يهودية الدَولة …….مَاذا تَعنِي ….وَلِمَاذَا الآن ؟؟

يهودية الدَولة …….مَاذا تَعنِي ….وَلِمَاذَا الآن ؟؟

إن عملية السَلام بالرغم من أنها قد تشكل مخرجًا للاسرائيليين للحد من صورة إسرائيل كدولة إحتلال، إلا أنها فتحت على عملية السلام جبهات لا تقل خطورة على بقائها واستدامتها وكينونتها كدولة تأسست لتكون  دولة قومية للشعب اليهودي في العالم.  وعبر سنوات وجودها المثثير للجدل حاولت إسرائيل الدولة أن تتخلص من العرقيات الأخرى والحد من وجودهم وكانت البداية بطرد ما يقارب 800 ألف فلسطيني من الداخل الفلسطيني عند قيامها عام 1948، واستمرت على نفس المنوال خلال السنوات التي لحقت تأسيسها ، حيث ابتدعت إسرائيل قوانين عنصرية مختلفة بهدف تهميش الوجود غير اليهودي فيها وتحديدًا الفلسطينيي، ولكن كل هذه المحاولات كان مصيرها الفشل بعد مرور أكثر من ستين عامًا على تأسيس إسرائيل يشكل الفلسطينيون اليوم 20% من السكان وهم في تزايد مستمر، وبحسب إحصائيات إسرائيلية فإن الفلسطينيين سيتساوون بالعدد مع اليهود بحلول العام 2030، ومن هنا بدأ الاستشعار بالخطر على المفهوم الأيدولوجي للدولة الإسرائيلية والذي يقوم على الديانة اليهودية .

لاحقًا ومع بدأ عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني و الإسرائيلي في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، كان الهدف الرئيسي للحكومة الإسرائيلية انذاك بقيادة إسحق شامير بأن تفصل الإسرائيليين عن الفلسطينيين وتكريس مفهوم يهودية الدولة من خلال رفضهم التعاطي مع حق العودة والإصرار على عدم تقسيم القدس ولكن تبين بعد ذلك وجود رؤية إبعد للموضوع تتجلى من خلال التوسع الإستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية وابتلاع الأراضي الفلسطينية وتفتيتها جغرافيا من خلال فرض الإستيطان كأمر واقع بشكل مكثف وممنهج حيث تضاعف عد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس بحيث وصل إلى أكثر من 582 ألف مستوطن يقطنون في 199 مستوطنة و232 بؤرة إستيطانية غير شرعية منتشرة كالسرطان في سائر أرجاء الأراضي الفلسطينية المحتلة ،وصولا إلى خطة الفصل الإسرائيلية أحادية الجانب  والمتمثلة في بناء الجدار الفاصل والذي يهدف إلى أستيلاء إسرائيل على مساحة إضافية تقدر ب 13% من إجمالي مساحة الضفة الغربية تمهيدًا لضمها إلى إسرائيل ، ناهيك عن قيام دولة الإحتلال بتكثيف البناء الإستيطاني غير الشرعي في عمق الضفة الغربية والقدس وذلك بهدف القضاء على أية فرصة لإقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا وقابلة للبقاء وضمان بقاء القدس العاصمة الأبدية والموحدة للشهب اليهودي.

مَاذا تَعنِي يَهودية الدَولة ؟

بعد أكثر من ستين عامًا على قيام إسرائيل ، خرج قادة الإحتلال بشرط مُسبق للمضي قدمًا في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني وهو شرط إعتراف الفلسطينيين والعرب بإسرائيل كدولة يَهودية بعد أن كان المطلب الرئيسي لقادة إسرائيل خلال العقود الماضية هو الاعتراف الفلسطيني والعربي بحقها في الوجود. فإذا ماذا تعني يهودية الدولة لكي يتمسك به قادة الاحتلال بهذا الشكل؟

