أقدمت قوات الاحتلال على هدم عدد من المساكن والكهوف في مناطق جنوب شرق يطا في كل من قرى: الديرات والقويويس ومنيزل، وكانت جرافات الاحتلال قد حضرت إلى المناطق المذكورة صباح يوم الأربعاء 19 آذار 2008، وبحراسة من جنود الاحتلال ونفذت عمليات الهدم.
وجدير بالذكر ان هذه المنطقة الواقعة جنوب شرق يطا هي من أكثر المناطق استهدافاً من الاحتلال الإسرائيلي، حيث أقدم الاحتلال ومنذ مطلع ثمانينات القرن الماضي بمصادرة الأراضي الفلسطينية التابعة للقرى المذكورة أعلاه ولقرى كثيرة غيرها مثل: سوسيا وقنان جابر وماعين والكرمل وأم لصفا، ثم بدأت حركة استيطانية نشيطة في المنطقة، حيث تم إنشاء مستعمرات إسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المصادرة مثل مستعمرة ‘ سوسيا’ و ‘ بيت يائير’ و ‘ ماعون’ و ‘ الكرمل’ و ‘ بني حيفر’، والتي طوقت منطقة يطا من الشرق والجنوب، وبذلك اكتمل الحصار من كافة الجوانب حيث مستعمرة ‘ حاجاي’ من الشمال و ‘ عتنئيل’ من الغرب و ‘ شمعة’ من الجنوب الغربي، ثم جاء شارع ’60’ ليطوق المنطقة من الغرب وشارع (317) ليطوقها من الجنوب والشرق ويتصل الشارعين في شمال المنطقة.
ومن المعروف ان يطا تعتبر ثالث اكبر تجمع ريفي فلسطيني، حيث يبلغ مساحة أراضيها حوالي 330 كم2 وبعد المصادرات وتضييق الخناق عليها لم يتبقى منها سوى نصف مساحتها محاصرة معزولة في سجن حقيقي مدخلها الوحيد يمر عبر مخيم الفوار والذي يقف على مدخله حاجز ثابت ومغلق في معظم الأحيان، ويضطر للمرور عبره حوالي (80,000) نسمة هم أهالي يطا والسموع والقرى والخرب المحيطة بهما.
وتعتبر إجراءات الهدم المذكورة في هذه المقدمة انتهاكات تهدف إلى تفريغ المناطق المحيطة بالمستوطنات الإسرائيلية وبالطرق الاستيطانية من أصحابها وسكانها الفلسطينية تمهيداً لمزيد من التوسع الاستيطاني، وتأكيد على التطهير العرقي الذي تمارسه دوله الاحتلال على الأراضي الفلسطينية في كل مكان، وقرى يطا جزء منها، والتي سنعرضها على ثلاثة قضايا.
قضية هدم رقم ( 1)
الهدم في قرية المنيزل – جنوبي يطا:
قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بهدم منزل المواطن محمد خليل أبو قبيطة ‘ 49’ سنة الواقع في قرية المنيزل من منطقة لسيفر بالقرب من مستوطنة (بيت يتير)، وتبلغ مساحة المسكن (140م2) وكانت سلطات الاحتلال قد أخطرت أبو قبيطة عدة مرات لوقف البناء ، حيث وكّل المحامي علي غزلان للدفاع عن المسكن وتسلم عدة إخطارات لوقف البناء، إلا ان جرافات الاحتلال هدمت المسكن بدعوى عدم الترخيص، علماً أن عائلة أبو قبيطة قد قامت ببناء المنزل على أرضها الخاصة والتي تمتلكها بالوراثة عن الأجداد ولديها سجل طابو بالأرض، وان الأسرة تسكن المنطقة منذ ما قبل احتلال سنة 1967 وطبعاً قبل إنشاء المستعمرة ‘ بيت يتير’ وقبل شق الشارع الاستيطاني (317)، وتقوم مجموعات المستعمرين برفقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعدة مضايقات لمنع عائلة أبو قبيطة من فلاحة وزراعة أرضها البالغ مساحتها حوالي ‘300’ دونماً والمتبقية للعائلة بعد مصادرة أجزاء من أراضيهم اغتصاباً لإنشاء المستعمرة وشق الشارع. ومعظم هذه الأراضي مزروعة بالزيتون.
صورة 1: مسكن المواطن محمود أبو قبيطة بعد ان تحول إلى ركام
مجموعة مضايقات:
حسب ما أفاد به المواطن أبو قبيطة انه تعرض أيضا لعدة مضايقات من مسؤول اسرائيلي في الإدارة المدنية يدعى ‘ حمودة’ وآخر يدعى ‘ زئيف شابيرا’، وإنهم تعرضوا له عدة مرات عن طريق طرده من أرضه الزراعية، ويضيف أبو قبيطة انه تقدم بـ ’22’ شكوى ضد هؤلاء الضباط لدى الشرطة الإسرائيلية.حيث ان مسكنه يقع على مقربة من الحاجز العسكري الإسرائيلي المقام على مدخل مستعمرة ‘ بيت يتير’ وعند توجهه إلى بلدة يطا عبر هذا الحاجز فان جنود الاحتلال المتمركزة على هذا الحاجز نادراً ما تسمح له بالمرور.
