قرار محكمة العدل الدولية ‘محكمة لاهاي’:-
في التاسع من تموز 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية ما يطلق عليه، ‘رأيا استشارياً’ حول شرعية الجدار الفاصل الذي تقوم إسرائيل بإقامته في الأراضي الفلسطينية المحتلة, تلبية لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثالث عشر من كانون الأول للعام 2003.
تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل قد رفضت التعاون مع هذا الإجراء بدعوى عدم وجود صلاحية للمحكمة للبحث في هذه القضية. وفي الوثيقة التي قدمتها إسرائيل، بررت هذا الإدعاء بكون الحديث يدور حول قضية سياسية وليست قانونية، وأن الإطار المناسب لبحث هذه القضية هو إطار العلاقات الثنائية ما بينها وبين الفلسطينيين. وقد ردت المحكمة بأغلبية الأصوات الإدعاء الإسرائيلي حول صلاحيتها و أكدت على شرعية و قانونية الأحكام الصادرة عنها.
إن الرأي الاستشاري الذي أصدرته المحكمة الدولية تعاطى مع قضية الجدار الإسرائيلي ضمن ثلاثة محاور تمثلت في أولها بمدى شرعية قيام إسرائيل بتشييد هذا الجدار بحيث أكدت المحكمة في قرارها و بكل وضوح عدم شرعية وقانونية بناء الجدار في الأراضي الفلسطينية, استنادا إلى القانون الإنساني كما ردت محكمة العدل الدولية ادعاء إسرائيل بأن وثيقة جنيف الرابعة لا تسري على المناطق الفلسطينية، إذ لم تكن الضفة الغربية وقطاع في أي وقت سابق جزءاً من دولة ذات سيادة, وفي هذا السياق حددت المحكمة أنه نظراً لكون المناطق الفلسطينية سقطت في أيدي إسرائيل نتيجة لحرب العام 1967 مع دولتين موقعتين على الوثيقة، فإنه يتوجب أن تتفق سيطرة إسرائيل على المناطق الفلسطينية مع وثيقة جنيف.
أما المحور الثاني الذي تناوله قرار المحكمة فهو تبعات وآثار الجدار الفاصل على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، فقد أشارت المحكمة إلى وجود مخاوف كبيرة من أن يؤدي مسار الجدار الفاصل إلى أيجاد ‘حقائق على الأرض’ تؤدي إلى الضم الفعلي للمساحات والأراضي التي استولت عليها وعزلتها إسرائيل لإقامة الجدار مما يؤدي إلى التأثير على الحدود المستقبلية ما بين إسرائيل والدولة الفلسطينية في المستقبل. وترى محكمة العدل الدولية أن الضم الفعلي لأجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل يشكل خرقاً لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. أما المحور الثالث و الأخير والذي تناولته المحكمة في حيثيات رأيها الاستشاري فهو مدى قانونية الجدار الفاصل على ضوء القانون الدولي لحقوق الإنسان. وفي هذا السياق فقد حددت المحكمة بصورة جازمة، بخلاف الادعاءات الإسرائيلية ، أن هذا القانون يسري بأكمله على الأراضي المحتلة. وترى محكمة العدل الدولية أن الجدار الفاصل يمس مختلف الحقوق المذكورة في الاتفاقيات والمواثيق التي وقعت إسرائيل عليها: الحق في حرية الحركة، الحق في التنقل و في العيش حياة كريمة، والمقننة في البنود 12 و- 17 من الميثاق الدولي بخصوص الحقوق المدنية والسياسية، الحق في العمل، الحق في مستوى حياة لائق، الحق في الصحة والتعليم، وهي مقننة في البنود 6، 11، 12 و- 13 من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والحضارية.
وفي نهاية رأيها الاستشاري لخصت المحكمة الدولية رأيها الاستشاري بأنه يتوجب على إسرائيل التوقف الفوري عن بناء الجدار الفاصل في الأراضي الفلسطينية، وتفكيك أجزاء الجدار الفاصل التي تمت إقامتها في الضفة الغربية و إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل البناء، وإلغاء الأوامر التي تم إصدارها بخصوص إقامته وتعويض الفلسطينيين الذين تضرروا جراء ذلك. كذلك ناشدت محكمة العدل الدولية المجتمع الدولي بالامتناع عن تقديم المساعدة إلى إسرائيل طالما استمرار الوضع غير القانوني الذي نشأ في أعقاب إقامة الجدار الفاصل، واتخاذ الوسائل القانونية من أجل إيقاف الخروقات الإسرائيلية وضمان تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة.
