البؤر الاستيطانية الإسرائيلية … ركيزة المشروع الاستيطاني في الضفة العربية المحتلة

البؤر الاستيطانية الإسرائيلية … ركيزة المشروع الاستيطاني في الضفة العربية المحتلة

 

في الرابع من شهر ايار من العام 2021, وافقت لجنة الترتيبات في الكنيست الاسرائيلي بأغلبية (19 صوتا مقابل 13 ) على التسريع بمشروعي قانون من خلال التنازل عن فترة الانتظار والبالغة 45 يوما, أحدهما يقضي بإضفاء الشرعية على 70 بؤرة استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية المحتلة – لعرضها فيما بعد على الكنيست الاسرائيلي لتحظى بالتصويت الأولي. ويتمتع مشروع قانون “إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية” بدعم كافٍ لاجتياز القراءة التمهيدية في الكنيست وخاصة ان اليمين الإسرائيلي يتسابق مع الزمن لدفع أجندته الاستيطانية قبل سقوط الكنيست والذهاب الى انتخابات خامسة أو تشكيل حكومة جديدة تضم حزب يش عتيد برئاسة يائير لبيد. وتجدر الإشارة الى انه بمجرد إجراء التصويت التمهيدي (الأولي) على مشروع القانون الخاص بتشريع البؤر الاستيطانية، فانه يتوجب أن يمر مشروع القانون بثلاث قراءات في الكنيست الإسرائيلي ومن ثم إرسالها إلى اللجان الخاصة للموافقة عليه.

حقيقة البؤر الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة

شهد العام 1996 بداية تفشي ظاهرة البؤر الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة من خلال دعوة أرئيل شارون الذي كان يشغل منصب وزير الطاقة والبنية التحتية في حكومة نتنياهو انذاك (الحكومة السابعة والعشرون لدولة الاحتلال), للاستيلاء على مواقع التلال والمرتفعات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة للحيلولة دون تسليمها للفلسطينيين لاحقا في إطار أي تسوية مستقبلية بين الجانبين, الإسرائيلي والفلسطيني.

ورغم أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تمنح ظاهرة البؤر الاستيطانية آنذاك أي غطاء قانوني, الا انها  قامت بتوفير غطاء امني ولوجستي لوجودها واستمرارها في الأراضي الفلسطينية المحتلة الامر الذي دفع بقطعان المستوطنين الإسرائيليين للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية لتشييد نوى استيطانية تهدف إلى زيادة رقعة مساحة المستوطنات القائمة في الجوار (المستوطنات الام) أو لتكوين نوى جديدة لمستوطنات مزمع إقامتها على الأراضي الفلسطينية. كما ودأب جيش الاحتلال الإسرائيلي ايضا على مساعدة هؤلاء المستوطنين الإسرائيليين في الانتقال والاستقرار في تلك المواقع بل وتامين الحماية لهم ومدهم بالبنية التحتية الأساسية لضمان بقائهم هناك.

هذا و قد لعبت البؤر الاستيطانية دورها في صد أية انتقادات لسياسة إسرائيل الاستيطانية غير القانونية في المناطق الفلسطينية المحتلة حيث كانت الدعوة لإزالة تلك البؤر أو إزالة إحداها في بعض الأحيان أثر كبير في وقف أية انتقادات دولية لسياسة إسرائيل الاستيطانية رغم أنه و في نفس الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بهدم بعض البؤر تكون هناك عملية قائمة لإنشاء بؤرة استيطانية في موقع آخر مدعومة مادياً من وزارة المالية و وزارة البنية التحتية الإسرائيلية و التي تساهم في تمديد الكهرباء و الماء لتلك البؤر التي أصبحت بمثابة وباء متفشي في الأراضي الفلسطينية.

كما  أكدت الاتفاقيات الفلسطينية_ الإسرائيلية و ما تبعها من مؤتمرات سلام دولية على ضرورة وقف كافة النشاطات الاستيطانية في المناطق الفلسطينية المحتلة بما في ذلك بناء البؤر الاستيطانية غير أن دولة الاحتلال الإسرائيلي استمرت في عمليات البناء الاستيطاني وعلى وجه الخصوص انشاء البؤر الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة وبشكل مكثف ومتسارع حيث كشفت وحدة المعلومات الجغرافية في معهد الأبحاث التطبيقية – القدس (اريج) حقيقة وجود تلك البؤر من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية للضفة الغربية المحتلة منذ بداية نشأتها حيث تم التأكيد على وجود 220 بؤرة استيطانية غير قانونية في الفترة الواقعة ما بين العام 1996 وحتى يومنا هذا, حيث تم إنشاء 128 منها على التلال المجاورة للمستوطنات الإسرائيلية بهدف السيطرة على اكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية المحتلة في حين أن ال 92 البؤر المتبقية كان قد تم إنشائها ضمن ما تطلق عليه إسرائيل “حدود المخططات الهيكلية” أو “مناطق نفوذ المستوطنات” الإسرائيلية القائمة.

