إلى قبر راحيل…طريق معبد بمعاناة الفلسطينيين

إلى قبر راحيل…طريق معبد بمعاناة الفلسطينيين

 

 

لم يكن القرار الصادر عن محكمة العدل العليا الإسرائيلية بتاريخ 3/2/2005 برد الالتماس المقدم من بلديتي بيت جالا و بيت لحم و سكان محيط قبر راحيل (مسجد بلال بن رباح) غير متوقع رغم إيمان أصحاب القضية بعدالة السماء. حيث رفضت محكمة العدل العليا ادعاء الفلسطينيين بأن مسار جدار الفصل في منطقة قبة راحيل سيكون له آثار سلبية على واقع حياة الفلسطينيين القاطنين في المنطقة حيث أكدت المحكمة بأن المسار المعدل للجدار لن يؤثر على حياة الفلسطينيين هناك.

و بالإشارة إلى قرار المحكمة فان السؤال المطروح هو, كيف يمكن لقاضي إسرائيلي أن يصدر حكماً حول قضية الجدار بمجرد الاطلاع على خرائط و صور و بدون الوقوف على ما يتعرض له السكان على أرض الواقع نتيجة جدار الفصل. حتى أن القرار الصادر عن المحكمة لم يعترف حتى بوجود معاناة واقعة على السكان الفلسطينيين القاطنين في محيط القبر إلا أنه أكد على أحقية المصلين اليهود بالوصول و الصلاة في القبر و هو الأمر الذي لا يرفضه الفلسطينيين الذين يقدسون حرية العبادة و الصلاة لأهل الذمة جميعاً. إلا أن هذا أمر لا يقر به الإسرائيليين الذين يمنعون السكان الفلسطينيين و منهم أهالي مدينة بيت لحم من الوصول إلى أماكن العبادة الخاصة بهم في مدينة القدس القابعة تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 37 عاماً و تحت الحصار منذ أكثر من 12 عاماً.

منطقة قبر راحيل

يعتبر قبر راحيل الواقع في المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم ذات أهمية دينية و تاريخية وأثرية حيث يقصده الحجاج من مختلف الديانات السماوية الثلاث وقد منعت القوات الإسرائيلية منذ بدء الانتفاضة دخول الحجاج غير اليهود إلى الموقع كخطوة أولى لضم الموقع إلى ما يسمى بلدية القدس.

وبحسب اتفاقية اوسلو2 الموقعة في العام 1995 تم تصنيف منطقة قبر راحيل كمنطقة 'ج' وهي منطقة تقع بالكامل تحت السيطرة الإسرائيلية مع السماح للفلسطينيين باستعمال الطريق المحاذي لمنطقة القبر ودخول القبر لإغراض دينية إلى حين إتمام مفاوضات الحل النهائي حيث ستنتقل السيطرة على منطقة القبر إلى الفلسطينيين. وفي شهر أيلول من العام 2002 اقر مجلس الوزراء الإسرائيلي من خلال المجلس الأمني المصغر خطة قاضية بوضع منطقة قبر راحيل تحت السيطرة الإسرائيلية ومن ضمنها المنطقة المعزولة خلف منطقة الجدار مع ترسيخ وجود الجيش الإسرائيلي في موقع عسكري. وفي شهر شباط من العام 2003 تم إصدار أمر عسكري إسرائيلي بمصادرة مساحة 18 دونم في المدخل الشمالي لبيت لحم لضمها إلى حدود بلدية القدس وستؤدي المساحة المصادرة الهادفة إلى أقامة جزء من الجدار إلى عزل حوالي 3000 دونم من أراضي بيت لحم الشمالية حيث سيعتذر على أصحاب تلك الأراضي الوصول إليها, كما سيتم محاصرة ما يزيد عن 40 منشأه سكنية صناعية نتيجة هذا القرار, وعقب عدة احتجاجات من جانب المواطنين الفلسطينيين على القرار الإسرائيلي تم تعديل القرار أكثر من مرة حيث كان آخر قرار صادر في  هذا الشأن  في شهر آب 2004 و الذي يقضي بإبقاء مسار الجدار على حاله بعزل 3000 دونم مع مصادرة 26.5 دونم إضافية في محيط القبر و عدم ضم أية منشأه سكنية أو صناعية فلسطينية إلى المساحة المصادرة .  بيد أن الأمر العسكري المعدل لمنطقة قبر راحيل ورغم كونه يستثني أي مبنى فلسطيني فأنة في الوقت ذاته يحرم جميع المواطنين في منطقة قبر راحيل من حرية الحركة و التواصل مع باقي أجزاء المدينة مما سيكون له الأثر الكبير في مستوى الخدمات المتوفرة لهم على كافة الأصعدة.