تاريخ حافل بالانتهاكات:
منذ سنة 1982 ومضايقات مستعمري ‘ بيت يتير’ مستمرة على المواطن أبو قبيطة وأقرباءه، حيث قاموا بالاستيلاء على حوالي عشرة دونمات من أرضه، وأخذ المستعمرون يضايقونه وأقرباءه من اجل إجبارهم على ترك أراضيهم، فمرات يقومون بدهس أغنام الرعاة هناك أو إجبارهم على الخروج من أراضيهم. كما قاموا بإضافة حوالي عشرة وحدات سكنية استيطانية على أرض أبو قبيطة.
هذا وفي سنة 1998 كسب المواطن أبو قبيطة قضية إخلاء المستعمرين من أرضه بقرار من المحكمة العليا الإسرائيلية الذي يقضي بملكية أبو قبيطة للأرض، وإجبار المستعمرين على إزالة البيوت المقامة على أرضه، إلا ان القرار لم ينفذ حتى الآن. وفي سنة 2002 قامت جرافات الاحتلال الإسرائيلي بهدم بركس زراعي تبلغ مساحته 125م2، يأوي أغنام أبو قبيطة.
ولم يكتفي المستعمرون والاحتلال الإسرائيلي بهذه الانتهاكات فحسب، بل قاموا في أحد الليالي المظلمة من عام 2006 بهدم مسكن لعائلة أبو قبيطة، وقاموا بتدمير بئر مياه الشرب، وبلغت تكاليف بناء المسكن ‘ المدمر’ نحو 30 ألف دولار.
وتتوالى الأيام، وتكبر المستوطنة، بيوتاً حديثة، وشوارع وملاعب على الطراز الحديث، ومحمود وإخوانه الثلاثة وعمهم يسكنون بيوتاً من الطوب مسقوفة بألواح الصفيح التي يصفها محمود ‘ بأنها لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، وان مياه الأمطار تكاد تغرقهم وأثاثهم المتواضع، وممنوع عليهم بناء بيت حديث’ ومن باب الخطة الإستراتيجية للفصل بين بيوت المستوطنة وأرض محمود، عمد إلى ان تكون بيوتهم الأربعة على خط واحد ومتباعدة عن بعضها عشرات الأمتار لتكون حاجزاً يمنع تمدد بيوت المستوطنة إلى أراضيهم.
صورة 2: دمار مسكن المواطن محمود خليل أبو قبيطة بينما أعلى مسكنه مستعمرة ‘بيت يتير’ تتوسع
ونظراً للحاجة الماسة للبناء، ولحق العائلة في العيش في سكن ملائم يأمن الحياة الكريمة لها، قام المواطن أبو قبيطة ببناء المسكن مجدداً في عام 2007، إلا ان قوات الاحتلال الإسرائيلي لم يهدأ لها البال إلا بعد ان حولت المسكن إلى ركام في 19 آذار 2008. وبعد ان جعلت وضع العائلة مأساوياً.
بعد إقامة الجدار:
بقي أبو قبيطة وأقاربه في أراضيهم، وجاء جدار الفصل العنصري ليضم المستوطنة في طريقه وكذلك ضم بيوت أبو قبيطة الأربعة، وفصلهم عن بلدهم الأصلي يطا، إلا عبر بوابة في الجدار التي يتواجد عليها حاجز عسكري على مدار الساعة، ويصف لنا محمود كيفية خروجه من بيته بجوار المستوطنة إلى بطا قائلاً: ‘بيوت المستوطنة تحاصرنا من جهات ثلاث، وتبعد بيوت المستوطنين عن بيتي قرابة عشرة أمتار، وعندما أحاول الذهاب إلى يطا عبر الحاجز كثيراً ما يمنعني الجنود، فالجأ إلى طرق بديلة عبر الجبال والوديان الوعرة، وأحياناً أقطع الطريق مشياً على الأقدام، فتستغرق المسافة قرابة ساعتين في حين لا تتعدى الدقائق عبر الحاجز’.
مدرسة إسماعيل:
أما إسماعيل نجل محمود وابن الصف العاشر الأساسي، فقد حدثنا عن كيفية وصوله إلى مدرسته في يطا انطلاقاً من بيته بجوار المستوطنة وخلف الجدار فيقول: (( في حوالي الساعة السادسة صباحاً نغادر بيوتنا أنا وإخواني وأبناء أعمامي متوجهين إلى بوابة الجدار على أمل السماح لنا بالعبور، وعن بعد، يطلب منا الجنود الوقوف ورفع أيدينا ثم نتقدم إليهم ليفتشوا حقائبنا، وكثيراً ما يمنعوننا من الوصول إلى المدرسة، وإذا سمحوا لنا بالعبور يفتشوننا أيضاً عند عودتنا، وهذه المضايقات دفعت أخواتي وبنات أعمامي إلى ترك المدرسة)).