إن إعتراف الفلسطينيين والعرب بإسرائيل كدولة يهودية للشعب اليهودي في العالم  ينطوي على مخاطر وتهديديات جمَة تمسُ في جَوهرِها الوجود الفلسطيني داخل إسرائيل حيث سيصبح أكثر من 1.5مليون فلسطيني يعيشون في داخل إسرائيل مجرد أقلية مقيمية لا تتمتع بأبسط حقوق المواطنة ، حيث يمكن لدولة إسرائيل بان تفرض على فلسطيني الداخل والقدس واقعًا جديدًا بذريعة يهودية الدولة على أساس أن إسرائيل دولة يهودية وبالتالي فان سكانها يجب أن يكونوا من اليهود أو يعتنقوا الديانة اليهودية وبالتالي فإن الفلسطينيين المقيمين داخل إسرائيل أصبحوا بين ليلة وضحاها غُرباء لا يتمتعون بحقوق المواطن داخل دولة إسرائيل ، فبذلك تكون دولة الإحتلال دفعتهم للاختيار بين أمرين أحلاهُما مُرَ ، الأول ان يقبلوا العيش داخل اسرائيل كاقليةٍ ليس لها حقوق، الأمر الذي سيقودهم في النهاية إلى الهِجرة الطَوعية  نتيجة فقدانهم لأبسط حُقوقهم  فيصبحوا مجرد مقيمين يعانون من التمييزِ والتَهميش كما هو الحال اليوم مع مواطِني القُدس الشرقية الفلسطينيين حيث تقوم السلطات الإسرائيلية بالتضييق عليهم ومنعهم من التوسع والبناء ناهيك عن تهديد إقامتهم بالقدس بقوانين غير شرعية كقانون مركز الحياة الذي تسبب بطرد عشرات الالاف من المقدسيين من المدينة المحتلة بذريعة عدم قدرتهم على إثبات بأن القدس مركز حياتهم  ،أما الخيار الثاني فهو إعتناق اليهودية وتخليهم عن ديانتهم لأجل العيش في دولة تدَعي الديمقراطية الأمر الذي يعتبر مستحيلاً.

إن التهجير الطوعي للسُكان الفلسطينيين داخل إسرائيل ليس الخطر الوحيد الذي يواجِهُهُم في حالِ إعترافِهم بيهودية الدولة بل إن هناك خطرًا أكبر ويتمثلُ في إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجَرتهم آلةُ الحربِ الاسرائيلية قسرًا عن أراضيهم ما بين الأعوام 1948 و 1967، حيث سيصبح ما يزيد عن 5  ملايين لاجئ فلسطيني أمضوا أكثر من 60 عاما في الشَتات والمنفى الإجبارى مُجرد رقم في كُتب التاريخ ، وسيتم إنهاء أي أساس قانوني وتاريخي للقرار 194  الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في الحادي عشر من كانون الأول عام 1948 والذي ينص على حق الفلسطينيين الذين هجرتهم إسرائيل خلال حرب عام 1948 على العودة إلى بيوتهم وأراضيهم التي هُجِروا منها قسرًا.

يبدو أن فكرة يهودية الدَولة لم تكن جديدة لدى قادة الإحتلال، ففي العام 2003 أقرَ الكنيست الإسرائيلي قرارًا يقضي بضرورة تعميق فكرة يهودية الدَولة وانتزاع إعتراف فلسطيني ودولي بها حيث سعت الحُكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ ذلك الزمن إلى انتزاع موافقة المُفاوض على شَرطها الجديد. هذا ولم تكتفي إسرائيل بطرح فكرة يهودية الدولة، بل وبدأت بتنفيذِها على أرض الواقع وذلك من خلال البدء بتشريعَ قوانينَ عُنصرية تَهدف اليهودي' حيث يحظى هذا القانون بالأغلبية لتمريره وسيتم التصويت عليه فيالمطلوبة في الكنيست  الدورة الشتوية للكنيست الإسرائيلي من العام الجاري. أيضًا فان نفس مشروع القانون يتضمن إقتراحًا بإلغاءِ اللغة العربية كلغة رسمية والاكتفاء باللغة العبرية.

