المقدمة
تعتبر الكارثة البيئية والإنسانية التي ألمت بقرية أم النصر من اخطر الكوارث البيئية التي سببها ولا يزال يسببها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة حيث لم تكن هذه الكارثة بالعادية بل كانت لها أثار اقتصادية واجتماعية أيضا هذا بالاضافة إلى الخسائر في الأرواح والممتلكات حيث راح ضحيتها خمسة مواطنين من سكان القرية وأصيب العشرات, إلى جانب القضاء على مظاهر الحياة الصحية فيها .
تعريف بقرية أم النصر البدوية
تقع قرية أم النصر البدوية في شمال قطاع غزة, في منطقة بيت لاهيا إلى الشمال الغربي من مدينة الشيخ زايد وأبراج الندى. أنشئت القرية في عام 1997م في منطقة منخفضة تعلوها روابي وكثبان رملية بأكثر من عشرين مترا , وتقع إلى جوارها الأحواض الرئيسية لمياه الصرف الصحي التي تستقبل المياه العادمة من كل محافظات الشمال و البالغ عددها أكثر من عشرة, وتقدر مساحتها الإجمالية بحوالي 550 دونم ويدخلها يوميا أكثر من 15 ألف متر مكعب من المياه العادمة.
تبلغ مساحة قرية أم النصر البدوية 800 دونما و يسكنها حوالي 5000 نسمة أغلبهم من البدو المهجرين من بلدة يبنه بعد نكبة عام 1948م. يوجد بالقرية مدرسة البتدائية واحدة مختلطة (مدرسة حمزة بن عبد المطلب) ويدرس فيها 545 طالبا. أما الطلاب الذي يدرسون خارج القرية فيقدر عددهم بحوالي 300 طالب وطالبة من المرحلتين الإعدادية والثانوية. يوجد في القرية أيضا عيادة صحية محلية و مركز مجتمعي يعمل لخدمة سكان القرية اجتماعيا وثقافيا وتربويا. كما يوجد بالقرية مقر لبلدية مؤلف من طابق واحد و لكن تنقصه المعدات الخدماتية مثل جرافة أو جرار. تتسم مباني قرية أم النصر بالحداثة, حيث تتكون من الاسمنت المسلح, و شوارعها مرصوفة ومبلطة وبها بعض من مظاهر المدنية إلى جانب حياة البداوة التي تبدو ظاهرة لكل الزائرين للقرية. تتوفر في القرية الخدمات العامة مثل الماء والكهرباء والهاتف .
أحداث الكارثة
في تمام الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الثلاثاء الموافق 27/3/2007م اندفع ما يعادل 130الف م3 من مياه الصرف الصحي على قرية أم النصر من حوض تجميع مياه الصرف الصحي المقام على ربوة ترتفع حوالي 20 مترا عن القرية من الجهة الشرقية حيث انهار الجدار الغربي للحوض وانطلقت المياه العادمة منه نحو القرية جارفة في طريقها كميات هائلة من الرمال قدرت بحوالي 90 ألف متر مكعب و طمرت منطقة سكنية من القرية تقدر مساحتها بحوالي 60 ألف متر مربع. و قد سجل ارتفاع الرمال في بعض المناطق إلى مترين, الأمر الذي أدى إلى وفاة خمسة مواطنين وإصابة 35 آخرين. تقدر الخسائر المادية في القرية نتيجة لهذه الكارثة البيئية بحوالي 10مليون دولار أمريكي .
حجم الدمار والخسائر التي لحقت بالقرية وسكانها
1- الخسائر البشرية: تم تسجيل 35 إصابة جراء الكارثة ووقوع خمس حالات وفاه و هم:
الرقم |
الاسم |
العمر |
1 |
فاطمة سالم هدبان أبو صفرة |
90 سنة |
2 |
جمال براك سلمان أبو صفرة |
سنتين |
3 |
محمد سالم معتق أبو اعتيق |
سنة واحدة |
4 |
ناصرة نصير شديد ارميلات |
75سنة |
5 |
سهير سلام محمد أبو غراره |
18سنة |
2- الخسائر في الممتلكات: بلغ عدد المنازل الفلسطينية التي دمرت كليا من جراء الكارثة حوالي 60 منزلا وهي عبارة عن منازل ذات جدران سمنتية وأسقف زينكو أو بيوت صفيح. كما تسببت الكارثة في تدمير 143 منزلا تدميرا جزئيا. و بلغ عدد الاسر المتضررة بالقرية من جراء الكارثة أيضا حوالي 630 أسرة.
