تعاني محافظة بيت لحم في الوقت الحالي من أزمة مياه حقيقية وخانقة، حيث ما زالت مشكلة العجز في تزويد مياه الشرب مستمرة الأمر الذي أدى ويؤدي إلى انقطاع المياه عن بعض المناطق والتجمعات السكانية في المحافظة لفترات طويلة، وغالبا يعود سبب هذا الانقطاع إلى محدودية مصادر مياه الشرب في المحافظة بالإضافة إلى تعطل بعض محطات الضخ عن العمل بسبب عدم توفر الأموال اللازمة لتغطية نفقات التشغيل والصيانة. ولا تقتصر أزمة المياه في محافظة بيت لحم على الأسباب التي ذكرت سابقاً حيث تعمل إسرائيل على حرمان المحافظة من المياه من خلال سيطرتها وتحكمها بكمية المياه التي يتم تزويدها للمحافظة الأمر الذي يزيد من المعاناة.
تعتبر المياه الجوفية والمياه السطحية من أهم المصادر المائية المتجددة في محافظة بيت لحم. يقدر معدل كميات الأمطار التي تهطل في موسم الشتاء على محافظة بيت لحم بحوالي200-650 ملم وتغذي هذه الأمطار الأحواض الجوفية في الحوض المائي الشرقي والغربي، في حين تقدر كمية المياه التي يتم جمعها من أسطح المنازل في المحافظة بحوالي 1.16 مليون متر مكعب سنويا. ومن الجدير ذكره أن محافظة بيت لحم تعتبر من أغنى المناطق بالمياه الجوفية في الضفة الغربية حيث تمتد أجزاء كل من الحوض الشرقي والغربي للخزانات المائية الجوفية ضمن حدود المحافظة (خارطة رقم 1)
خريطة رقم 1: مصادر المياه في محافظة بيت لحم
تعتبر مصلحة المياه والمجاري في محافظة بيت لحم الجسم الرئيسي الذي يقوم بإدارة قطاع المياه في المحافظة، إذ تقوم بتوزيع المياه الى حوالي مائة وعشرون الف نسمة من مجموع سكان المحافظة البالغ عددهم مائة وثمانون الف نسمة، وتشمل هذه المناطق البلديات الرئيسية (بلدية بيت لحم، وبيت جالا، وبيت ساحور، والدوحة والخضر) والمخيمات الرئيسية (مخيم الدهيشة، مخيم عايدة، ومخيم العزه) بالاضافة الى عشرة مجالس قروية، أما المناطق الأخرى من المحافظة فتعتمد على المصادر المشتراة من شركة المياه الإسرائيلية (ميكوروت) والتي يتم تزويدها للتجمعات الفلسطينية من خلال دائرة مياه الضفة الغربية. شكل 1 يوضح مصادر تزويد المياه في محافظة بيت لحم.
ومن الملاحظ أن محافظة بيت لحم لا تعتمد بشكل كلي على مصادر المياه الذاتية (آبار جوفية وينابيع ) في تزويد المحافظة بالكميات المطلوبة من مياه الشرب وهذا يعود إلى عدم كفاية كميات المياه المنتجة من الآبار الجوفية بالإضافة إلى عدم وجود مصادر أخرى للتزويد، لذلك تلجأ مصلحة المياه والمجاري في المحافظة إلى شراء كميات إضافية من المياه من شركة المياه الإسرائيلية (ميكوروت) لسد العجز في كمية المياه التي تزودها السلطة لمشتركيها. حيث تشكل المياه المشتراة من شركة المياه الإسرائيلية (ميكوروت) ما يزيد عن (60%) من مجموع المياه المزودة لمحافظة بيت لحم.
وبحسب تقارير مصلحة المياه والمجاري في محافظة بيت لحم فان المحافظة تحتاج الى 30 الف متر مكعب من المياه في اليوم للاستهلاك المنزلي فقط ، في حين يتم تزويد المحافظة بما يقل عن نصف هذه الكمية والتي تتراوح بين 12000-14000 متر مكعب في اليوم. وبالتالي تعاني معظم التجمعات السكانية في المحافظة من نقص كبير في كميات المياه المزودة وخاصة تلك التجمعات التي تعتمد بشكل أساسي على مصادر المياه المشتراة من شركة المياه الإسرائيلية (ميكوروت)، حيث تقوم الأخيرة بتقليل كميات المياه المزودة للمناطق. بالإضافة إلى ذلك تعاني معظم المناطق التي يزيد ارتفاعها عن 800 متر فوق سطح البحر في المحافظة من نقص حاد في وصول المياه خاصة في فصل الصيف حين يزداد الطلب على استهلاك المياه الأمر الذي يعمل على تقليل الضغط في الشبكة ويسبب الأزمة كما هو الحال في منطقة رأس بيت جالا والدوحة والولجة. وتزداد مشكلة النقص في مياه الشرب تعقيدا في المحافظة بسبب عدم توفر مصدر بديل لبعض محطات الضخ التي تعطلت وتوقفت عن العمل. ومن الجدير بالذكر انه وبالرغم من عملية تطوير وتأهيل معظم شبكات المياه في المحافظة وبناء خزانات جديدة إلى أن نسبة الفاقد مازالت تصل في معدلها إلى 40% و يعود ذلك إلى عدة أسباب أهمها الممارسات اللامسؤولة من قبل بعض الإفراد والمتمثلة بالوصلات غير الشرعية وسرقة المياه وإتلاف العدادات.
وقد ارجع مدير مصلحة المياه في بيت لحم أزمة المياه التي تعاني منها محافظة بيت لحم الى نقص كمية المياه التي تضخ الى المحافظة من المصادر الرئيسية للمياه في المحافظة وهي الآبار التي تسيطر عليها شركة ميكوروت الإسرائيلية، حيث تقوم ميكوروت بالتحكم في عملية توزيع المياه من هذه الآبار بالإضافة إلى آبار سلطة المياه الفلسطينية. وأنه يمكن حل أزمة المياه التي تمر بها المحافظة من خلال زيادة كمية المياه التي يتم تزويدها للمحافظة من قبل سلطة المياه، وإصلاح الآبار المعطلة كبئر بيت فجار. وكان مدير المصلحة قد أكد أن الإسرائيليين الذين يتحكمون بضخ المياه الى الآبار الفلسطينية يتعمدون إيصال المياه الى المستوطنات المقامة على أراضي محافظتي بيت لحم والخليل على حساب المواطنين الفلسطينيين.
في حين أكد رئيس سلطة المياه الفلسطينية أن المشكلة الحقيقية ليست في نقص مصادر المياه وإنما في إدارة تنظيم وتوزيع تلك الكميات، وطالب إدارة مصلحة المياه والمجاري في منطقة بيت لحم، بتوفير فرق فنية ورقابية للإشراف على نظام التوزيع بشكل فاعل وصحيح.
وأكد رئيس السلطة أن إجمالي الديون المتراكمة على البلديات ومصالح المياه تجاوزت 420 مليون شيكل، منها 59.5 مليون شيكل على مصلحة المياه والمجاري لمنطقة بيت لحم وهذا أدى إلى عدم توفر الأموال لتغطية نفقات التشغيل والصيانة لمحطات الضخ.
يتمثل السبب الرئيسي في مشكلة المياه بالتوزيع غير العادل بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، حيث تتواصل أزمة المياه في ظل سيطرة وتحكم شركة ميكوروت في عملية التوزيع، حيث تشير الدراسات أن الفرد في إسرائيل يستهلك خمسة أضعاف استهلاك المواطن الفلسطيني من المياه.