مقدمة:
ان سياسة بلدية الاحتلال العنصرية في ملاحقتها ضد البناء الفلسطيني في القدس هي سياسة قديمة متجددة، حيث تصر على سياسة الهدم والمخالفات والغرامات والذريعة هي ذاتها … ذريعة عدم الترخيص، وفي حال كان البناء مرخصاً تتذرع بحجة ‘ تجاوز’ الرخصة الممنوحة بزيادة هنا أو هناك من جهات البيت حسب المخطط المقدم للبلدية أو زيادة طابق أو ‘رووف’ مما يجعل البناء في نظر بلدية الاحتلال غير قانوني، وسبق لبلدية الاحتلال ان تعاملت مع هذه الإضافات أو التغييرات ‘ المخالفات’ بفرض غرامات عليها، وأحياناً بتقديم مخطط تعديلي للسابق مع دفع غرامة، وانسجاماً مع سياسة مواجهة البناء الفلسطيني في القدس صعدت البلدية من إجراءاتها وعقوباتها على تلك ‘التجاوزات’ بهدمها أو إجبار أصاحبها على هدمها وفي كثير من حالات هدم البلدية – إزالة –’للتجاوز’ ألحقت أضراراً بالبناء المتبقي وخاصة إذا كان ‘التجاوز’ طابق ثاني أو أكثر، وجرى التعامل مع التجاوز بآليات وليس يدوياً، ولجأت البلدية أحياناً بشرط استيلائها – تسليمها ذلك الطابق أو جزء منه مقابل منحها ترخيصاً للبناء الأمر الذي رفضته المحكمة قانونياً كما وقع في العديد من القضايا منها قضية بناء المواطن وليد أبو تايه. في حزيران 2007 في بيت حنينا.
وقامت بلدية الاحتلال بتصعيد أكثر للتصدي للبناء العربي بشكل فظ بهدم البناء كاملاً مهما كان عدد طوابقه ومهما كان استعماله لسكن العائلة وأبنائها أو السكان أم كان البناء لأغراض أخرى غير السكن، فقد قامت بلدية الاحتلال بهدم عمارة سكنية من أربعة طوابق في بيت حنينا لأبناء المواطن محمد عبد المحسن حسن وعائلاتهم في 30/11/2005، وذات الإصرار لدى بلدية الاحتلال ومحاكمه على هدم البناء الفلسطيني نراه اليوم في بناء المواطن ماجد أبو عيشة السكني المرخص قرب مستشفى الدجاني في بيت حنينا الذي يأوي سبعة عائلات ستة منها قامت بشراء مساكنها، حيث أصرت البلدية على تفجير المبنى على ما فيه من أثاث.
إن الحديث عن هدم البناء حتى وان كان مرخصاً كلياً أو جزئياً لا يعني ذلك إباحة هدم البناء غير المرخص أو ان إزالته شيء مفروغ منه، فليس من المنصف التجاوز’ أو ‘ المخالفات’ أو ‘ البناء غير القانوني’ أو ‘ غير المرخص’ في القدس، دون النظر لسياسة مؤسسات الاحتلال الإسرائيلي وخاصة بلدية القدس تجاه البناء الفلسطيني في القدس. إضافة إلى العقبات والصعاب والقوانين والإجراءات، وإضافة للتكاليف الباهظة وندرة الأرض جراء وضع اليد عليها تحت شتى الذرائع، وغير منصف أيضاً ان نرى البناء الفلسطيني دون ان نرى البناء ‘ اليهودي’ وبين مزدوجين لان المعنى بذلك سياسياً وليس دينياً أينما كان في غرب القدس أم شرقها.
تفجير بناية سكنية يقطنها 60 فرداً في بيت حنينا
فجرت بلدية الاحتلال والجيش الإسرائيلي ‘بالديناميت’ عمارة سكنية يسكنها 60 مواطناً, بواسطة التحكم من طائرة عسكرية إسرائيلية، والعائلات المتضررة هي:
ماجد أبو عيشة وعائلته، مع شقيقته من ذوي الاحتياجات الخاصة.
خليل احمد العلمي وعائلته.
وائل عويضة وعائلته.
أسامة عويضة وعائلته، وابنه إيهاب وعائلته.
جمال قضمازي وعائلته.
رامي زلوم وعائلته.