حوض مياه الصرف الصحي
تم إنشاء حوض مياه الصرف الصحي الذي تسبب في الكارثة في شهر أيلول عام 2006م على مساحة قدرها 21 الف متر مربع ليتسع إلى 40-50 ألف متر مكعب من المياه. وقد تم إنشائه لتخفيف الضغط عن الأحواض الكبرى التي كانت و ما زالت تهدد القرية و القرى الفلسطينية المجاورة. في بداية السبعينات, بدأ الاحتلال الاسرائيلي بادخال خدمات الصرف الصحي إلى بعض مناطق قطاع غزة ومنها منطقة جباليا, ومن اجل نقل المياه من المنطقة قام الاحتلال عام 1976م بإنشاء مشروع أحواض الصرف الصحي في منطقة بيت لاهيا على مساحة 100 دونم مقسمة على سبعة أحواض بطاقة استيعابية تبلغ 5000 متر3 يوميا, على أن يتم معالجة هذه المياه من خلال أحواض المعالجة. بقي الحال على ما هو علية حتى نهاية الثمانينات عندما زاد الضخ على أحواض الصرف الصحي عن الطاقة الاستيعابية المسموح بها؛ عندها بدأت المياه تخرج من الأحواض من الجهة الغربية لتتجمع في المنطقة المنخفضة المجاورة للأحواض ولتكون حوض عشوائي ضخم اخذ يتسع يوما بعد يوم إلى أن أصبحت مساحته اليوم تراوح 400 دونما. انظر الخارطة
ومما زاد من كميات الضخ على أحواض الصرف الصحي هو توسع سلطة المياه و المجاري في تنفيذ مشروع البنية التحتية ومنها مشاريع الصرف الصحي في محافظة الشمال حيث تم ربط شبكات الصرف الصحي في بيت لاهيا وبيت حانون إلى جانب جباليا بأحواض الصرف الصحي حتى وصلت كميات الضخ اليومية الآن إلى 15الف م3 من المياه, مما أدى إلى تفاقم المشكلة إلى مستويات خطيرة , الأمر الذي اجبر السلطات المعنية (سلطة المياه – مصلحة مياه بلديات الساحل – مجلس الخدمات المشترك) على البحث عن أحواض جديدة لنقل المياه المتزايدة يوميا إليها حيث تم استخدام حوض الترشيح الأول لمياه الأمطار الذي تبلغ مساحته 35 دونم وملئه بمياه الصرف الصحي, حيث كان يستخدم لتجميع مياه الأمطار وإعادة حقنها في الأحواض الجوفية من جديد. وبرغم ذلك, لم يكن هذا بالحل الامثل لتفادي الخطر, فقد تزايدت المشكلة إلى درجات خطيرة وصلت ذروتها في العام 2004م حيث وصلت مساحة البركة العشوائية إلى أكثر من 300 دونم وكانت مهددة بالانهيار في كل لحظة؛ فكان يجري تدعيمها بشكل مستمر إلى أن وصلت إلى مرحلة صعبة جدا استحال فيها إمكانية استمرار الضخ إلى أكثر مما هو عليه وكان ذلك في شهر 6/2006م حيث بدأت الجهود بإنشاء حوض جديد يقع إلى الشمال من قرية أم النصر بحوالي 400م الأمر الذي واجه معارضة شديدة من سكان القرية. وبعد شهرين من المفاوضات تم الاتفاق على إنشاء حوض جديد إلى الشرق من قرية أم النصر في منطقة مرتفعة عن القرية بحوالي 20م و على مساحة 27 دونم وبطاقة استيعابية لا تتجاوز الخمسين ألف م3 من مياه الصرف الصحي بحيث لا يتجاوز ارتفاع المياه فيه الى 1.5م. و قد تم الاتفاق بين مجلس الخدمات المشترك وسلطة المياه على أن يستخدم هذا الحوض لحالات الطوارئ. ونتيجة لخطورة الوضع في البركة العشوائية التي وصلت مساحتها إلى 350 دونم كان لا بد من تنفيذ المشروع وجرى ذلك خلال شهري أيلول و تشرين اول من عام 2006م.
بدأ ضخ مياه الصرف الصحي إليه من الأحواض فور الانتهاء من العمل بالمشروع الى أن حدثت الكارثة وانهار الجدار الغربي للحوض في الساعة التاسعة والنصف صباحا من يوم الثلاثاء الموافق 27/3/2007م وأغرق قرية أم النصر في مياه الصرف الصحي .
و كان قد سبق لسلطة المياه أن بدأت بالتفكير في مشكلة مياه الصرف الصحي منذ بداية عام 1996م لوضع الحلول الجذرية لها, وفي عام 1999م تم إعداد دراسة شاملة لحل المشكلة من خلال تنفيذ مشروع متكامل يتم فيه تكرير المياه وإعادة استخدامها, ومن خلال الدول المانحة تمت الموافقة على تنفيذ مشروع الصرف الصحي شرق جباليا (شرق المقبرة الشرقية) بجوار خط الهدنة. فقد كان مقررا نقل وتحويل مياه الصرف الصحي في محافظة الشمال إلى هذا المشروع وتفريغ أحواض الصرف الصحي في بيت لاهيا وإعادة تأهيل المنطقة. و قد بدأ العمل في هذا المشروع عام 2004م وكان من المقرر الانتهاء من المرحلة الأولى للمشروع في شهر أغسطس 2006م إلا انه أوقف أكثر من مرة من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي كان أخرها بتاريخ 27/6/2007م حيث تم مزاولة العمل فيه بعد وقوع الكارثة وموافقة الإسرائيليين على استكمال الأعمال في فترة ستين يوما فقط.