لدواعي أمنية أم سياسية- توسعية؟؟؟
إن قرار التقسيم الذي صدر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 29-11-1947 وبالرغم من عدم حصوله على الإجماع الدولي, قد عرف حدود دولة إسرائيل بحيث أعطي اليهود ما يزيد على 55% من أراضي فلسطين التاريخية بالرغم من كونهم أقلية كانت تمتلك 7% فقط من الأراضي الفلسطينية. و بعد اقل من عام واحد اندلعت حرب عام 1948 بين العرب و اليهود في فلسطين و استمرت هذه الحرب عدة شهور حتى العام 1949 حيث تم توسيع خط الهدنة في حينها و الذي مكن بدوره اسرائيل من 78% من اراضي فلسطين بخلاف ال 55% و التي اقرتها خطة التقسيم.
و لم تتوقف الأطماع اليهودية إلى هذا الحد , بل قامت إسرائيل بعدوانها في العام 1967 بالانقضاض على ما تبقى من فلسطين التاريخية بحيث احتلت الضفة الغربية و قطاع غزة وجزء من شبه جزيرة سيناء و اعتدت على دول عربية مجاورة حيث كان دافعها هو توسيع رقعة وجودها وحدودها إلى اقسي حد ممكن و هذا ما نجحت بالقيام به آنذاك.
هذا و لم تكتفي إسرائيل بذالك فحسب فالتاريخ يعيد نفسه, ودولة إسرائيل تسعى و تخطط على قدم و ساق للسيطرة على ما تبقى من الأرض الفلسطينية ولكن هذه المرة عن طريق بناء جدار الفصل العنصري و بحجة حماية امن دولة إسرائيل, و إن كان على حساب الفلسطينيين ,وهي مستمرة إلى الآن في الانقضاض على الأراضي الفلسطينية و اتخاذ مساحات شاسعة منها حرما آمنا يمنع على الفلسطينيين الوصول إليه بما في ذلك القدس الشرقية و التي أعلنها الفلسطينيين عاصمة لدولتهم الفلسطينية في المستقبل.
المعازل والكانتونات
إن الجدار الفاصل الذي تقوم إسرائيل ببنائه في الأراضي الفلسطينية هو تجسيد حقيقي لعقيدة الفصل و العزل المتغلغلة في السياسات الإسرائيلية للحكومات المتعاقبة, و الجدار الفاصل ليس إلا البداية, وهنالك العديد من الأمثلة التي توضح على الأرض هذه السياسة الإسرائيلية.
ففي الأول من شباط من العام الجاري, صادق رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود اولمرت على خطة جديدة لتعديل مسار الجدار الفاصل شمالي تجمع مستوطنات ‘مودعين عيليت’ و المقامة غربي محافظة رام الله. هذا و قد جاء قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد ضغوط شديدة تعرض لها من قادة المستوطنين لتغيير مسار لجدار الفاصل ليلتف حول مستوطنتي ‘نيلي’ و’ نعله’ الإسرائيليتين و يضمهما وراء الجدار, الأمر الذي أدى إلى زيادة في طول مقطع الجدار بحوالي 12 كم في عمق الأراضي الفلسطينية بالإضافة إلى عزل مساحة إضافية جديدة بلغت 4140 دونما .
نتيجة للقرار الإسرائيلي تم عزل سبع قرى فلسطينية ومحاصرتها بالجدار من جميع الجهات بحيث أصبحت هذه القرى في معزل حقيقي. والجدير بالذكر أن هذه القرى يصل عدد سكانها الفلسطينيين إلى ما يقارب ال 22.000 مواطن, وهذه القرى هي(اللبن الغربي- رنتيس- شقبة – قبية -بدرس- نعلين- المدية). انظر الخريطة رقم 2 ادناه:
الوضع القانوني و الدولي للجدار
إن الأساسات التي ادعتها إسرائيل الإصدار القرار لبناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية المحتلة هي الدوافع الأمنية وحماية سكان دولة إسرائيل من المقاومة الفلسطينية و في الواقع إن الأمر يتعلق بسياسة إسرائيل في الأراضي المحتلة وهي فرض الأمر الواقع حيث انتهجت هذه السياسة مع بداية برنامج الاستيطان عقب احتلالها في العام 1967 و قد أصبحت المستوطنات الإسرائيلية امرأ واقعا بناء عليه سيتم رسم حدود دولة إسرائيل حيث كانت هذه المستوطنات غير الشرعية سببا رئيسيا في رسم مسار الجدار كما هو عليه اليوم. أما الجدار الذي تم إقراره أيضا لدواعي أمنية فقد ضم بالإضافة إلى المستوطنات الإسرائيلية مناطق شاسعة من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية ناهيك عن مصادر طبيعية أخرى أهمها الأحواض المائية.