البؤر الاستيطانية الإسرائيلية ضمن العملية السلمية 

 اعتبرت البؤر الاستيطانية الإسرائيلية شكلاً من أشكال الاستيطان الإسرائيلي المرفوض دولياً حيث تم إقرار ضرورة إزالتها تحديداً تلك منها المنشأة بعد شهر آذار من العام 2001 و ذلك بحسب ما تم إقراره في خارطة الطريق حيث بلغ عددها ما قبل ذلك 78 بؤرة تحولت فيما بعد إلى وباء متفشي حيث تم إنشاء خلال السنوات اللاحقة 142 بؤرة جديدة.  هذا و قد حاولت إسرائيل إضفاء صبغة قانونية و شرعية لوجود البؤر الاستيطانية و ذلك من خلال تقرير تاليا ساسون المكلفة الخاصة من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بعمل بحث عن وضعية البؤر الاستيطانية حيث استنتج التقرير بأن ثلث عدد البؤر الموجودة لا تحظى بشرعية قانونية (أي أنها لم تنشأ بموافقة حكومية) في حين أن الثلث الثاني منها لم يحظى بأي نوع من التصنيفات (أي أنها أقيمت من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي و تم تحويلها لاحقاً لاستعمال المستوطنين بعد أن أخلاها الجيش), أما فيما يتعلق بالثلث الأخير فقد تم الإشارة بأنه قد حظي بدعم حكومي لإقامتها. وتسعى إسرائيل من خلال تقرير ساسون إلى شرعنة الجزء الأكبر من بؤر الاستيطان القائمة حيث أبدت استعدادها لإزالة تلك البؤر التي لم تحظى بشرعية قانونية فيما اعتبرت ما تبقى من بؤر ذات تعريف قانوني لا يتعين عليها إخلاء أي منها.

البؤر الاستيطانية الإسرائيلية … الخطر الذي يتهدد الأراضي الفلسطينية المحتلة

ولم يكن يوما اختيار المواقع التي سوف يتم انشاء البؤر الاستيطانية عليها عشوائيا أو بمحض الصدفة، بل كان يتم اختيار المواقع من حيث أهميتها الجغرافية والاستراتيجية بالنسبة لحكومة الاحتلال الإسرائيلي والتي دفعت بجماعات المستوطنين للسيطرة على هذه المواقع, ومنذ العام 1996 و حتى يومنا هذا تركز بناء البؤر الاستيطانية الإسرائيلية في مناطق الوسط في الضفة الغربية المحتلة, والتي تعتبرها إسرائيل مناطق ذات أهمية استراتيجية كبرى وحلقة وصل جغرافية بين المستوطنات الإسرائيلية في جميع انحاء الضفة الغربية المحتلة. وعقب اعلان اسرائيل عن بناء جدار العزل العنصري في العام 2002 على أراضي الضفة الغربية المحتلة والذي من خلاله (أو حين الانتهاء من بنائه) تخطط إسرائيل لضم 107 مستوطنة اسرائيلية الى حدودها بالإضافة الى 53 بؤرة استيطانية, وأيضا فرض سيطرتها على المنطقة الشرقية في الضفة الغربية المحتلة, منطقة غور الاردن و البحر الميت (منطقة العزل الشرقية), والتي تشمل 36 مستوطنة اسرائيلية و29 بؤرة استيطانية, تحاول اسرائيل فرض سيطرتها على المستوطنات الاسرائيلية والأراضي الفلسطينية الواقعة في المناطق التي أصبحت تعرف “بالممرات الإسرائيلية” وتشمل 29 مستوطنة إسرائيلية و 94 بؤرة استيطانية, حتى تتمكن, قبيل الوصول الى اتفاق تسوية مع الفلسطينيين في المستقبل, من (أولا) تثبيت السيطرة على الأراضي الفلسطينية في المنطقة وهي أراضي تخضع لتصنيف  “ج” بحسب اتفاقية أوسلو الثانية المؤقتة للعام 1995 و(ثانيا) ضم اكبر عدد ممكن من المستوطنات والبؤر الاستيطانية الى حدودها, التي تعيد رسمها بشكل غير قانوني و أحادي الجانب, والتي بمجموعها تحوي ما نسبته 88% من التعداد السكاني للمستوطنين الاسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة, لتفاوض بعد ذلك على اخلاء عدد لا يذكر من المستوطنات الاسرائيلية والمستوطنين بعد ان كانت قد نفذت مخططات العزل والسيطرة, متجاهلة الاثر السلبي التي تفرضه تلك المخططات على المجتمع الفلسطيني برمته. 

