عقب الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس في العام 1967, قامت السلطات الإسرائيلية بإجراء إحصاء في المدينة المقدسة منحت على أثره المقدسين الفلسطينيين بالإضافة إلي الفلسطينيين اللذين تواجدوا في المدينة عشية الإحصاء الإسرائيلي و الذين بلغ عددهم آنذاك ما يقارب ال69 ألف بطاقة الهوية الزرقاء و الاسرائيلية التي بموجبها يحق لهم الإقامة في القدس, في حين أنها اعتبرت كل مواطن مقدسي لم يتم تواجده في المدينة لحظة إجراء الإحصاء أنه غائب و ينطبق عليه قانون أملاك الغائبين و التي قامت إسرائيل بسنه في العام 1950 و الذي بموجبه يسمح لإسرائيل بمصادرة جميع الممتلكات و إحالتها إلى ‘حارس أملاك الغائبين’[1], كما أن السلطات الإسرائيلية لم تسمح لمن هم في عداد الغائبين بالعودة إلى المدينة المقدسة و بالتالي خسروا جميع ممتلكاتهم. و على أثر ذلك استطاعت اسرائيل السيطرة بل الحد من الوجود الفلسطيني في المدينة المقدسة. بالاضافة الى ذلك, قامت اسرائيل بفصل الجزء الشرقي المحتل من القدس ادارياً عن باقي مناطق الضفة الغربية المحتلة.
لقد قامت مؤخراً دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية بالإعلان عبر موقعها الالكتروني أنها ستقوم بإحصاء السكان في مدينة القدس المحتلة للعام 2008, نهاية العام الحالي بهدف التعرف على ظروفهم المعيشية و الاجتماعية و السكنية بشكل مفصل. فقد قامت طواقم الإحصاء الإسرائيلية التابعة لوزارة الداخلية الإسرائيلية المكلفة بإعداد عملية الإحصاء للسكان بتنفيذ إحصاءات عشوائية استعدادا لاستئناف إحصاء سكاني شامل, فقامت مؤخراً بمداهمة منازل المواطنين المقدسيين ليلاً محدثة حالة إرباك شديد بين المواطنين الذين يشككون أصلاً بأهداف الإحصاء الإسرائيلي, فالمقدسين الذين يقيمون خلف الجدار الفاصل يخشون من وجود نوايا مبيتة من قبل السلطات الإسرائيلية لسحب هوياتهم حيث قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالإعلان مؤخراً عن نيتها عدم القيام بإحصاء المقدسيين حاملي الهوية الزرقاء المعزولين خلف جدار الفصل العنصري هذه السنة و ذلك يأتي امتداداً للإجراءات الإسرائيلية الهادفة لعزل المدينة و التأثير على الوضع الديمغرافي فيها لصالح التوسع الاستيطاني وتفريغ المدينة من سكانها الشرعيين و تهجيرهم. هذا وقد تعرض فلسطينيو القدس عبر عقود الاحتلال للعديد من المضايقات الإسرائيلية من هدم البيوت تحت ذريعة عدم وجود تراخيص إلى تجريف الأراضي مما دفع الكثير منهم إلى السكن خارج حدود المدينة ليجدوا أنفسهم معزولين خلف مسار الجدار الفاصل.