هذا ويمكن إدراج ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ضمن سياسة العقاب الجماعي وهي سياسة انتهجتها إسرائيل عقب احتلالها للضفة الغربية و قطاع غزة وهي مخالفة للبند 47 من اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 و التي تعتبر أن أية تغييرات تقوم بها قوات الاحتلال على الأرض هي تغييرات مخالفة للقانون الدولي و خلاف ذلك يستوجب تبريره بالدواعي الأمنية الملحة و أن تكون الإجراءات المتخذة بشكل مؤقت.
إضافة إلى ذلك, فان إقامة الجدار الفاصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة يخالف الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية إسرائيل في 28 أيلول/ سبتمبر 1995 والتي تنص على منع أي من الأطراف من اتخاذ أي خطوة تغير من وضع الضفة الغربية وقطاع غزة حتى محادثات الوضع النهائي, واعتبار الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة جغرافية واحدة يحافظ على سيادتها خلال الفترة الانتقالية.
و يعتبر جدار الفصل العنصري الإسرائيلي وصمة عار في جبين دولة إسرائيل التي تتغنى بديمقراطيتها, ووصمة عار في جبين الشرعية و القوانين و الأعراف الدولية و الإنسانية و التي نسف الجدار بتشييده كافة أركانها ليكرس على الأرض واقعا أليما يتمثل في فصل المدن والقرى الفلسطينية عن بعضها البعض وإبعاد المزارع الفلسطيني عن أرضه و المواطن عن بيته و أقربائه وجامعته و مدرسته وحرمانه من أدنى حقوقه و المتمثلة في حرية الحركة و التنقل و التعليم والعبادة و العمل وليحول حياته إلى معاناة يومية لا تنتهي و مدينته و قريته إلى سجن كبير مفتاحه في يد السجان الإسرائيلي و الذي لا يترك فرصة إلا وينتهزها لإذلاله على معابره و بواباته وحواجزه.
و أخيرا يتضح لنا بما لا يترك مجالا للشك بان الجدار الفاصل الإسرائيلي لا يعدو كونه بدعة إسرائيلية جديدة لنهب عشرات الآلاف من الدونمات من أراضي الفلسطينيين لصالح المستوطنات والمخططات الاحتلالية الإسرائيلية التوسعية ولرسم حدود الدولة اليهودية عن طريق سياسة فرض الأمر الواقع على الأرض و الذي يتمثل بتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية إلى جيتوهات وجزر وكانتونات وللانقضاض على الحلم الفلسطيني المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة,ذات السيادة, القابلة للبقاء وعاصمتها القدس, ولإيصال رسالة إلى الفلسطينيين مفادها أن إسرائيل هي صاحبة الحق والأرض و السيادة ويتوجب على الفلسطينيين القبول بما تفرضه عليهم إسرائيل وما ستمنحهم إياه مقابل السلام , السلام الذي ترتئيه وتنادي به إسرائيل, و الذي يصبح فيه الجاني هو الضحية, و الظالم هو المظلوم, و هو السلام الذي يجبر الفلسطينيين بقبول الواقع الحالي على الأرض وبمستقبلهم و حدود دولتهم الذي سيحدده الاحتلال لهم وذلك بدون أي تنازل إسرائيلي يذكر.
وفقا للقانون الدولي و الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية, سيبقى الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية’ احتلالا إسرائيليا غير شرعيا’ و الجدار العنصري- التوسعي الذي إقامته إسرائيل على طول الأراضي الفلسطينية فصلا مظلما من تاريخ هذا الاحتلال للأرض الفلسطينية.