علاوة على ذلك ، فقد صدَق الكنيست الإسرائيلي ومن القراءة الأولى في الرابع من شهر آب  من العام الجاري أيضا على مشروع قانون ما يسمى ب ' مكافحة الإرهاب'وهو قانونٌ مُفصل مُثير للجدل وهو الأول من نوعِه منذ العام 1945 حين سنَت سُلطات الإنتداب البريطاني قانون الطوارئ ، حيث يتيح القانون الجديد لسلطات الإحتلال صلاحية تحديدِ وتعريف من هو الإرهابي، ويمنح الدولة صلاحياتٍ واسعةً جدًا لاتخاذ إجراءاتٍ ضد الأفراد والمؤسسات دون توفير الحد الأدنى من الرقابة القضائية وإحترام الحقوق الأساسية .

 مشروعية المطلب الإسرائيلي

يبدو أن المجتمع الدولي والعالم إعتادوا على فكرة كون إسرائيل دولة فوق القانون لا تمتثلُ للقانونِ الدوليٍ والانساني أو لقرارات الشرعية الدولية، ولم يستطع أحد إلى الأن إرغامها على الإنصياع لقرارات الشرعية الدولية حيث أصبح لها سِجلاً حافلاً من التسويف والمُماطلة والتهرُب من هذه القرارات إبتداءًا من عدم تنفيذها للقرار 181 والذي يقضي بتقسيم فلسطين حيث سيطرت بشكل احادي الجانب وبالقوة على مساحاتٍ أكبر من تلك التي نص عليها القرار المذكور بالإضافة الى القرار  242 المُتعلق بانهاءِ إحتلالها للاراضي الفلسطينية، مرورًا بالقرار 194 الخاص بقضية اللاجئين الفلسطينيين وإيجادِ حلٍ عادلٍ لقضيتهم حيث أن القرارين 181 و 194 كانا حَجرالزاوية لقبول عُضوية إسرائيل في الأمم المتحدة في الحَادي عشر من أيار من العام 1949 ووفقا لقرار الجمعية العمومية رقم 273 والذي نص على 'قبول إسرائيل- كدولة مُحبة للسلام- كعُضوٍ جديدٍ في الأمم المتحدة بناءً على قبول إسرائيل بالقرارين السابقين والإلتزامِ بهما'.

 وبمعنى آخر فإن إسرائيل نكثت إلتزامها بهذين القرارين وبالتالي فانها أخلت بشروط عُضويتها في الأمم المتحدة ومن المنطق أن تَطلب أيُ دولةٍ في العالم وليس فقط الفلسطينيين بتجميد عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة وأن 'لا يُتعتبر هذه محاولة لنزع شرعية إسرائيل كما يدعي قادتُها' ، بل أن تكونَ خطوة في مسارِ تصويب الأوضاع، فإما أن تنصاع إسرائيل – كدولة محتلة –  للمنظمة الدولية الشرعية التي تمثل دول العالم الأن وهي حتى يومنا هذا  'الأمم المتحدة'، لها ما لها وعليها ما عليها ، وإما أن يتحمل المُجتمع الدولي مسؤوليته لتصحيح هذا الخطأ الذي يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني الرَازح تحت أطول إحتلالٍ في التاريخ الحديث.

