أقدمت سلطات الاحتلال في النصف الأخير من شهر أب الماضي بتنفيذ سلسلة من أعمال الهدم والتدمير في مناطق مختلفة من الأغوار الشمالية. وقد شملت أعمال الهدم تلك بركة لتجميع مياه الأمطار بسعة 200 كوب تعود ملكيتها للسيد مؤيد عبد الرؤوف صوافطه، 74، عاما من قرية بردلة شمال شرق محافظة طوباس وذلك بعد ان أنذرته في شهر نيسان من العام الماضي بقرارها بهدم البركة بحجة انها مخالفة للقوانين الإسرائيلية ولا تحمل أية تراخيص من قبل الاحتلال، بالإضافة إلى أنها تقع في المنطقة المصنفة C.
كما هدمت سلطات الاحتلال بركة لتجميع المياه تقع في الأراضي الزراعية التابعة لقرية فروش بيت دجن جنوب شرق محافظة طوباس، تعود ملكيتها للسيد عدنان نوفل الزبيدات، 59 عاما، بسعة 140 كوبا وذلك بحجة عدم الترخيص ووقوع البركة في المنطقة المصنفة (C).
تطهير عرقي
من جهة أخرى، أقدمت سلطات الاحتلال في إطار سياسة التطهير العرقي التي تتبعها في مناطق الأغوار منذ عقد التسعينيات الماضي على تدمير عدد كبير من بيوت الشعر والبراكيات في خربتي حمصه والحديدية والعقبة شرق محافظة طوباس حيث داهمت الآليات العسكرية التابعة للاحتلال صباح الأربعاء الموافق 22/8 الماضي موقع حمصه في الأغوار الشمالية وباشرت بهدم منازل وحظائر المواطنين عبد الله حسين بشارات، 31عاما، وعبد الله حافظ بشارات، 22 عاما، دون أن تترك لهم مجالا لإخلائها.
( صورة رقم 1 , 2: العقبة – طوباس: حطام براكيات ومساكن الفلسطينيين المدمرة بأيدي جنود الاحتلال الإسرائيلي خلال هذا الصيف)
كما وصادرت قوات الاحتلال صهريجا لحفظ المياه وتراكتورا زراعيا يعودان للمواطن حسين بشارات من خربة الحديدية وذلك لإجبارهم على ترك المنطقة والرحيل عنها حيث اخبروا صاحبه انه لن يستلم الجرار حتى يرحل سكان الحديدية من موقعهم.
من جهة اخرى، تحتجز سلطات الاحتلال في ميناء اشدود منذ شهر ايار الماضي صهريجا لنقل المياه سعة 12 كوب تبرعت به الوكالة اليابانية للتنمية لاستخدامه في نقل المياه لسكان قرية العقبة للحد من مشكلة المياه في القرية. ولكن ترفض سلطات الاحتلال الإفراج عن الصهريج كنوع من الضغط على السكان لإجبارهم على الرحيل من المكان الذي لا يتوفر فيه أي مصدر محلي للمياه. كما وتفرض سلطات الاحتلال غرامة وقوف يومية ( استخدام أرضية ميناء) مقابل احتجاز الصهريج وتطالب المجلس المحلي وأهالي العقبة دفع هذه الغرامة بالرغم من عدم تسلمهم الصهريج والاستفادة منه.
وفي مقابلة مع الباحث الميداني للمركز يشير السيد سامي صادق، 59 عاما، رئيس المجلس المحلي في قرية العقبة إلى أن منع عملية وصول صهريج المياه مربوط بالإجراءات الانتقامية التي تنفذها سلطات الاحتلال بحق أهالي القرية، حيث اشار إلى انه في عام 1998 أقدم المجلس القروي في العقبة على رفع دعوى قضائية ضد ممارسات جيش الاحتلال غير الإنسانية في معسكر تسيفا على المدخل الرئيس للقرية. وقد ردت المحكمة العليا الاسرائيلية على الدعوة في عام 2002م بضرورة فك المعسكر ونقله إلى مكان أخر. بالفعل تم تفكيك المعسكر في 12/11/2003 ولكن كرد انتقامي موجه ضد أهالي القرية أنذرت سلطات الاحتلال في بداية عام 2004 أصحاب نحو 13 منشاة ومنزل في القرية بالهدم بحجة عدم الترخيص. وبعد ذلك توالت التحرش بأهالي القرية وإصدار الإنذارات إلى أن وصلت اليوم إلى 28 إنذارا طالت حتى مسجد القرية. انظر صورة رقم 3
كما أن سلطات الاحتلال لم تتوان في بث الرعب والخوف في نفوس أطفال وشيوخ وأهالي قرية العقبة وذلك عن طريق إجراء المناورات العسكرية أحيانا بين بيوت القرية، والتخفي بين الأشجار وإطلاق الرصاص بشكل عشوائي ومطاردة رعاة الماشية واقتحام القرية في ساعات متأخرة من الليل وإطلاق قنابل الصوت.
مسلسل مستمر من عمليات الطرد والإحلال
تأتي عملية هدم المنشات في الأغوار الشمالية في إطار سياسة عامة تنتهجها سلطات الاحتلال في الأغوار عموما وسهل البقيعة خصوصا لطرد السكان الفلسطينيين الأصليين وإحلال المستعمرين مكانهم، حيث عمدت سلطات الاحتلال إلى ملاحقة التجمعات البدوية في هذه المنطقة وهدمت بيوت ساكنيها وصادرت ممتلكاتهم للمرة الرابعة على التوالي، إلا أن السكان كانوا يعيدون بناء منازلهم في كل مرة، مؤكدين على رفضهم لقرار الترحيل من مساكنهم التي وجدوا فيها منذ مئات السنين.
