محافظة شمال غزة:
محافظة شمال غزة هي إحدى محافظات قطاع غزة الخمس و تصل مساحتها إلى 62 كم مربع وتشكل 17% من إجمالي مساحة محافظات قطاع غزة و تشتمل على أربعة تجمعات حضرية وهي ( جباليا – مخيم جباليا – بيت لاهيا – بيت حانون (وعلى ثلاثة تجمعات ريفية وهي ( القرية البدوية ‘ المسلخ -عزبة بيت حانون – عزبة مسلخ بيت لاهيا). و يقدر عدد سكان المحافظة 281 ألف نسمة لعام 2005 موزعة على التجمعات السكانية (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2005). انظر الخارطة
محطة تجميع المياه العادمة:
أصبحت قضية محطة تجميع المياه العادمة في بيت لاهيا المشكلة الرئيسة التي تواجه محافظة شمال غزة على مدى السنوات الماضية، وخاصةً بسبب موقعها الملاصق لتجمعات سكنية كبيرة، والزيادة المطردة لكمية المياه التي تصل إليها، والانعكاسات البيئية والصحية الهائلة التي تسببها. وتبعد محطة تجميع المياه العادمة في بيت لاهيا حوالي كيلومتراً ونصف عن مركز المدينة، التي تقع في الجزء الشمالي من قطاع غزة، وتصل أطراف المدينة إلى مسافة تبعد خمسين متراً فقط عن مجمع المياه العادمة، بينما تفصل هذا المجمع عن قرية أم النصر سواتر ترابية تبعد خمسة أمتار فقط.
الاحتلال و الزيادة في المعاناة:
منذ اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول 2000، صعدت قوات الاحتلال الإسرائيلي من ممارستها بحق المدنيين الفلسطينيين حيث استهدفت الأراضي الزراعية والمزروعات بالتجريف والتخريب، وشبكات مياه الشرب والصرف الصحي وشبكة توصيل التيار الكهربائي مسخرة إمكانياتها العسكرية ما أدى إلى مضاعفة معاناة المواطنين الفلسطينيين.
قرار عسكري بإنشاء محطة تجميع المياه العادمة:
أنشات هذه المحطة عام 1979 بقرار عسكري إسرائيلي إبان الاحتلال الإسرائيلي الكامل لقطاع غزة عام 1967، وتضمن القرار تحديد المحطة، لتقام فوق أفضل خزان جوفي في المنطقة، والذي يشكل المصدر الرئيس للمياه الجوفية الصالحة للاستخدام. و كانت محافظة شمال غزة قد أعربت عن خطورة الوضع الذي يلحق بالمواطنين الفلسطينيين بسبب وجود هذه المحطة فعملت على طرح العديد من الحلول لحل مشكلة هذه البرك، ومنها حل مؤقت، يتمثل في خط ناقل لمياه الصرف الصحي وضخها في البحر على عمق 400 متر، لكن قوات الاحتلال الإسرائيلي ومنذ عامين تعرقل عمل هذا الخط، مشيرة إلى أن قوات الاحتلال تعطل أيضاً عمل محطة المعالجة الجديدة شرق قطاع غزة بتكلفة 36 مليون دولار.
قرية أم النصر والمعاناة:
يعتبر سكان قرية أم النصر، الذين يسكنون على حافة محطة معالجة المجاري والبحيرة العشوائية التي خلقتها، أكثر سكان محافظة شمال غزة تأثراً بالآثار الناجمة عنها، فهم يعانون من التلوث الذي لحق بمصادر المياه الجوفية، ومن الغازات والروائح التي تصدرها أحواض تجميع الصرف الصحي والبحيرة، ومن انتشار الكثير من حشرات البعوض، التي وجدت بيئةً مثاليةً للتكاثر حول البحيرة. ويشار إلى أن الروائح الكريهة تحمل مواد نيتروجينية وكبريتية طيارة تترك تأثيراً على المدى البعيد وتتسبب بأمراض تنفسية. وتلحق المشكلات البيئية والصحية الناتجة عن أحواض تجميع مياه الصرف الصحي، ضرراً كبيراً في ظروف السكن والمعيشة لسكان المنطقة، وعلى الرغم من عدم وجود دراسات شاملة للآثار الصحية لمحطة المعالجة، فإنه من الواضح أن غالبية سكان المنطقة يطالهم أثرها السلبي بشكل مباشر أو غير مباشر.
محطة معالجة المجاري: مرتع لتجمع البعوض و الديدان
تعتبر محطة معالجة المجاري في شمال قطاع غزة مرتع للبعوض والديدان مما يشكل خطرا كبيرا على سكان محافظة شمال قطاع غزة. فقد وصفت دائرة الصحة أن الوضع الصحي في القرية يميل للسوء مع مرور الأيام ويتمثل الخطر في الطفيليات والديدان الدقيقة التي ينقلها البعوض والتي تتسبب الجارديا (مرض طفيلي) بمعظم حالات الإصابة بالالتهابات وخاصة بين الأطفال، ويعاني الأطفال الذين يتعرضون لهذا النوع من الالتهابات من آثار بعيدة الأمد مثل فقر الدم، وتأخر النمو، والاضطرابات العقلية.
