضي محافظة طوباس أل ( 409)كم والتي تزيد عن مساحة قطاع غزة من خلال تحكم فيها إسرائيل بالكامل ومنع السكان من حفر آبار ارتوازية او تطوير أراضي جديدة وبقيت أكثر الأراضي تعتمد على مياه الأمطار فقط.
يذكر أن حلم أهالي قرية العقبة بدا لهم وكأنه قريب المنال والتحقق، بعد جهود ومحاولات مضنية مع المؤسسات الرسمية تقدم بها المجلس القروي في قرية العقبة في سبيل حل مشكلة القرية المائية والتي لم تثمر عن شيء سوى وعودات صعبة التحقيق وفي نهاية المطاف وافقت حكومة اليابان خلال منتصف العام الماضي 2008م على تزويدهم بصهاريج وحافلة لنقل المياه لقريتهم، ليتم نقل المياه إلى قرية العقبة من عين الفارعة التي تبعد حوالي 20 كم عن قريتهم ولكن سلطات الاحتلال تدخلت وعملت على احتجاز هذه الصهاريج في ميناء أسدود تحت حجج وذرائع أمنية، تاركة سكان القرية يواجهون مأساة حقيقة، خاصة أنهم يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي مصدراً أساسياً للرزق حتى تم الإفراج عنه، ولكن المشكلة لم تنته عند هذا الحد فتكلفة نقل المياه عبر الصهريج من عين الفارعة إلى قرية العقبة يقدر ب15 شيكل للكوب وهذا مبلغ باهظ لأهالي القرية البالغ عددهم 300 نسمة والذين يعيشون حياة بسيطة تكاد الزراعة وتربية المواشي تعتبر المصدر الوحيد للدخل لديهم، علاوة على ذلك لا يسلم ذلك الصهريج من ممارسات الاحتلال من خلال تأخيره واحتجازه للساعات طويلة بين فترة وأخرى تحت أسباب يسميها الاحتلال أمنية مسبباً بذلك في تفاقم الأزمة عند أهالي القرية.
يشار إلى أن نموذج قرية العقبة، ينطبق على الكثير من غيرها من البلدات الفلسطينية، فالإحصائيات تشير إلى أنه يوجد في محافظة نابلس لوحدها 27 قرية فلسطينية دون شبكات مياه، هذا في وقت تستولي إسرائيل على عيون المياه والآبار الارتوازية، حيث أن المستوطنين في الضفة الغربية يستهلكون خمسة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني من المياه.
كما أنه حسب تقرير صدر مؤخراً عن المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار ‘بكدار’ فان معدل استهلاك المواطن الفلسطيني من المياه في الضفة الغربية ولكافة الأغراض المنزلية والزراعية يقدر بحوالي 130 متراً مكعباً في السنة، إلا أن المواطن الإسرائيلي يستهلك 2235 متراً مكعباً في السنة.
وأشار تقرير ‘بكدار’ إلى أن هناك 220 قرية أو تجمعاً سكنياً فلسطينياً من غير شبكة مياه ويتضرر من ذلك نحو 215.2 ألف نسمة أي ما يقارب 10% من إجمالي عدد السكان في الضفة الغربية يتكبدون تكاليف باهظة جراء ذلك بشراء المياه من الصهاريج أو يحصلون على المياه من خلال آبار الجمع أو من الينابيع.[1]
نبذة عن قرية العقبة
تقع قرية العقبة على بعد 6كم شرق مدينة طوباس ضمن حدود محافظة طوباس، حيث تقدر مساحة مسطح البناء لها 40 دونماً وهي تعتبر جزءاً من قرية تياسير، وبلغ عدد سكانها حسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء عام 2007 (104) نسمة، وصودرت من أراضيها مساحة 332 دونماً لصالح معسكرات الاحتلال.
ومنذ إقامة المعسكرات الإسرائيلية أخذت معاناة الأهالي في القرية بالتفاقم, حيث ألحقت التدريبات العسكرية والمناورات الحية وما كانت تتركه من مخلفات إلى إصابة أكثر من 50 مواطن بين شهيد وجريح ومعاق احدهم رئيس المجلس القروي حالياً, مما شكل خطراً حقيقياً على حياة السكان المدنيين فيها وكذلك أدت عمليات الإغلاق المتكررة للقرية إلى تقييد حركة السكان وعرقلة تنقلهم من والى القرية وألحقت أضراراً بالعملية التعليمية لطلاب القرية, عدا عن منع إصدار رخص للبناء في القرية بحجة أن أراضيها منطقة عسكرية مغلقة, حيث أن معظم المنشآت في القرية منذرة بوقف البناء والهدم حتى مسجد القرية لم يسلم من الاخطار بالهدم كذلك روضة الأطفال التي يوجد بها قرابة 120 طفل منذرة بالهدم كذلك المدرسة الأساسية التي يوجد بها 80 طفل مخطرة بالهدم، الأمر الذي جعل حياة السكان فيها أمراً صعباً للغاية, مما اضطر الكثير منهم لمغادرة القرية في نهاية المطاف بسبب سياسة الحصار المفروضة على حق السكن.
ويعتبر وجود المعسكرات على أراضي القرية انتهاكاً واعتداءاً على الملكية الخاصة بالإضافة لما تسببه التدريبات العسكرية من أضرار جسيمة بالثروة الزراعية والحيوانية وبالبيئة الطبيعية فيها.
وفي عام 1999 تقدم أهالي القرية والمجلس القروي بقضية لدى محكمة العدل العليا الإسرائيلية وذلك لإخلاء هذه المعسكرات ونقلها إلى مناطق غير مأهولة بعيداً عن تعريض حياة وممتلكات السكان للخطر، والتي أثمرت عن قرار بإزالة معسكر ‘تسيفع’ من مدخل القرية بتاريخ 12/6/2003 بحيث كان هذا الموضوع الشغل الشاغل للمواطنين والمجلس القروي وكان القرار من أهم الانجازات التي حققها أهالي قرية العقبة وقد تم العمل ليل نهار لإزالة المعسكر الذي كان يسبب الأذى للمواطنين بالأرواح والممتلكات ويحرم المواطنين من تلقي الخدمات الضرورية، إلا أن إزالة هذا المعسكر دفع الاحتلال الإسرائيلي إلى فرض عقوبات على أهالي القرية كرد انتقامي من خلال تضييق الخناق عليهم بالسكن من خلال إنذار معظم منشآت القرية بوقف البناء، كذلك فرض حالة منع التجول بشكل متكرر على القرية والانتهاء بالاعتداء على المواطنين ومصادرة مصادر دخلهم من أراض زراعية.[2]
لمزيد من المعلومات حول الانتهاكات الإسرائيلية لقرية العقبة انظر إلى تقارير مركز أبحاث الأراضي التالية:
[2] المصدر : مجلس قروي العقبة