ان ما مجموعه 172 مستوطنة إسرائيلية (ما نسبته 87% من عدد المستوطنات الاسرائيلية الكلي في الضفة الغربية) والبالغ 198 مستوطنة و176 بؤرة استيطانية إسرائيلية (80% من عدد البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة) سوف يتم ضمها لإسرائيل حال انتهاء اسرائيل من تنفيذ مخططاتها في الاراضي الفلسطينية المحتلة. كما وتحتل هذه المستوطنات والبؤر الاستيطانية ما مساحته 188 كم² من الاراضي الفلسطينية، ما نسبته 93.5% من المساحة الكلية للمستوطنات الاسرائيلية القائمة على الاراضي الفلسطينية والبالغة 201 كم².

اسرائيل تمنح جماعات المستوطنين السيطرة على المزيد من الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة من خلال مناطق نفوذ المستوطنات

منذ احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية في العام 1967، استثمرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة موارد كبيرة في إنشاء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواء من حيث مساحة الأراضي التي تم مصادرتها من الفلسطينيين وكذلك من حيث عدد السكان. ونتيجة لهذه السياسة، ما يزيد عن 824 ألف مستوطن إسرائيلي غير شرعيين يقطنون الآن في 199 مستوطنة اسرائيلية بما فيها المستوطنات (المواقع) السياحية، و220 بؤرة استيطانية موزعة في جميع انحاء الضفة الغربية، بما في ذلك تلك التي تم اقامتها في القدس الشرقية والتي تتعارض جميعها مع القانون الدولي.  وفي العام 1991, أصدرت الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة مخططات هيكلية للمستوطنات الإسرائيلية بما في ذلك تلك في القدس الشرقية. وشملت هذه المخططات مناطق توسع مستقبلية للمستوطنات الاسرائيلية القائمة مع الاخذ بعين الاعتبار اعتماد مساحات اضافية لإقامة مستوطنات جديدة وتوسيع القائمة حتى العام 1991. وبلغ مجموع مساحة المخططات الهيكلية الصادرة من قبل الادارة المدنية الاسرائيلية آنذاك 486.1 كم², وهي سبعة اضعاف مساحة المستوطنات الاسرائيلية التي كانت قائمة حتى العام 1991 والبالغة 69 كم². وعقب توقيع اتفاقيات أوسلو الاولى والثانية في الاعوام 1993 و1995 على التوالي وتصنيف الاراضي الفلسطينية الى مناطق “ا” و”ب” و”ج”, تجاهلت السلطات الاسرائيلية اصدار مخططات هيكلية للتجمعات الفلسطينية القابعة في المناطق المصنفة “ج” لتلبية احتياجاتهم العمرانية ومواكبة الزيادة السكانية بصفتها الجهة المخولة لتسيير الامور الادارية والامنية في المناطق المصنفة “ج” كما فعلت بالنسبة للمستوطنات, وبقيت التجمعات الفلسطينية تحت خطر الهدم لعدم مقدرتها على اصدار التراخيص اللازمة التي تجنبها عمليات الهدم والتشريد بسبب فرض السلطات الاسرائيلية اجراءات طويلة ومعقدة ومكلفة على الفلسطينيين المتقدمين للحصول على التراخيص اللازمة التي تمكنهم من البناء واستغلال الارض لأي غرض كان, ورفض معظم الطلبات المقدمة من الفلسطينيين تحت ادعاء “عدم موافاة المخططات الشروط اللازمة للبناء في المناطق المصنفة (ج)”.