كارثة بيئية:
أقيمت محطة المعالجة في شمال قطاع غزة فوق أكبر خزان جوفي يعتبر من أفضل الخزانات الجوفية في قطاع غزة من ناحية نوعية المياه مما أدى الى تلوث هذا الخزان الجوفي وأصبح من الصعب زراعة الأراضي الزراعية بسبب التلوث الشديد الذي لحق بالبيئة في هذه المنطقة. و في تقرير لمركز الميزان لحقوق الإنسان أشار الى أن الآثار الناجمة عن تلوث الخزان الجوفي تشكّل تهديداً خطيراً لحياة السكان موضحاً أنه رغم قيام السلطة الفلسطينية بتأمين الموارد و الخطط اللازمة لحلّ هذه القضية إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا تزال تعيق تنفيذ المشروعات التي من شأنها إزالة هذه الأخطار على المدى القريب و البعيد.
و ذكرت مديرية سلطة المياه و المجاري في تقرير لها عن الوضع البيئي السيئ الذي تعيشه منطقة شمال غزة جرّاء ازدياد الآثار السلبية الناجمة عن أحواض المياه العادمة و التي تضاعفت مساحتها إلى خمسة أضعاف المساحة الأصلية لها و المحددة بخمسة هكتارات لترتفع إلى 25 هكتاراً، مشيرة إلى تأثير ذلك على المخزون الجوفي و زيادة نسبة النترات و الكلورايد حيث تبلغ نسبة الكلورايد حوالي 300 ملم في اللتر إضافة إلى تأثير مياه البحر المجاورة للأحواض ما أدّى إلى انتشار العديد من الأمراض بين السكان إضافة إلى إصابة قطاع الصرف الصحي بالشلل التام. أما دائرة الأبحاث العلمية و التطوير في سلطة جودة البيئة فتحدّثت عن معيقات الوصول إلى حلّ لمشكلة أحواض المياه العادمة ، مشيرة إلى أن إنشاء المحطة في العام 1996 ارتبط بالكثير من المخاطر منذ البداية لاسيما و أن الإنشاء تم في مناطق تحتوي أكثر المياه قيمة و جودة و عذوبة. كما أن الاحتلال الإسرائيلي لم يقم بأيّ مشروع يتعلّق بأنابيب المياه العادمة مما أدى الى تدفق المياه و ازدياد المساحة لتصل إلى 600 دونم هي تشمل بركة المياه و المحطة نفسها. و نظراً للزيادة الملحوظة في نسبة النترات و تأثيرها على المياه الجوفية فإنه تم إغلاق 14 بئراً قريبة من المحطة و المناطق السكنية و ارتفاع في الأمراض الناجمة عن الروائح الكريهة و البعوض.
و في دراسة أجراها مركز الميزان لحقوق الإنسان بخصوص الآثار الناجمة عن أحواض المياه العادمة أكدت أن هذه الأحواض تم إنشاؤها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي و بدون أن يكون هناك مخزون للمياه و تم توسيعها في العام 1991 لتستوعب 5000 متر مكعب من المياه العادمة. و يصل حاليا إلى تلك الأحواض ما يزيد عن عشرة آلاف متر مكعب و نظراً لعدم وجود مخرجٍ للمياه تكوّنت بجوارها بحيرة مساحتها 450 دونماً ما أثر سلباً على صحة السكان الفلسطينيين في المناطق المحيطة و ساهم في ازدياد نسبة النترات في مياه الشرب حيث تصل نسبة التلوث إلى ما يزيد عن 270 ملم لكلّ متر في مياه غزة و في الأحواض تصل نسبة النترات إلى 66 ملم لكل لتر .
حقوق الإنسان والتدهور البيئي في شمال قطاع غزة
تهديد أمن وسلامة السكان:
إلى جانب أخطار محطة معالجة المياه العادمة المستمرة على البيئة وصحة السكان، فإن محطة معالجة المجاري تشكل تهديداً كبيراً لأمن وسلامة سكان المناطق المحيطة بها، وأن ما يترتب على تسرب المياه العادمة وفيضانها لا يؤثر على قرية أم النصر وحدها، بل على المنطقة بأسرها، وخاصةً مدينة بيت لاهيا التي يسكنها حوالي 55000 نسمة. وقامت البلدية بعمل سواتر بارتفاع 9 أمتار لكن ارتفاع منسوب المياه، خاصة في فصل الشتاء بشكل كبير ينذر بانهيار السواتر الترابية، حيث يشكل هذا الانهيار كارثة بيئية جديدة.