كيفية انهيار الجدار الغربي للحوض
يقع الحوض في منطقة مرتفعه نسبيا عن محيطه باستثناء الجهتين الجنوبية والشمالية, أما الجهتين الغربية والشرقية فهما منحدرتان الأولى باتجاه قرية أم النصر والثانية باتجاه عزبة بيت حانون. بعد بناء السواتر الترابية للحوض بارتفاع مترين جرى تدعيمها بشكل جيد. وبدأت المياه تضخ إليه بشكل امن , ولكن نتيجة لارتفاع حالة الخطر في البركة العشوائية تم ترفيع السواتر الترابية ثلاث مرات : الأولى في شهر 12/2006م و الثانية في شهر 1/2007م و الثالثة في 22/3/2007م , قبل وقوع الكارثة بخمسة أيام حيث أصبح ارتفاع السواتر بعد الترفيع الأخير ما يقارب أربعة أمتار لتصل المياه إلى حواف السواتر العليا, الأمر الذي زاد الضغط المباشر على السواتر الترابية من الأعلى والأسفل, علما بان طاقته الاستيعابية من 1.5-2 متر فقط .
و قد لوحظ في يوم 20/3/2007م, أي قبل وقوع الكارثة بسبعة أيام, تسرب المياه من الزاويتين الشمالية الغربية والشمالية الشرقية للحوض . وبناءا عليه أوقف الضخ في الحوض مما دعى سلطة المياه الى القيام باعمال الترفيع لتفادي خطر التسرب. و بعد توقف الضخ على الحوض لمدة ثلاثة أيام, انخفض منسوب المياه من 10- 15 سم مما دعى سلطة المياه الى إعادة الضخ من جديد لتخفيف الضغط عن البركة العشوائية, واستمر الأمر كذلك حتى يوم الثلاثاء عندما انهار الجدار الغربي للحوض و أغرقت القرية.
ان عملية الانهيار بدأت من أسفل الجدار الغربي للحوض؛ فنتيجة لارتفاع المياه إلى مستوى يقارب الأربعة أمتار ازدادت عملية الضغط على الجدران الترابية وبدأت المياه تتسرب من أضعف منطقة بالجدران وهي منطقة تقع في وسط الجدار الغربي حيث وصلت الرمال إلى مرحلة التشبع ؛ عندها فقدت قدرتها على التماسك وانهار الجزء الأوسط من الجدار الغربي محدثا حفرة كبيرة في مكان الانهيار . و تكمن الخطورة الاكبر في البركة العشوائية التي تهدد منطقة المنشية ومحافظة الشمال بشكل عام إذا ما انهارت. و ان أي تعطيل في تنفيذ مشروع مياه الصرف الصحي الجديد شرق المقبرة الشرقية في مدينة جباليا سيؤدي إلى وقوع كارثة جديدة قد تودي بحياة العشرات من المواطنيين.
المشاكل الناجمة عن انهيار حوض مياه الصرف الصحي
ان تسرب المياه العادمة الى المياه الجوفية بسبب انهيار حوض الصرف الصحي سوف يعمل على تلويثها حيث إن مستوى المياه الجوفية قريب حدا إلى مستوى سطح الأرض, وبالتاي ستعمل على تلويث مياه الحوض الجوفي.
تعتبر المياه الجوفية الموجودة في المنطقة غير صالحة نوعا ما بسبب مستوى النيرات فيها حيث يصل الى 500 ملغم لكل لتر وهو عشر إضعاف الحد المسموح به من قبل منظمة الصحة العالمية حيث إن أكثر من 50% من الآبار الجوفية المخصصة للشرب في قطاع غزة ملوثة حسب معايير وتقارير منظمة الصحة العالمية.
إن انتشار مياه المجاري غير المعالجة داخل المنطقة السكنية سيعمل على انتشار الروائح والحشرات مما سيساهم في تفشي الإمراض مثل الكوليرا بين المواطنين.
إن ملوحة الأراضي الزراعية سترتفع من جراء فيضان مياه المجاري مما سيؤدي إلى تقليل من إنتاجيتها وستؤدي هذه المياه إلى قتل الكائنات الحية الموجودة بالتربة وكذلك نفوق الحيوانات الموجودة بالمنطقة.