ففي الساعة الثالثة من فجر يوم الاثنين 28 تموز 2008 قام المئات من أفراد القوات الإسرائيلية المسلحة والمدججة بكل أدوات القتل والقمع, من القوات الخاصة وحرس الحدود والشرطة والمخابرات وخبراء المتفجرات, معززة بوحدات الكلاب البوليسية, بإغلاق طريق القــدس رام الله في منطقة بيت حنينا, ثم سارعت القوات والكلاب البوليسية باقتحام الشقق السكنية السبع بينما كان أصحابها نيام, حيث استيقظ الأطفال والنساء والرجال من نومهم مفزوعين ومرهوبين على صوت تكسير أبواب مساكنهم وغرف نومهم, ليجدوا عشرات من القوات الخاصة المقنعة والمدججة بالسلاح والهراوي والغاز والكلاب البوليسية الشرسة في غرفهم وبين أسرهم. ثم قامت القوات بالاعتداء عليهم بالضرب والصراخ و الدفع بالأرجل و العصي وأعقاب البنادق, لتقودهم بملابس النوم الى خارج غرف نومهم ومساكنهم ولتبعدهم مسافة 50 متراً عن المبنى, وتبقيهم في العراء وفي الظلام على شارع القدس رام الله في حالة من الهلع والرعب, ووسط المئات من أفراد الجيش الإسرائيلي.
وفي الحال شرعت جرافات الاحتلال الإسرائيلي بنهش جدران الطابق الأرضي من العمارة المكونة من خمسة طوابق, و بمسطح 1500 متراً مربعاً. استمرت عملية هدم جدران الطابق الأرضي أكثر من 12 ساعة متواصلة, الأمر الذي لم يكن سهلاً بسبب توسط العمارة مجموعة من العمارات السكنية الكبيرة المأهولة, بينما انهمك خبراء التفجير والتدمير الإسرائيليين في زرع الديناميت والمتفجرات في فجوات أحدثتها حفاراتهم الثقيلة.
صورة 1: جرافة إسرائيلية تنهش جدران الطابق الأرضي من
عمارة المواطن ماجد أبو عيشة في بيت حنينا
ترافق الهجوم الإسرائيلي مع حركة احتجاج شعبية، فقد تجمع المئات من المواطنين المقدسيين والشخصيات الوطنية والدينية في محيط العمارة السكنية احتجاجاً واعتراضاً على قرار بلدية الاحتلال بهدم العمارة وتشتيت العائلات من بيوتها التي تسكنها منذ خمس سنوات. لكن قوات الاحتلال اعتدت بوحشية على الاعتصام السلمي بالعصي وأعقاب البنادق وقنابل الغاز والصوت, الأمر الذي أسفر عن العديد من الإصابات التي نقل بعضها الى المستشفى للعلاج, واعتقل البعض الآخر وعلى رأسهم صاحب البناء المواطن ماجد أبو عيشة الذي مكث في التوقيف من الفجر وحتى الساعة 7:30 مساءاً, أي بعيد تدمير البناء.
صورة 2: قوات الاحتلال تمنع المواطنين من الاقتراب من عمارة أبو عيشة لحماية
الجرافة الإسرائيلية التي تقوم بنهش جدران العمارة تمهيداً لهدمها
و بعد الساعة 5:30 مساءاً, قامت مجموعة من ثمانية أشخاص هم من موظفي البلدية والقوات الخاصة والشرطة ومصور تابع للشرطة بقرع أبواب العمارات المجاورة, و تحذيرهم من البقاء في بيتهم, ان بقائهم سيكون على عاتقهم الشخصي, وطلبوا منهم التوقيع على نموذج معين, ثم قاموا بتصوير مدخل كل بيت. هذا وسبق ان قام سكان العمارات المحيطة بعمارة أبو عيشة (عمارة عابدين, القواسمي, أبو زهرية, كربجيان, و غيرهم..) بالتوجه الى الجهات الرسمية لإبلاغها برفضهم استخدام بيتهم كقواعد ارتكاز لآليات الهدم والتدمير لعمارة أبو عيشة, و التحذير من آثار الهدم والتدمير والأضرار التي ستلحق بالعمارات في المحيط.
في حدود الساعة السادسة, قامت القوات الإسرائيلية بإبعاد المواطنين المعتصمين احتجاجاً على عملية الهدم والتدمير, قبالة عمارة أبو عيشة، وفي تمام الساعة 6:20 ظهرت في سماء المنطقة طائرة مروحية, حلقت عدة مرات حول موقع العمارة السكنية ثم توقفت للحظات جنوب شرق العمارة. وقد تمسمرت عيون المحتشدين على العمارة و تعلقت قلوب الناس بين المروحية والعمارة, وإذ بدوي انفجار يدمر العمارة, أحدثته المروحية العسكرية من خلال جهاز التحكم عن بعد. و تحولت العمارة السكنية التي تأوي سبع عائلات, الى ركام ردم ما في العمارة من ممتلكات وأثاث.