الخارطة رقم 1: البؤر الاستيطانية الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة

 تعديل المخططات الهيكلية للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة

 في خطوة تهدف لدمج البؤر الاستيطانية الإسرائيلية غير القانونية والأحياء الاستيطانية في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة للمستوطنات الإسرائيلية القائمة, ابتدعت إسرائيل مصطلحا جديدا اطلقت عليه اسم ” مناطق نفوذ المستوطنات” وعرفتها على انها الحدود الخارجية – الحدود – لجسم قانوني- في هذه الحالة مستوطنة إسرائيلية, حيث تم منح المستوطنة (من قبل الإدارة المدنية الإسرائيلية) القدرة العملية على إدارة كل ما هو داخل الخط المحيط بالمستوطنة، على سبيل المثال التخطيط والبناء … إلخ.  والجدير بالذكر أن مساحة نفوذ المستوطنات تتخطى مساحة المخططات الهيكلية الاسرائيلية الصادرة في العام 1991 للمستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة. وجاءت هذه الزيادة من خلال أوامر عسكرية اسرائيلية تمت اصدارها والمصادقة عليها خلال العام 2012 تمنح في مضمونها مجالس المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية السيطرة على أراضي فلسطينية جديدة في الضفة الغربية المحتلة اضافة الى تلك التي تحتلها المستوطنات اليوم وتلك التي تأتي تحت إطار المخططات الهيكلية الاسرائيلية لتصبح ضمن حدود المستوطنات الاسرائيلية المستقبلية. كما أن هذه الزيادة لم تقتصر على العام 2012 فقط, اذا انه ومنذ العام 1991 وحتى العام 2020, أصدرت سلطات الاحتلال الاسرائيلي العديد الاوامر العسكرية الاسرائيلية التي لم يتم الاعلان عنها بتاتا من الجهات الاسرائيلية المختصة والتي تصادر بمضمونها المزيد من الاراضي الفلسطينية المحتلة لأغراض امنية وغيرها من الذرائع الواهية حتى بلغت المساحة التي تأتي ضمن مناطق نفوذ المستوطنات الى 541 كم² مع نهاية العام 2020, اي بزيادة مقدارها 55 كم² عن مساحة المخططات الهيكلية الاسرائيلية الصادرة في العام 1991 والبالغة 486.1 كم² .

ومع تفعيل دولة الاحتلال الإسرائيلي لما يسمى “بمناطق نفوذ المستوطنات” في الضفة الغربية,  أصبح الخطر يداهم الأرضي الفلسطينية اكثر فأكثر اذ انها سوف تساهم وبشكل غير مسبوق وغير قانوني بتوسيع رقعة المساحة التي تسيطر عليها المستوطنات الإسرائيلية بما في ذلك أي مصادرة غير قانونية تتم في المستقبل هذا بالإضافة الى ضم البؤر الاستيطانية القائمة والتي تأتي ضمن ما تسميه إسرائيل “بمناطق نفوذ المستوطنات” الى المستوطنات القائمة.

كما انه طوال سنوات الاحتلال الإسرائيلي، سعت إسرائيل دائما إلى تضليل العالم فيما يتعلق بحقيقة البؤر الاستيطانية حيث قامت بمحاولة إضفاء الشرعية على جزء منها و ذلك من خلال إصدار تقارير وزارية صنفت جزء منها شرعي و أخرى غير ذلك و الحقيقة هي أنه جميع هذه البؤر هي غير قانونية  و أنها بنيت على أراضي فلسطينية مصادرة بمساعدة و تعاون مختلف الوزارات الإسرائيلية و التي دأبت على تزويد هذه البؤر بالميزانيات المطلوبة لدعمها تحت ادعاءات مختلفة. ورغم أن الحكومة الإسرائيلية المتعاقبة كانت قد أعلنت عدة مرات عن التزامها بإخلاء هذه البؤر بحسب خارطة الطريق إلا أنها لم تقم فعلياَ بعمل أي شيء على أرض الواقع أكثر من إصدار أوامر على الورق.

ومن هنا يجب التأكيد على أن جميع البؤر الاستيطانية هي غير قانونية وأن كل بؤرة استيطانية قائمة في الضفة الغربية المحتلة لا تقل خطورة عن المستوطنة القائمة بغض النظر عن حجمها و تعداد سكانها اذا انها الخطر الأكبر الذي يهدد الاراضي الفلسطينية في المستقبل وأن ضرورة إزالتها أمر ضروري لإعادة دفع عملية السلام مع التأكيد على تطبيق كافة أوامر الإزالة الصادرة بحقها و إعادة تسليم الأراضي إلى أصحابها الشرعيين الفلسطينيين.

 

اعداد:
 
معهد الابحاث التطبيقية – القدس (أريج)

 

 

 

Categories: Israeli Plans