في ظل تفاقم الأزمة التفاوضية بين الفلسطينيين و الإسرائيليين, تسعى حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى اقتناص الفرصة لإحكام سيطرتها على منطقة الغور الفلسطينية و ذلك بإعادة إحياء مشاريع تطويرية هناك لحث المستوطنين الإسرائيليين على التشبث بمنازلهم في المستوطنات و زيادة نسبة الحوافز الزراعية. و قد كان وزير الزراعة الإسرائيلي كاتس هو صاحب فكرة تطوير منطقة الغور حيث قام بوضع مشاريع خطط و ميزانيات تطويرية أولى للمنطقة منذ العام 2003 بهدف ترسيخ الوجود الإسرائيلي هناك, كان أبرزها دعم القطاع الزراعي بالإضافة إلى إنشاء وحدات سكنية إضافية للمستوطنات القائمة علماً بأن العديد من تلك المستوطنات تحتوي على العديد من المنازل الغير مأهولة و تكاد بعضها أن تكون فارغة.
إلا أن خطة تنمية قطاع مستوطنات الغور لم تحظى في حينه بموافقة حكومية أو مالية, غير أن المشروع لم يتم رفضه بالكامل حيث وضع في حالة سبات إلى هذا الأسبوع حيث سيتم عرضه على اللجنة المالية و رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي أبدى موافقة مبدئية على المشروع الذي يسعى من خلاله إحكام السيطرة الإسرائيلية على منطقة غور الأردن بالكامل كجزء من خطة جدار الفصل الشرقي و التي أبدت الحكومة الإسرائيلية تكتماً فيما يتعلق بالخطط المرسومة هناك لإحكام سيطرتها على المنطقة.
و هنا تجدر الإشارة بأن سعي إسرائيل للسيطرة على 1555 كم² (27%) من مساحة الضفة الغربية و التي تشكل كافة منطقة الأغوار سيكون من خلال تكثيف الوجود الاستيطاني مع وضع حواجز و نقاط تفتيش على طول امتداد الغور و التي من المتوقع أن يتراوح عددها ما بين 25- 30 نقطة تفتيش و حاجز عسكري. انظر الخارطة
و ضمن سياق تعزيز السيطرة الإسرائيلية على حدود المناطق الفلسطينية كشفت إسرائيل عن الخطة القيد التنفيذ لتطويق الحدود البحرية لقطاع غزة بجدار فصل في عمق مياه البحر حيث سيمتد الجدار من الحدود الشمالية الغربية للقطاع إلى داخل البحر بطول 950 متر و ستكون ال 150 متر الأولى جدار إسمنتي في حين ال 800 متر المتبقية عبارة عن سياج أمني.
و يهدف الجدار البحري الإسرائيلي بحسب مصادر الجهات الأمنية الإسرائيلية إلى منع تسلل فلسطينيين إلى مستوطنات القطاع أو إلى داخل إسرائيل عبر البحر. كذلك ستقوم إسرائيل بتعزيز سيطرتها على طول الحزام الأمني الإسرائيلي الممتد من شمال قطاع غزة و على طول امتداد حدود القطاع الشرقية (72 كم) و ذلك عن طريق مد سياج كهربائي إضافي داخل منطقة الحزام الأمني و الذي يتراوح عرضه 1.1 – 1.3 كم.