ففي عام 1995 داهمت سلطات الاحتلال موقع الرواق في سهل البقيعة، وباشرت بهدم المنازل وحظائر الأغنام ومن ثم قامت بمصادرة المعدات، من المشارب والألواح الحديدية ( الزينكو) وذلك لإجبار السكان على الرحيل إلا أن الأهالي أعادوا نصب خيامهم من جديد في موقع ‘عراق الاصبح’ على بعد عدة كيلو مترات من نفس المنطقة مؤكدين على تمسكهم بأرضهم.
(خارطة 1: مواقع القرى الفلسطينية المهددة بالترحيل في الأغوار الشمالية بالإضافة الى المستعمرات الإسرائيلية المنتشرة في المنطقة)
وفي عام 1997 قامت سلطات الاحتلال بتدمير منازلهم وحظائر الأغنام إلا أنهم أعادوا بناءها في موقع الحديدية لتعود سلطات الاحتلال وتنفذ الهدم ثلاث مرات في هذا العام ولكن بعد كل مرة كان السكان يعودون الى مضاربهم المهدمة ولا زالوا صامدين هناك بالرغم من كل أعمال الترهيب والتخويف والعقاب ألاحتلالي الممنهج.
‘ والله لو بنقعد تحت الحجر ما بنطلع من أرضنا وكل مرة بيهدموا بنرجع نعمر من جديد ‘، هذا ما أكده صلاح عبد الله حسين بشارات من سكان المنطقة تعقيبا على عملية الهدم في مقابلة مع الباحث الميداني للمركز.
إضافة إلى هدم المنازل فان سلطات الاحتلال لا تتوان عن التنكيل اليومي بالسكان من خلال ملاحقتهم ومداهمة مضاربهم، بالإضافة إلى ملاحقة الرعاة ومصادرة مواشيهم وإطلاق النار عليهم واعتقال الرعاة واحتجازهم والتنكيل بهم. كما وتقوم بفرض غرامات مالية باهظة على الرعاة ومواشيهم تحت حجج وذرائع واهية، ناهيك عن قيامها بإغلاق المراعي أمامهم، وحرمانهم من التزود بمياه الشرب أو
المياه التي يحتاجونها لسقاية مواشيهم.
أن ما تقوم به سلطات الاحتلال في الحديدية يعتبر خطوة على طريق مشروع التطهير العرقي الذي تهدف تنفيذه بحق جميع التجمعات البدوية المنتشرة على طول الضفة الغربية، حيث تنوي سلطات الاحتلال طردهم من مواقعهم وتجميعهم في القرى والبلدات الأقرب عليهم وذلك لضمان السيطرة على كل شبر من المساحات الرعوية والجبلية في المنطقة الممتدة على طول السفوح الشرقية للضفة وتحويلها لصالح المستعمرين والمشاريع الاحتفالية.
السياسة المائية التي يتبعها الاحتلال في الأغوار
عمدت سلطات الاحتلال منذ احتلالها للضفة الغربية عام 1967 إلى احتكار الحق بالتنقيب عن المياه الجوفية وحفر أبار الجمع في مناطق الأغوار وشرق محافظة طوباس وذلك لصالح شركة ميكروت الإسرائيلية التي باشرت بحفر أبار ارتوازية على أعماق كبيرة مما ساهم في جفاف الآبار الفلسطينية وارتفاع نسبة ملوحتها حيث أصبح الإنسان الفلسطيني يعاني قلة وشح المياه مما دفعه إلى الاعتماد الكبير لسد حاجاته من المياه عن طريق شراء الماء من شركة ميكروت الإسرائيلية.
يذكر أن سلطات الاحتلال حولت المنطقة المحيطة بنهر الأردن إلى منطقة عسكرية مغلقة بعرض يتراوح 1-5كم، مما ساهم بتدمير الأراضي الزراعية في المنطقة، حيث حرمت إسرائيل الفلسطينيين من حصتهم في المياه والمقدرة بنحو 250 مليون متر مكعب سنويا في حين تحول تلك المياه لأعمار المستعمرات في طوباس و الأغوار.
تقوم سلطات الاحتلال، على وجه الخصوص، بحفر أبار ارتوازية على البؤر المائية الفلسطينية في قرى بردلة وعين البيضا شمال محافظة طوباس مما ساهم في تدمير الآلاف من الدونمات الزراعية في بردلة وكردلة وعين البيضا وسهل البقيعة في المحافظة، حيث حفرت شركة ميكروت الإسرائيلية بئران ( بردلة1، بردلة2) داخل حدود قرية بردلة تضخان 1500 كوب/ ساعة مما أدى ذلك إلى جفاف 12 بئرا و22 نبعا سطحيا كانت تزود الفلسطينيين بحوالي 6 مليون متر مكعب سنويا وبالتالي أصبح اعتماد الفلسطينيين في المنطقة على الشراء من شركة ميكروت الإسرائيلية.
بالإضافة إلى ما تقدم يوجد هناك في محافظة طوباس نحو 14 بئرا ارتوازيا مهدد بالجفاف بفعل ممارسات الاحتلال حسب إحصائيات دائرة المفاوضات.