التعديل الأخير على مسار الجدار في منطقة قبر راحيل

 

قبر راحيل أكثر من مجرد مكان للعبادة:

عقب القرار الصادر عن محكمة العدل العليا الإسرائيلية برفض الدعوى المقامة من بلديتي بيت لحم و بيت جالا و السكان الفلسطينيين المحيطين بقبر راحيل, بدأت النوايا الإسرائيلية بالظهور في ما يتعلق بالخطط المزمع تنفيذها فيما يتعلق بوضعية القبر, حيث كشفت مسئولة إحدى الجمعيات التابعة لموقع القبر لصحيفة الجيروزليم بوست و تدعى مريم آداني المؤسسة لصندوق 'قبر راحيل' بأن قرار المحكمة الإسرائيلي هو مجرد الخطوة الأولى لإقامة بؤرة استيطانية لتجمع يهودي ديني في محيط القبر حيث سيتم إقامة مئات الشقق السكنية على الأراضي المحيطة و المملوكة للفلسطينيين بوثائق رسمية مسجلة مشيرة بأن وجود الجيش في منطقة القبر هو تمهيد لاستقدام العديد من العائلات للإقامة هناك, غير أن الأوضاع الأمنية الغير مواتية قد أعاقت استصدار موافقة أمنية من القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي بانتقال المدنيين و الشروع بعمليات البناء حتى اللحظة مشيرة إلى إمكانية الحصول على الموافقة الأمنية فور الانتهاء من العمل على بناء الجدار المزمع إقامته في محيط القبر.

وقد أشارت آداني بعدم اكتراثها لما سيحدث للفلسطينيين القاطنين في محيط المنطقة زاعمة بأن وجود اليهود في المنطقة يزيد من الاستقرار الأمني للمنطقة. كما أكدت آداني بأن قرار المحكمة الصادر لصالح الإبقاء على التعديل الأخير لمسار الجدار هو قرار غير منطقي رغم كل شيء و ذلك لما سيحدثه من تغيير على مسار الطريق المعتمد للوصول إلى قبر راحيل, زاعمة بأن قرار الحكومة الإسرائيلية القاضي بالانسحاب من قطاع غزة سينتج عنه ترحيل و تعويض آلاف العائلات اليهودية و تعويضهم, فلماذا لا يتم ترحيل و تعويض العائلات الفلسطينية الموجودة في محيط قبر راحيل في المقابل.

 

و هنا يجب التأكيد بأن المقارنة ما بين وضع الإسرائيليين الموجودين في قطاع غزة و الضفة الغربية و ما بين الفلسطينيين هو أمر غير قانوني و غير منطقي حيث أن الفلسطينيين هم سكان البلاد الأصليين و التي تضرب جذورهم في البلاد منذ مئات أو آلاف السنين, في حين أن وجود اليهود الإسرائيليين في الضفة الغربية و القطاع هو غير قانوني و مخالف للقوانين و الأعراف الدولية حيث تم الإشارة لذلك في البند 49 من اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 و التي أكدت بعدم قانونية قيام الدولة المحتلة بنقل أي فرد أو مجموعة مدنية من سكانها إلى داخل المناطق التي احتلتها أو حتى إقامة منشآت مدنية لإيوائهم, فضلا على ذلك فان هناك إجماع دولي على عدم قانونية المستوطنات الإسرائيلية و سكانها في المناطق التي احتلتها إسرائيل بعد العام 1967.

إن قرار المحكمة الإسرائيلية الأخير برفض دعوى تغيير مسار الجدار في منطقة قبر راحيل شمال محافظة بيت لحم و إبقائها على مسار الجدار الذي اقر في آب هو بالحقيقة ضم المنطقة إلى حدود بلدية القدس و خرق فاضح لاتفاقيات أوسلو التي حددت المنطقة المستهدفة من  ضمن المناطق التي ستقع تحت السيطرة الفلسطينية و ليس الإسرائيلية في المرحلة ما بعد مفاوضات الحل النهائي, مع الإشارة بأن القرار الإسرائيلي يأتي معاكساً لنداءات الولايات المتحدة و المجتمع الدولي لإسرائيل بعدم القيام بأي خطوات من شأنها تقويض العملية السلمية و التي انطلقت بركائز محفوفة بالمخاطر عقب مؤتمر شرم الشيخ الأخير

 

 

اعداد:

معهد الابحاث التطبيقية – القدس ( أريج)

Categories: Segregation