موفد الرباعي ولفنسون و أوهام الحلول المؤقتة:-
ما زال المجتمع الدولي و اللجنة الرباعية غير المدركة للأهداف الإسرائيلية فيما يتعلق بمصير تواجد المستوطنات في المناطق الفلسطينية المحتلة, على الأقل إذا ما تم افتراض ‘حسن النية‘ لدى الرباعية حيث أشار موفد الرباعية جيمس ولفنسون إلى ضرورة عدم الإصرار على موضوع المعبر الآمن وذلك خلال لقاءه مع الجانب الفلسطيني بل ضرورة توجيه المباحثات إلى ما يمكن تنفيذه على أرض الواقع. فقد تم طرح عدد من المقترحات فيما يتعلق بإيجاد تواصل جغرافي بين الضفة الغربية و قطاع غزة انتهت إلى ثلاث اعتبرها ولفنسون بأنها حلول مؤقتة إلى حين إيجاد تواصل جغرافي بشكل دائم. أما فيما يتعلق بمقترحات التنقل للفلسطينيين بين الضفة و القطاع فإنها جاءت كالآتي:
أسطول ناقلات يتألف من 30 شاحنة نقل على أن تكون تحت الإشراف الإسرائيلي و بتمويل دولي. و هنا تجدر الإشارة بأن الاقتراح المذكور قد تم تقديمه من ولفنسون كحل لحين إيجاد حلقة اتصال جغرافية دائمة بين الضفة الغربية و قطاع غزة.
أما الاقتراح الآخر فهو إسرائيلي و يتلخص ببناء سكة حديد تمتد من قطاع غزة (ايرز) و حتى بلدة ترقوميا جنوب غرب خليل الرحمن حيث أفاد البنك الدولي بأن تكاليف إنشاء المقترح الإسرائيلي ستصل إلى 175 مليون دولار و قد قدم البنك الدولي بالمقابل الاقتراح الثالث و الذي يتلخص
بإقامة طريق سريع بين قطاع غزة عند منطقة ايرز و حتى ترقوميا في الخليل على أن يكون الطريق في خندق يبلغ عمقه 5 أمتار و محاط بسياج أمني و أسلاك شائكة مع الإشارة إلى أن تكاليف مشروع الطريق السريع ستصل إلى 130 مليون دولار هذا بالإضافة إلى أن مصاريف تشغيل الطريق السريع ستكون أقل عبئاً و أكثر نجاعة. هذا و لم تبدي إسرائيل تحمساً لأي من المقترحات المطروحة كما أنها لم ترفضها بشكل مطلق.
وهنا تجدر الإشارة بأن الحلول المقترحة تتحول بالأغلب إلى حلول دائمة كما كان الحال بتنفيذ اتفاقية أوسلو و التي دعت إلى نقل السيطرة الأمنية للضفة الغربية و قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية عن طريق مراحل و ذلك بعد أن تم تعريف الأراضي بمناطق أ, ب, و ‘ج’, و انتهت إلى اعتبار إسرائيل أن سقف المناطق التي سيتم نقل الصلاحيات فيها هي أ, ب, في حين أن منطقة ‘ج‘ أضحت تحت السيطرة الإسرائيلية بدءاً من الجدار الفاصل و حتى منطقة الغور.
إسرائيل تضع العملية السلمية في مهب الريح:-
و يستنتج مما سلف أن إسرائيل غير عاقدة على المضي قدما في العملية السلمية, فبعد أن عصفت رياح التفاؤل بإحداث تقدما على صعيد المباحثات المشتركة مع بداية العام (2005) و خاصة بعد قمة شرم الشيخ, لم تفوت إسرائيل فرصة لتبديد الآمال في التقدم إلا و تبنتها بدأ بالتقاعس عن عمليات الانسحاب من المدن الفلسطينية المحتلة و الاستمرار بالانتهاكات المختلفة كسياسات الاغتيالات و مصادرة الأراضي و بناء الجدار و طرح عطاءات بناء وحدات سكنية جديدة في المستوطنات الإسرائيلية و التي بلغ عددها أكثر من 6000 وحدة سكنية جديدة هذا بالإضافة إلى التقصير في الإفراج عن السجناء الفلسطينيين و أخيرا التشدد في رفض وجود تواصل جغرافي ما بين الضفة و القطاع الأمر الذي يؤكد بأن إسرائيل هي المسئولة و بشكل مباشر عن التراجع المخيم على الحالة التفاوضية مما ينذر بانهيار الهدنة و كافة الجهود المتراكمة على مدار العام من أجل إعادة إطلاق المباحثات الفلسطينية – الإسرائيلية.