ليس ذلك فحسب ، بل إن إسرائيل وببناءها وبشكل أحاديِ الجانب جدار الفصل العُنصري غير القانوني في الضفة الغربية المحتلة كانت قد خرقت كافة القوانين الدولية والانسانية وقرارات الشرعية الدولية بل و أكثر من ذلك ، إن عدم إلتزام إسرائيل بضرورة إزالة وتفكيك الجدار الفاصل بناء على الرأي الإستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في لاهاي في التاسع من تموز من العام 2004  ، والذي صدر بناءًا على طلبٍ رسمي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة 'كوفي عنان' في الثالث من كانون الأول من العام 2003 للمحكمة لاستيضاح شرعية بناء الجدار، يعتبر خرقا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة الذي يعد تنفيذ أي من بنوده ، تصبح عُضوية الدولة غير الملتزمة محل جدال: المادتين  94 و 96 من الفصل الرابع عشر من ميثاق الأمم المتحدة واللذان ينصان على ضرورة أن تلتزم الدول الأعضاء بالقرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة مع إمكانية التوجه إلى مجلس الأمن الدولي في حال عدم تنفيذ أحد الأطراف لقرارات المحكمة، حيث يعتبر الرأي الاستشاري الذي ياتي بطلب من الأمين العام للامم المتحدة في نفس السياق، ويستوجب على الأعضاء الدول الأعضاء الإمتثال له.

على الأرض فإن إسرائيل ماضية قدما في سيطرتها على الأراضي الفلسطينية من خلال تكثيفها للاستيطان في كافة أرجاء الاراضي المحتلة ، حيث لا تتورع إسرائيل عن إستخدام عملية السلام  كمناورة وغطاء لسياسة الاستيطان وكسب الوقت لتمرير ما تريد من قرارات وخطوات في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني ، وما يهودية الدولة الا أحد هذه المُناورات حيث تريد إسرائيل التخلص من الفلسطينين الموجودين في الداخل وتهجيرهم من أراضيهم لتنتصر، ليس لديمقراطيتها الزائفة بل لايدولوجيتها التي لا تعرف الا الأستيطان والتهويد والتخلص من أي وجود  لأي طرف أخر يُعكر صفو مُخططاتها التوسعية والاحتلالية ويقف حجر عثرة أمام تنفيذ سياستها وماربها والتي تثبت يوما بعد يوم أن صراعها مع الفلسطينيين هو مسالة وجود وليست مسالة حدود أو اي شئ اخر.

بما أن ما تبقى من عملية المفاوضات لم يكن كافيا للفلسطينيين لبناء الدولة ، ولم يكن كافيًا للاسرائيليين لتكريس يهودية الدولة بحيث أصبحت الأوراق الإسرائيلية مكشوفة فنقلت نقلت الوضع التفاوضي مع الفلسطينيين للمربع الأخير بحسب شروطها من خلال لاّت نتنياهو الشهيرة وهي : لا لعودة اللاجئين لأراضيهم ، لا لتقسيم القدس، لا لإخلاء المستوطنات غير الشرعية، لا لسيادة فلسطينية على الأغوار.

 فبالإضافة لهذه اللاءات فإن إسرائيل ماضية قدمًا في تعنتها ورفضِها للإنصياع لقرارات الشرعية الدولية بخصوص الاستيطان ومصادرة الأراضي بذرائع مختلفة بالإضافة إلى رفضها تطبيق قرار محكمة العدل الدولية الصادر في لاهاي عام 2004 والذي يقضي بعدم شرعية بناء جدار الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية وضرورة تفكيكه وإزالته وتعويض المواطنين المتضررين منه، حيث يعتقد الإسرائيليون أن هذه الخطط التوسعية والإحتلالية وفرض سياسة الأمر الواقع ستضمن لهم يهودية الدولة بحيث تكون إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي في العالم وخاصة وأن عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وداخل إسرائيل يساوي اليوم عدد البهود القاطنين في أرض فلسطين وأن الفلسطينيين سيتجاوزون الإسرائيليين عددًا في غضون السنوات القليلية القادمة ، الأمر الذي دعا إسرائيل إلى رفع شعار التمسك بضرورة تعريف إسرائيل كدولة يهودية خالصة متجاهلين تمامًا حق الفلسطينيين الشرعي والمتمثل في إقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.

اعداد: معهد الابحاث التطبيقية – القدس

(أريج)

Categories: Israeli Violations