الانتهاكات الاسرائيلية للبيئة الفلسطينية
أن موضوع البيئة على قدر من الأهمية للإنسان فمن حق كل إنسان أن يعيش في بيئة نظيفة وجميلة تمتاز بنوعية سليمة وآمنة و أي انتهاك يؤثر سلبا على الإنسان الذي هو محور العملية التنموية و البيئية. إن الانتهاكات الإسرائيلية بحق البيئة الفلسطينية تزيد من المعاناة و تزيد من الصعوبات الحياتية للإنسان الفلسطيني. فالبيئة التي نتواجد فيها يجب أن تمتاز بنوعية سليمة وآمنة لأنها تعطي صبغة لحياتنا. كما أن العالم بأسره يجب أن ينظر إلى الحقوق البيئية للإنسان الفلسطيني والتي تنتهك بشكل مستمر و هي أيضا تخص كل إنسان يعيش فوق سطح الكرة الأرضية وتتمثل بما يلي:
جميع الأشخاص لهم الحق في بيئة آمنة، صحية وسليمة.
جميع الأشخاص لهم الحق في بيئة ملائمة لاحتياجات الجيل الحالي بحيث لا ينقص ذلك من حقوق الأجيال المستقبلية لإنصاف احتياجاتهم.
جميع الأشخاص لهم الحق بالتحرر من التلوث، التدهور البيئي والنشاطات التي تؤثر سلبا على البيئة، الحياة المهددة، الصحة، الرزق، الرفاهية أو التنمية المستدامة داخل، عبر أو خارج حدود الأمة.
جميع الأشخاص لهم الحق بحماية والحفاظ على التربة، الهواء، الماء، البحر، النبات والحيوان، والعمليات الأساسية والمناطق التي تحتاج إلى ضرورة الحفاظ على تنوعها البيولوجي وأنظمتها البيئية.
جميع الأشخاص لهم الحق في تحقيق الحد الأعلى من معايير الصحة والخالية من التدهور البيئي.
جميع الأشخاص لهم الحق بغذاء ومياه سليمة وصحية كافية من أجل عيش مناسب.
جميع الأشخاص لهم الحق بعمل ذا بيئة صحية وآمنة.
جميع الأشخاص لهم الحق بالحصول على سكن ملائم، ملكية أرض، وظروف معيشية آمنة، صحية وبيئية سليمة.
الناس المحليين لهم الحق بالسيطرة على أراضيهم، المناطق والمصادر الطبيعية للحفاظ على طريقتهم التقليدية في الحياة. وهذا يحتوي على الحق بالأمن للتمتع بممتلكاتهم حسب طرقهم الخاصة. الناس المحليين لهم الحق بالحماية من أي نشاط أو عمل ينفذ والذي قد ينتج عنة تدمير أو تدهور مناطقهم، بما في ذلك، الأرض، الهواء، الماء، البحر، الحياة البرية والمصادر الأخرى.
يجب على جميع الحكومات أن تحترم وتؤكد الحق في بيئة آمنة، صحية وسليمة. وفي نفس الوقت، أن تطبق المقاييس الإدارية، والتشريعية وغيرها اللازمة من أجل تفعيل تطبيق هذه الحقوق.
يجب أن تمتنع الدول وجميع الأعضاء الآخرين عن استخدام البيئة كأدوات للحرب أو في التصرفات الخطرة، والتأثيرات الضارة على المدى الطويل أو الواسع، وأن تحترم القانون الدولي الذي يوفر الحماية للبيئة في أوقات الحروب والتعاون من أجل دعم التطوير.
اتفاقية منظمة العمل الدولية (ILO) رقم 169، السكان الأصليين، فقرة 7:
[السكان الأصليون] سوف ينالون الحق في تقرير أولويتهم الخاصة في عملية التنمية والتي تؤثر على طبيعـة حياتهم، معتقداتهم، المؤسسات والطقوس الدينية والروحية والأرض التي يشغلونها أو يستخدمونها، وتجربة إمكانية تنظيمهم … من أجل تطوير أوضاعهم الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية … سوف تضع الحكومات مقاييساً … لحماية والحفاظ على البيئة في المناطق التي يقطنوها.
إعلان ريو، المبدأين 1و 4 ( الإنسان هو مركز الاهتمام للتنمية المستدامة وله الحق في الحصول على حياة صحية ومنتجة، وذلك بالتوافق مع الطبيعة … من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وحماية البيئة، وسوف تكون الجزء الجوهري لعملية التطوير ولا يمكن أن تعتبر بمعزل عنها …
إعلان بكين، فقرة 36التطور الاقتصادي، والتقدم الاجتماعي والحماية البيئية عبارة عن مكونات متداخلة ومعززة للتنمية المستدامة، وهي الإطار لجهودنا من أجل تحقيق حياة ذات نوعية أفضل لجميع الناس. التقدم الاجتماعي المنصف الذي يقدر تقوية الضعفاء، خصوصاً النساء اللواتي يعشن تحت ظروف الفقر، من أجل الانتفاع من المصادر البيئية واستدامتها كقاعدة للتنمية.
مراجع:-