صورة 3: مروحية جيش الاحتلال التي دمرت عمارة أبو عيشة بالتحكم الالكتروني
وعبر احد الحاضرين للانفجار قائلاً: ‘ انفجار هائل أيضاً فجر مشاعر الغضب والسخط لدى جمهور المحتشدين الذين بدأوا بالهتاف والصراخ والدموع والتكبير, ونادوا بسقوط الاحتلال وشتموه بالعنصرية والفاشية…, وبعبارات الحنق على السلام الكاذب ومدعيه. وأضحى البناء حطاماً يشهد على جريمة حرب أخرى تقترفها إسرائيل بحق المواطن والحجر الفلسطيني. لا غرابة في ان الانفجار الذي حول البيوت الى حطام, هو ذاته الذي حول أحلام وآمال المقدسيين في السلام الى حطام اكبر, لان حق الناس في السكن يتعدى المبنى المادي من سقف وجدران. أو خيمة و أوتاد و قماش الى ما هو اكبر وابعد, فهو يشمل علاقة الإنسان بالوطن شعباً وأرضاً- ديمغرافياً وجغرافياً-, بالإضافة الى ان الحق بالسكن الملائم يعني الحق بالحياة بكرامة وامن وآمان, فهو حق أساسي ترتبط به حقوق الإنسان على اختلافاتها: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. إنها الحقوق التي شكل تفجير الاحتلال لعمارة أبو عيشة تفجيراً و تدميراً لها هي الأخرى.’
صورة 4: عمارة أبو عيشة بعد تفجيرها على أثاث العائلات السبع التي تسكنها
العليا تنظر في مدى قانونية المدعي العام الخاص ببلدية القدس:
— هذا ونظرت العليا الإسرائيلية في 13 حزيران 2007 في مدى قانونية قرار المدعي العام الخاص ببلدية القدس والذي يقضي بسحب ملف ترخيص مبنى المواطن ماجد أبو عيشة في بيت حنينا بعد حصوله على ترخيص عام 2002 وموافقة اللجنتين المحلية واللوائية على ترخيص الإضافات أيضاً التي يتذرع المدعي الآن بخصوصها، وتنتهي المهلة المحددة من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية خلال 15 يوماً لهدم المبنى المرخص.
وأفاد المواطن ماجد أبو عيشة لدى قسم مراقبة حقوق الإنسان في مركز أبحاث الأراضي بالقدس في حزيران 2007 ما يلي: ‘ منذ أربعة سنوات وأنا أكلف محامي تلو المحامي وذلك لتثبيت رخصة المبنى التي وافقت اللجنتين المحلية واللوائية على ترخيصه، ودفعت مبلغاً باهظاً ما يقارب نحو أل 250 ألف دولار فقط لأوراق ترخيص، وكلفني المحامين سامي ارشيد، وزياد قهوار، مصيد الحج، وآخرهم المحامي يوسي ارنون محامي في السلطة الوطنية الفلسطينية خلال الأربعة سنوات ما يقارب ألـ 200 ألف دولار، وتكمن المخالفة في عرض المبنى وليس في ارتفاعه فوجهوا لي لائحة اتهام حيث استمرت المحاكمة عاماً كاملاً ثم فاجأني القرار الذي كان استجابة لقرار بلدية القدس بهدم المنزل بالكامل مع العلم أني املك رخصة منذ أربع سنوات وتمكنت مؤخراً من الحصول على موافقة اللجنة المحلية التي سبق وقررت أمر الهدم ووافقت على ترخيص الزيادات وقدمت توجيه إلى اللجنة اللوائية بترخيصها حسب القانون والنظام المتبع من خلال محامي ومهندس على مدار عام ونصف العام، من الإجراءات المعقدة في اللجنة اللوائية حصلت على موافقتها وانتهت المشكلة حسب اعتقادي، إلا ان المدعي العام في بلدية القدس رفض الرخصة واصدر قراراً بسحب ملف الترخيص حتى أواخر حزيران 2007.’
صورة رقم 5: مبنة عائلة أبو عيشة بعد هملية الهدم في شهر تموز |
صورة 5: بيت حنينا – مبنى المواطن ماجد أبو عيشة قبل تفجيره – حزيران 2007 |