ما يقارب 220 ألف فلسطيني يسكنون 20 تجمع خلف الجدار
في العام 2002 تكشف للعالم الخطة الموضوعية من قبل حكومة إسرائيل بقيادة شارون حينئذ لبناء ما أطلقت عليه إسرائيل اسم السياج الأمني و لكن أضحى ليعرف بما أطلق عليه الفلسطينيون اسم الجدار الفاصل وقد كشف الجيش الإسرائيلي عن خطة مسار الجدار ومن ضمنها مسار الجدار حول مدينة القدس المحتلة والذي عرف باسم ‘غلاف القدس’ والذي يهدف وبشكل خاص ومباشر إلى عزل مدينة القدس المحتلة عن باقي مدن الضفة الغربية وخلق واقع جغرافي جديد ليعتاد عليه الفلسطينيين. هذا ويهدف مخطط غلاف القدس والذي يبلغ طوله-132 كم ويشكل 17% من طول الجدار الكلي الممتد في الضفة الغربية المحتلة ((770 كم) إلى عزل 20 تجمع فلسطيني بشكل كامل أو جزئي خارج مسار الجدار وليس ضمن المنطقة الواقعة ما بين الجدار و الخط الأخضر وهي المنطقة المتوقعة بأن تعلن إسرائيل رسمياً فور الانتهاء من بناء الجدار بأنها حدود جديدة لمدينة القدس وهي أيضاً ضمن حدود دولة إسرائيل, هذا و يبلغ عدد الفلسطينيين ضمن حدود مدينة القدس حالياً 260 ألف فلسطيني فيما يتوقع بأن يتم عزل نصفهم مع الانتهاء من بناء الجدار و يذكر هنا أن معظم المناطق التي تم عزلها خلف الجدار هي ذات كثافة سكانية عالية كمخيم شعفاط, الرام و ضاحية البريد و الشيخ سعد و التي تسعى إسرائيل لحرمانهم من حقهم في العيش, التعلم و حصولهم على التأمين الصحي حيث تزامن إعلان إسرائيل عن نيتها إحصاء السكان مع قيامها بتعزيز محاولاتها لعزل هذه المناطق عن المدينة المقدسة. والجدير ذكره أن السلطات الإسرائيلية قامت أيضاً بحرمان آلاف من الفلسطينيين المقدسين من حقوقهم لمجرد أنهم تزوجوا من فلسطيني الضفة الغربية أو لأنهم سكنوا مناطق تخضع للسيطرة الفلسطينية.
خطة إسرائيلية لتهويد مدينة القدس بحلول العام 2020
تسعى إسرائيل لتنفيذ مخطط استراتيجي يهدف لتهويد المدينة أطلقت عليه اسم ‘خطة 2020’ وذلك لمواجهة خطر الازدياد السكاني الفلسطيني في مدينة القدس لتحقيق أغلبية مطلقة للوجود اليهودي في المدينة و جعلها عاصمة إسرائيل الأبدية والموحدة. تهدف الخطة على تركيز إسرائيل بناء وتطوير العديد من الأحياء السكنية اليهودية في شمال و جنوب المدينة و ذلك على حساب الأراضي الفلسطينية متجاهلة الأحياء الفلسطينية التي ستقوم بفصلها عن بعضها البعض و جعلها مناطق مكتظة سكانيا.
إن الهدف الأساسي لوجود هذه الخطة هو المحافظة على تفوق في الميزان الديمغرافي داخل حدود المدينة المقدسة وأكثر من ذلك ضمن المساحة الواقعة خلف مسار الجدار و التي سيتم على أثره إعادة تعريف حدود المدينة للمرة الثانية على التوالي و بشكل غير قانوني منذ العام 1967 وذلك عن طريق الاحتفاظ بالنسبة الأكبر من اليهود و التي لا تقل عن 70% مقابل 30% من الفلسطينيين حاليا و التي قد تسقط إلى ما نسبته 15%-18% فور الانتهاء من بناء الجدار واستكمال خطة العزل.
[1] قانون أملاك الغائبين: سُن في عام 1950 ويُعرف الغائب بأنه من كان أثناء حرب 1948 يتواجد خارج الأراضي الإسرائيلية، أي في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبناءً عليه أقيمت مؤسسة ‘الوصي على أملاك الغائبين’ ولم تقتصر أملاك الغائبين على الأراضي بل شملت المباني والأوقاف، كما شملت حسابات البنوك والمعدات والآلات الزراعية وكل ما خلفه شعب كامل وراءه.